هالة كوثراني في “يوم الشمس”: أنا نقطة في هذا العالم

Views: 253

سامر درويش

أطلت علينا صاحبة “الأسبوع الأخير” هالة كوثراني (من مواليد بيروت 1977) وهي تنتمي إلى جيل كان شاهداً على إندلاع الحرب الأهلية واقترن مصيره بمصير تلك الحرب ونتائجها والتي ما زلنا نعيش تداعياتها من دون أدنى شك.

أطلت علينا الكاتبة والروائية هالة كوثراني، الحائزة على جائزة “أفضل رواية” عن روايتها “علي الأمركاني” في معرض الشارقة الدولي للكتاب، أطلت برواية جديدة صادرة عن دار نوفل 2022 من 235 صفحة بعنوان “يوم الشمس”، أي يوم الأحد Sunday. هذا اليوم الذي يشكل عادة بالنسبة للكتاب والشعراء وغيرهم مصدرا للراحة والإسترخاء والإبداع، يجدون فيه فرصة أو فسحة من الوقت للتحضير لإنطلاقة جديدة ولرؤية الذات بشكل أفضل إذا ما أتيحت لهم فرصة لذلك، هو اليوم الذي تشرق فيه شمساً مختلفة عن بقية أيام الأسبوع المتكررة والرتيبة. ويبدو أن الكاتبة أو بطلة الرواية (رؤيا) تستمد طاقتها الوجودية من الشمس، لكن لديها مصادر أخرى أيضاً وهي معاناتها الوجدانية والعاطفية، فـ”رؤيا” منذ طفولتها تعرف معنى الحرمان العاطفي واليتم والتوحد وفي المراهقة ثارت ووقع تفي حب “إبن الجيران”، وهو من طبقة إجتماعية أدنى من الطبقة التي تنتمي إليها، وذابت عشقاً في مرحلة البلوغ أيضاً بمن كانت تختلف تربيته عن تربيتها وبيئته عن بيئتها، بالإشارة إلى طبقة “الأثرياء الجدد” التي ظهرت لاحقا بعد الحرب.

 

 ومع تقدم “رؤيا” بالعمر وقعت في حب الرسم، رسم الحروف العربية، لما لها من خصوصية وجمالية تلك الجمالية التي لا تكتمل إلا بإلتصاقها بعضها ببعض لتشكل كلمات، والكلمات تشكل المعاني، والمعاني مشاعر وأحاسيس وعواطف. 

تلوّن هالة كوثراني روايتها، فتارة تحدثنا عن المجتمع المريض المحكوم بمفاهيم وتقاليد بالية وخطوط حمراء لا يجب تخطيها، وتارة أخرى تحدثنا طبعا من خلال “رؤيا”، عن خللٍ ما في بنيتها العاطفية مرده إلى الشعور بالفقد أو الألم الناتج عن الفقد، فقد من نحب وهم على قيد الحياة أو أموات، وإلى الحاجة إلى حب ما إلى صدرٍ ما تلتجيء إليه، والحاجة إلى التخلّص من ظلم الأقرباء في داخل جدران البيت والأسرة الواحدة. 

وتحدثنا تارة أخرى عن الآثار الإجتماعية الدراماتيكية والسياسية للحرب الأهلية التي عصفت بلبنان وبيروت والبقاع والجنوب وكيف أننا ما زِلنا نحن المواطنين العاديين العُزل نعيش ذيول تلك الحرب في ظِل إستئثار أمراء الحرب بالقرار السياسي المعاصِر وبزمام الأمور كلها، تماماً كما كانوا يسيطرون بقوة السلاح على مدخرات الوطن وبنيته الإقتصادية أيام الحرب، بينما إندثرت طبقة بكاملها وإختفت من الوجود، إن بداعي الهجرة أو التهميش المتعمد أو الموت أو الإستشهاد.

إذا تتضمن الرواية موزاييكاً  (إجتماعي ديمغرافي وسياسي) للمشهد اللبناني، وهذه خصوصية الكتابة وميزتها عند هالة كوثراني إن كان في روايتها الأولى “الأسبوع الأخير”، التي تحدثنا عن معاناة أهل بيروت وسكانها الأصلين وإقتلاعهم من جذورهم وبيوتهم السكنية القديمة الطراز وإستبدالها لاحقاً بناطحات سحاب يسكنها أناس غريبون وغرباء عن روح بيروت وأصالتها.

 

والملفت أيضاً في أسلوب الكتابة عند هالة كوثراني هو أنها تدعنا نلامس كل تفاصيل شخصيات رواياتها، فتصف لنا كل شخصية على حدة بشكل “ميكروسكوبي”، اسمها، طبعها، عمرها، خلفيتها الثقافية حتى نبرة صوتها (!) فتتراءى لنا تلك الشخصيات كالدمى المتحركة من خلال سطور الرواية.

“كانت عليا صحافية تحب الشِعر والقراءة وقراءة الآخرين ص 192″ قبل 25 عاماً دخلت الدكتورة هدى طعمة غرفتي في بيتنا في بناية شهاب الدين، كان صوتها الناعم الجذّاب يُطلق قذائف سامة، هي لم يرثها أحد.” 

ولم تخل رواية “يوم الشمس” من إستعادة ذكريات الحرب الدامية والقذائف الساقطة على أسطح المباني السكنية وشرفاتها، تلك اللحظات ساعدت الكاتبة أو بطلة الرواية “رؤيا” على إكتشاف معنى ما، رُبما لوجودها على هذه الأرض.

“أجمل ما عشته: إكتشاف عمق وجودي”، “كنت في التاسعة من عمري أرسم الحروف العربية بأشكال متعددة أنا التائهة الأزلية، أنا نقطة في هذا العالم، نقطة داخل نقطة تشارِك في رسم حرف 4 (four). وبرأيي فإن الفرق كل الفرق هو بالنقطة إن كان بعالم الحروف أو الأعداد”.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *