التهديدات النووية والسير نحو الهاوية

Views: 258

العميد الركن م. صلاح جانبين

الكلُّ يتخبط، والجميع ينتظر، الضربة التي تهزّ العالم وتقضي على البشرية على دفعات!

فمن يملك القدرة، لا بل من يملك الجرأة على اتخاذ القرار ويقدم بكبسة زرّ، أو بضغطه على الزرّ النووي الموجود على طاولة قيادة العالم في حقيبة نووية إذا ما رغب القائد أو الرئيس باستخدامها وهي الموصوله بنظام اتصالات خاص يضم جميع الأفراد والوكالات المشاركة في القيادة والتحكم والسيطرة في الاستراتيجية النووية، والتسبّب بهلاك البشرية، جزءًا جزءًا، ومنطقة من هنا، ومدينة من هناك، وتتدحرج الأمور حتى الفناء والقيامة؟

فالمسرح العالمي يضجّ بالنزاعات والصراعات والتوتّرات والتحشّدات والحروب المستعرة ليس آخرها ما يحصل ما بين روسيا من جهة، وبين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من جهة ثانية فحسب، بل سبقتها حروب أرمينيا وأذربيجان وما زالت، وتوترات بين الصين وتايوان، وبين الهند وباكستان، وأميركا وتركيا وسوريا والعراق وإيران، وما بين الكوريتين الشمالية والجنوبية، فضلًا عن العدو الإسرائيلي الغاصب والمحتل لفلسطين وأجزاء من الأرض العربية لسوريا ولبنان قهرًا وظلمًا منذ أكثر من سبعين سنة، في ظلِّ غياب أو شبه غياب للدبلوماسية والسياسة المقرّبة لوجهات النظر وازدواجية المعايير في تطبيق الأحكام الدولية، على حساب ارتفاع أزيز الرصاص والأسلحة الفتاكة، وهدير الصواريخ الثقيلة العابرة، والقنابل الاستراتيجية المدمّرة، والتهديدات باستعمال الأسلحة النووية في الآونة الأخيرة جاء أكثر إصرارًا وجدّية وحزمًا من قبل الرئيس الروسي فلادمير بوتين، وكأنه كُتب علينا نحن الشعوب قاطبةً السير نحو الهاوية رغمًا عنا، في عالم أصبح مجتمعه يعيش في زنزانة كبيرة ترعرع فيها الظلم والقهر والجبروت، وعمَّ الفساد والتسلّط والاستبداد واللاعدالة فيها، بشكل يخالف الفطرة والمبادئ الإنسانية التي هي منحة إلهية وحقيّة لجميع البشر بالعيش بحرية وعيش كريم بعيدًا عن القتل والتدمير المقصود، ذلك العالم المتعدّد للرؤوس والأقطاب والمصالح على حساب شعوبها المستضعفة.

 

تغيير في النظام العالمي؟

فهل تقود الحرب الروسية الأوكرانية إلى مزيدٍ من التصعيد وبالتالي إلى تغيير في النظام العالمي الذي نشأ عقب إنهيار الاتحاد السوفياتي سابقًا؟ وهل إزدواجية معايير القوى والقيادات الكبرى وقراراتها المتخذّة بحق بعض الدول سابقًا، كالتي اتخذت في العراق وافغانستان وقبلها في فلسطين والجولان

السوري المحتليّن من قبل العدو الإسرائيلي تنتهي إلى عالم أكثر عدالة وتحضّرًا من دون إملاءات أو تأثيرات من أحد؟

وهل تفجير خط الأنبوب “نورد ستريم” الذي وقع بتاريخ 27 أيلول من السنة الجارية في المياه الدولية ببحر البلطيق، هو ضربة أولية تمهيدية تؤدي إلى ترويض أوروبا اقتصاديًا، وبالتالي عسكريًا؟ أو أنها الضربة الأولى التي تمهّد إلى حرب عالمية ثالثة؟

 

وهل يُدرك القادة مخاطر استمرار الحرب وتطوّرها والسيطرة لفريق ما على آخر، والدمار الذي يمكن أن تُحدثه إذا ما استعملت الأسلحة النووية من قبل الأفرقاء؟ أسئلة كثيرة، لكن أحد لا يملك الإجابة عنها إلاَّ القدر الآتي المحتوم والرئيسان الأميركي والروسي اللذان يمتلكان المعطيات والقدرة على اتخاذ القرارات الكبيرة عالية المستوى، ومن يوازيهما أيضًا بالقدرات كالصيني والكوري الشمالي وغيرهم! بخاصة أنَّ تسع دول على مستوى العالم تمتلك أقوى سلاح نووي منتشر على صواريخ باليستية وقواعد قاذفات ثقيلة، الذي يتسبّب امتلاكه واطلاقه في انهيار وتدمير دول بأكملها. وبحسب التقارير الغربية المعدّة من قبل باحثين بهذا الشأن فإنَّ عدد القنابل والرؤوس النووية التقريبية التي تمتلكها روسيا تتجاوز (6490رأسًا) وهي الأكبر في العالم، والولايات المتحدة الأميركية (6185)، فرنسا (300)، الصين (290)، باكستان(160)، الهند (130)، بريطانيا(120)، إسرائيل (90) وكوريا الشمالية (30رأسًا).

القدرات التدميرية للأسلحة النووية الروسية

فما هي على سبيل المثال القدرات التدميرية للأسلحة النووية الروسية؟

تسمح العقيدة النووية الروسية باستخدام ما يُعرف بالسلاح النووي التكتيكي، أي انفجار نووي محدود في ساحات المعركة وعلى مسافات متوسطة ليأخذ الخصم التهديدات على محمل الجدّية وجعله يتراجع عن اجراءاته وخضوعه أمام الواقع الجديد، حيث يمكن للأسلحة النووية الاستراتيجية أن تصيب أهدافًا أبعد من ذلك بكثير، كالصواريخ الباليستية العابرة للقارات مثل (ICBMs) لديها القدرة على الوصول وتدمير المدن العالمية الكبرى مثل لندن أو باريس أو حتى واشنطن. كما يمكن أن تصل تلك الصواريخ البالستية إلى سرعة قصوى بعد حوالى 10 دقائق من الإطلاق، ما قد يعني أنَّ إطلاق صاروخ واحد من روسيا يصل إلى المملكة المتّحدة في غضون 20 دقيقة فقط.

 

وبشكل عام، تعتمد قدرة الأسلحة النووية على التدمير على عدة عوامل منها: البيئة المحيطة بالانفجار وحجم الرأس الحربي وغيرها. ولتوضيح الصورة، عندما ينفجر سلاح نووي بزنة 100 كيلوطن (وحدة قياس الطاقة الناجمة عن الإنفجار) فإنَّ الدائرة التي تصل إلى مسافة 2كلم تدمر بشكل كامل، بينما المنطقة التي تقع على بعد 8 كيلومترا تدمّر جزئيًا، بحسب تقارير أخرى.

ومن المعروف أن السلاح النووي يؤدي إلى انفجار كرة لهب تحرق الشجر والبشر والحجر، ويخلّف إشعاعًا يضرب أجساد البشر في مقتل، خاصة إن كانوا في منطقة قريبة.

مع العلم أنَّ السلاح النووي الذي استخدم في ضرب هيروشيما في اليابان إبان الحرب العالمية الثانية، كان يزن 15 كيلوطن فقط، وأدى إلى مقتل 140 ألف إنسان، وهذا يعني أنَّ الأسلحة النووية الجديدة قادرة على إحداث دمار يصل إلى عشرات الأضعاف مما حدث في هيروشيما وناكازاكي سابقًا.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *