نحو تأسيس كتابة تاريخيّة جديدة للبنان

Views: 332

د. مسعود ضاهر*

لم تكُن الطائفيّة عنصراً بارزاً في زمن انتفاضات الفلّاحين اللّبنانيّين أو غرضيّاتهم السياسيّة في القرن التاسع عشر. وشكّلت مرحلة الأمير بشير الثاني الشهابيّ نقطةَ تحوّلٍ أساسيّة في ترسيخ زعامة الأعيان المُستمرّة في النظام السياسيّ اللّبنانيّ. دامَ حُكمه قرابة الخسمين سنة، وكان مُنطلقاً لتوحيد السلطة السياسيّة المركزيّة بالارتباط التبعيّ مع قوىً إقليميّة جديدة ضدّ السلطنة العثمانيّة.

حرصَ حليفُه محمّد علي باشا على تهدئة النزاعات وإخضاع جميع المقاطعجيّين في بلاد الشام للحُكم المصري. ووجَّه مناشيرَ إلى السكّان جاء فيها: “الإسلام والنصارى جميعهم رعايانا، المذهب ما له دخل بحُكم السياسة، فيلزم أن يكون كلٌّ بحاله، المؤمن يجري إسلامه والعيسوي كذلك، ولا أحد يتسلّط على أحد”.

وبعد زوال الحُكم المصري وإنهاء حُكم الأسرة الشهابيّة، بدأت الطائفيّة تلعب دَوراً ملحوظاً في النظام السياسي اللّبناني في عهد الفِتن زمن القائمقاميّتَيْن. وهي صيغة سياسيّة بُنيت على ركيزةِ ثنائيّةٍ طائفيّةٍ بين الدروز والنصارى؛ ففشلت قياداتها في إدارة دفّة الحُكم، وأَفضت إلى نزاعاتٍ دمويّة بين اللّبنانيّين، استدرَجت تدخُّلاً عثمانيّاً رفيع المستوى لمُعاقبة الجناة المحليّين، وبرعايةٍ أوروبيّة قادت إلى ولادة متصرفيّة جبل لبنان.

رحّبت السلطنة العثمانيّة بنظام القائمقاميّتَيْن والمتصرّفيّة استناداً إلى رؤيةٍ سياسيّة تخدم مصالحها، وليس بسبب ضغوط الدول الأوروبيّة التي ادّعت حماية الطوائف اللّبنانيّة؛ فالطائفيّة السياسيّة وَلَّدت نزاعاتٍ دمويّة بين اللّبنانيّين كانت السلطنة المُستفيد الأوّل منها.

يُعتبر توصيف النظام السياسي اللّبناني الحالي، على أنّه نظامٌ طائفي، تشويهاً مقصوداً لتاريخ لبنان المُعاصِر. فالطائفيّة السياسيّة هي من سمات العصبيّات القاتلة التي قامت على ذهنيّة الانغلاق على الذّات؛ وتسبَّبت بنزاعاتٍ دمويّة أدّت إلى مقتل مجموعة كبيرة من السكّان الأبرياء، وأحياناً بعقابٍ جماعي أو بترحيلِ طوائف بكامل أفرادها من مناطق سَكَنِها.

بعد قيام دولة لبنان الكبير في العام 1920 تبلْوَرت وجوهٌ عدّة للنظام اللّبناني الجديد تختلف عن نظام الإمارة؛ فهو نظام طوائفي اجتماعيّاً، وليس طائفيّاً، لأنه يضمّ ثماني عشرة طائفة غير مُتساوية. واقتصاديّاً، نظام خدمات بُني على رأسماليّةٍ ريعيّة لا تدعم الإنتاج والقوى المُنتجة؛ وسياسيّاً، نظام جمهوري برلماني تبنّى صيغة ميثاق شفوي وديموقراطيّة توافقيّة غلّبت الأعراف على الدستور المكتوب، ومصلحة الزعماء على مصلحة لبنان الوطن.

لم يتضمّن الدستور اللّبناني لعام 1926 سوى إشارة واحدة إلى الطائفيّة من بابِ الحرص على التوازُن الوظيفي، وبصورة مؤقّتة؛ لكنّ الدراسات المُسندة إلى المنهج الطائفي، بشقَّيْه الديني والسياسي، كانت تضيف مرويّاتٍ طوائفيّة غير دقيقة، ولم تَعُد تستقطب المؤرّخين المتنوّرين الشباب. كما أنّ الحضور الكمّي والمُتزايد للمنهج الطائفي في صفوف المؤرّخين اللّبنانيّين، لا يشكّل دليلَ عافية، بل مؤشِّراً على عُمق الأزمة الثقافيّة للبحث العِلمي في لبنان. ولكثرة ما قُدِّم من مرويّاتٍ وحيدة الجانب، وغالباً غير دقيقة، لعبت الطائفيّة السياسيّة دَوراً سلبيّاً للغاية في تشويه الوعي السياسي الوطني لدى اللّبنانيّين، فكدّست مرويّاتٍ طائفيّة شوَّهت تاريخَ لبنان الحقيقي، أي تاريخ القوى التي ناضلت لبناء لبنان المُعاصِر خارج القَيد الطائفي. ولم يَعُد بالإمكان اعتماد كِتاب تاريخٍ مدرسيٍّ موحَّد في المدارس اللّبنانيّة.

لا بدّ من التأكيد على أنّ إضافة صفة الطائفيّة السياسيّة على النظام اللّبناني غير مبرَّرة إطلاقاً، لا بل مُناقِضة لعِلم السياسة؛ فالطائفيّة السياسيّة ليست سجلّاً لجماهير الطوائف، بل هي وثاق يُكبِّل حريّة اللّبنانيّين ويمنعهم من التغيير الديموقراطي، وقَيْد يكبّل أيادي اللّبنانيّين ويشلّ قدرتهم على بناء نظامٍ ديموقراطي سليم ودولة مركزيّة عادلة ونظام قضائي مستقلّ.

لذلك يُصنِّف الباحثون اللّاطائفيّون النظامَ السياسي اللّبناني بين الأنظمة الديموقراطيّة. وهو تصنيف علمي، لأنّه نظام جمهوري برلماني، ومؤسّساته مطابقة من حيث الشكل للديموقراطيّة. أمّا القول بأنّه بُني على المُحاصَصة الطائفيّة لضمانِ العَيش المُشترَك، فهو تبريرٌ مُخادِع، لأنّ الطائفيّة السياسيّة تأسَّست على أعرافٍ شفويّة غير مكتوبة، وتتناقض مع نصوص الدستور اللّبناني؛ فالميثاق الوطني صيغة سلطويّة مُخادِعة تمسّكت عمداً بالطائفيّة السياسيّة لكي تَمنع قيامَ دولةٍ مركزيّة عصريّة تستطيع مؤسّساتها التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة والإداريّة وحتّى العسكريّة، القيام بعملها بصورةٍ طبيعيّة. وكانت المُفاجأة الكبرى أنّ بطلَيْ الاستقلال بشارة الخوري ورياض الصلح اللّذيْن بشّرا اللّبنانيّين بأنّ إلغاء الطائفيّة سيكون ساعةً مُبارَكة في تاريخ لبنان، كانا من حُماة صيغة الطائفيّة السياسيّة التي تحكّمت بمصير لبنان واللّبنانيّين. ومن أجل دوام سيطرتها على مقدّرات الدولة والمُجتمع، تفتّقت عبقريّة المنظومة السياسيّة المُسيطرة عن مفهومٍ جديد باسم “الديموقراطيّة التوافقيّة” التي حوّلت الديموقراطيّة إلى ديكتاتوريّة مقنَّعة.

دلالة ذلك أنّ الطوائفيّة ليست من سمات النظام السياسي اللّبناني، بل من سماته الاجتماعيّة.. في حين أَدخل قادةُ الاستقلال الطائفيّةَ السياسيّة قسراً في النظام واستخدموها لإفشالِ الدولة اللّبنانيّة المركزيّة، وجمعوا ثرواتٍ طائلة من دون التعرُّض للمُحاسَبة والعقاب.

وتبنّت المنظومةُ السياسيّة في زمنِ الصيغة الميثاقيّة سياسةَ تفجيرِ النزاعات الطائفيّة لتحقيق مصالح شخصيّة، وحلّ تلك النِّزاعات بالتوافُق على قاعدة “عفا الله عمّا مضى” التي شكّلت ضمانةً لاستمرار نفوذ الزعماء وتوريث السلطة لأبنائهم؛ فأسَّسوا لنمطٍ قديم – جديد من نظام “الإقطاع الطائفي” لإذلال رعايا الطوائف وإفقارهم، ما سمحَ بتجدُّد النظام طويلاً والحفاظ على شرعيّته بالعنف المنظَّم عبر “قبضايات السلطة”، والتحكُّم بمقدّرات الدولة ومَوارِدها. اعتبروا أنفسهم ومع مُناصريهم فوق القانون، ولا تجرؤ الدولةُ اللّبنانيّةُ على اعتقالهم ومُحاسبتهم.

مع الاعتراف بشرعيّة الميثاق الوطني، حافظَ قادةُ الاستقلال على شرعيّة النظام السياسي القديم. كانت شرعيّة النظام القديم تُبنى على الوراثة بين ذوي القربى من أعيان الأُسر العريقة، في حين قامت شرعيّة الإقطاع السياسي الجديد على زعاماتٍ من عائلاتٍ غير معروفة في تاريخ لبنان المُعاصِر.

لكنّها فَرضت هَيْمَنَتَها عبر استخدام القبضايات لتقاسُم مغانم السلطة، والسيطرة على مؤسّسات الدولة اللّبنانيّة من داخلها؛ واعتَبرَ كلُّ زعيمٍ نفسَه مُمثِّلاً وحامياً لوحدة الطائفة، باعتبارها هويّة قائمة بذاتها في مُواجَهة هويّاتٍ أخرى تشكِّل مُجتمعةً الهويّة اللّبنانيّة؛ فبقيت جماهير الطوائف أو العامّة جماعاتٍ مهمَّشة تفتقر إلى الهويّة السياسيّة وتُعرَّف كرعايا مُلحَقين بزعاماتهم.

ما كُتب استناداً إلى مرويّاتٍ طائفيّة وحيدة الجانب، حَمَلَ شعاراتٍ شعبويّة تُدَغْدِغ عواطف اللّبنانيّين عبر قراءةٍ سطحيّة للأحداث من دون أن تُقدِّم تحليلاً عِلميّاً معمّقاً لحركيّة التاريخ اللّبناني واحتمالاتها المستقبليّة. وبات المنهج الطوائفي اليوم مُتخماً بمرويّات المؤرّخين اللّبنانيّين المؤدلَجين. وغالباً ما تفتقر كتاباتهم إلى تحليل الأحداث بمنهجٍ عقلاني، كما قدّمه مؤرّخون اجتماعيّون لاطائفيّون. لذا يُعاني المنهج الطائفي اليوم مأزقاً بنيويّاً يصعب تجاوزه إلّا بتبنّي نقيضه، أي لبنان خارج القَيد الطائفي. وقد طَرَحَ شبابُ الانتفاضة اللّبنانيّة هذا البديل بقوّة لحلّ المشكلات الحياتيّة المؤلِمة التي يصعب تجاوزها إلّا بإقامةِ نظامٍ سياسيٍّ جديد. وقد باتت الظروفُ المحليّة مؤاتية لقيامِ نظامٍ سياسي خارج القَيد الطائفي. لكنّ قوى التغيير ما زالت مفكّكة، وتفتقر إلى الوحدة الجامعة على أُسسٍ وطنيّة، وليس لديها تنظيمات مُشترَكة وقادرة على حشْدِ الجماهير اللّبنانيّة في نضالاتٍ وطنيّة جامِعة.

الثقافة المُقاوِمة للعصبيّات القاتلة

في المقابل، شكّلت الثقافة المُقاوِمة للعصبيّات القاتلة ركيزةً أساسيّة في النهضة العلميّة، والاجتماعيّة، والاقتصاديّة، والسياسيّة، والنضاليّة في لبنان، وحفلتْ بالكثير من المواقف الجريئة التي أَحدثت أثراً كبيراً في الصحافة ووسائل الإعلام العربيّة؛ وقد شكّلت مَعلماً بارزاً في تاريخ الفكر السياسي والثقافي العربي، فكان لا بدّ من رؤية الوجه المضيء للتبدّلات الإيجابيّة التي شهدها المُجتمع المدني في لبنان، على الرّغم من سيطرة العصبيّات القاتلة، اللّبنانيّة منها والوافدة إليه من الخارج. لكنّ قادة المنظومة السياسيّة الفاسدة، سارعوا إلى إضافة المزيد من المُمارسات الخاطئة لتبرير صمود نظامهم وصيغة الولاء له أكثر من الولاء للوطن. لكنّ تلك الممارسات غير الدستوريّة كانت سطحيّة أبعد ما تكون عن الثقافة الدستوريّة، منها: الديموقراطيّة التوافقيّة، والميثاقيّة، والتمييز بين الوزارات السياديّة والوزارات العاديّة، وتخصيص وزارات لطوائف محدَّدة، وأفضليّة الزعيم الأوّل في تمثيل طائفته، وتقديس المُحاصَصة الطائفيّة في جميع مؤسّسات الدولة، واحترام حصانة النوّاب وكِبار موظّفي الدولة وعدم مُحاكمتهم إلّا أمام محكمةٍ خاصّة شُكّلت لمُحاكَمة الفاسدين منهم وهُم كُثر، لكنّها لم تجتمع يوماً لمُحاكَمة فاسدٍ واحد. لذلك اعتمدت منهجيّة تاريخ لبنان الاجتماعي خارج القَيد الطائفي، وأبرز ركائزها:

أوّلاً: مجتمع التعدّدية السكّانيّة والتنوّع الثقافي في لبنان، وهي من سمات المُجتمعات الراقية والمتطوّرة. كان المجتمع اللّبناني يُصنَّف بمرتبة النموذج الأرقى في العَيش المُشترَك، بين 18 طائفة وقوميّات عرقيّة عدّة. وأعطى التعاوُنُ الإيجابيُّ بين اللّبنانيّين صفةَ لبنان وطن الرسالة ونقيض الغيتو الصهيوني؛ فالقوى التي صنعت مجدَ لبنان الثقافي والفنّي والحضاري هي القوى اللّبنانيّة المُبدعة في الوطن وبلاد الانتشار؛ وهي التي جعلته قبلةَ الشعراء والفنّانين وأصحاب المشروعات الإبداعيّة. كانت الصورة الجميلة الوافدة عبر وسائل الإعلام في الخارج بأنّ لبنان جامِعة العرب، ومستشفى العرب، ومطبعة العرب، ومسرح العرب، ومهرجان العرب. وهي أيضاً صورة اللّبناني المُبدع داخل الوطن وفي أرقى الجامعات والمعاهد العالَميّة، والمرتبط عاطفيّاً بوطنه، ويُرسِل إلى ذويه مليارات الدولارات سنويّاً، ما جعل المُجتمع اللّبناني في طليعة المُجتمعات العربيّة بطبقةٍ وسطى تجاوَزت نسبتها 70% من اللّبنانيّين قبل الحرب.

ثانياً: تمسُّك دعاة التغيير الديموقراطي خارج القَيد الطائفي بخصوصيّة الهويّة اللّبنانيّة الجامعة، وإظهار السمات الخاصّة للمُجتمع اللّبناني الجديد من ضمن الحدود المُعترف بها دوليّاً. وغالباً ما كانت المُبالغة في إبراز خصوصيّة لبنان “اللّبناني” تُواجَه بخطابٍ إيديولوجي داخلي متشنّج. لذلك حرصَ حكماءُ لبنان على التمسّك بالهويّة اللّبنانيّة الجامِعة التي تضمّ جميع الطوائف من دون تمييز في ما بينها، والكفّ عن اعتبار صيغة لبنان الكبير نِتاجاً لما قبلها.

ثالثاً: تُساعد المَصادر الغنيّة لتاريخ لبنان المعاصر خارج القَيد الطائفي على إعادة التواصُل الثقافي بين أجيالٍ مُتعاقبة من دُعاة التغيير الديموقراطي والنُّخب المتنوّرة من اللّبنانيّين. وتُثبت بالوقائع الدامغة أنّ تاريخ لبنان الاجتماعي المُعاصر، لم يكُن تاريخ طوائف مُتناحِرة، بل تاريخ شعب لبناني ناضَلَ بصلابةٍ ضدّ زعماء فاسدين أجهضوا جميع مُحاولات الإصلاح التي قام بها قادةٌ لبنانيّون متنوّرون.

رابعاً: تُبنى الفرضيّات والاستنتاجات لتاريخ لبنان المُعاصِر خارج القَيد الطائفي على مقولةٍ ثقافيّة مفادها أنّ الاستقرار الاجتماعي الدائم يقود إلى الازدهار الاقتصادي المُستدام. أمّا الاستقرار المرحلي فيقود إلى تنميةٍ مرحليّة غير مُستدامة، كما جرى في الحالة اللّبنانيّة؛ فالعصبيّات القاتلة التي تحكّمت بلبنان منذ الاستقلال نَسفت ركائز الاستقرار والازدهار فيه بدعْمٍ من رأسماليّةٍ ريعيّة غير مُنتِجة، هي بطبيعتها مولِّدة للأزمات، وتقودها منظومةٌ فاسدة.

خامساً: كان دَور قوى التغيير الديموقراطي أساسيّاً في تاريخ لبنان المُعاصِر خارج القَيد الطائفي، وخصوصاً دَور الثقافة المُقاوِمة للفساد في بناء مُجتمع المعرفة اللّبناني، وفي الدعوة إلى بناء الدولة الديموقراطيّة، والتنمية البشريّة والاقتصاديّة المُستدامة في لبنان.

سادساً: استناداً إلى حقائق تاريخيّة دامغة، يُمكن تقديم تحليلٍ جديد ومعمَّق لتاريخ لبنان الاجتماعي المُعاصِر عبر الاستفادة من عالِم الاجتماع الفرنسي جاك بيرك عن “الازدواجيّة في الثقافة العربيّة المُعاصِرة”، والتي تؤكِّد على الوجه المُزدوِج للنظام السياسي اللّبناني؛ فهو نظام جمهوري يتبنّى الديموقراطيّة، لكنَّ قادته يُمارسون أسوأ أشكال الديكتاتوريّة المُقنَّعة. وهو نظامٌ علماني وفق بنود الدستور اللّبناني، لكنّ قادته جعلوا من الطائفيّة السياسيّة سلاحاً رهيباً لإذلال اللّبنانيّين وتفكيك وحدتهم الوطنيّة لمصلحة المنظومة السياسيّة الفاسدة؛ فتحوَّل نضالُ قوى التغيير إلى معركةٍ وهميّة مع وجهٍ طائفي مُعلَن لنظامٍ سياسي لبناني من صنْعِ أعرافٍ ميثاقيّة غير مكتوبة، ولا وجود لها في الدستور. وقد استحدثها قادةُ منظومةٍ فاسدة لخدمة مصالحهم الشخصيّة وعلى حساب تهميش الدستور. فالدستور المكتوب ونقيضه الميثاق غير المكتوب ومشتقّاته المُختلفة، وجهان مُتداخلان ومُتناقضان للنظام السياسي اللّبناني. وعلمانيّة الدستور والمُمارسة الطائفيّة لقادة النظام السياسي وجهان مُتداخلان ومُتناقضان للنظام نفسه. ومنهجيّة تاريخ لبنان المُعاصِر خارج القَيد الطائفي مُحاولةٌ جريئة لتجاوُز المَنهج الطائفي، وهذا الكمّ الهائل من المرويّات التاريخيّة الطوائفيّة التي أَصابت اللّبنانيّين بالغثيان الثقافي القاتل للوعي الوطني. وهي محاولة جادّة للانتقال من “التاريخ الطائفي العبء” إلى “التاريخ الاجتماعي العلماني الحافز”. وقد آن الأوان لإطلاقِ جيلٍ جديد من المؤرّخين الشباب يؤسِّس لمرحلةٍ جديدة في كتابة تاريخ لبنان الحضاري في جميع مراحله، خارج القَيد الطائفي.

***

*مؤرّخ وباحث لبناني

*مؤسسة الفكر العربي-نشرة أفق

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *