“أسمر” لعبد الحليم حمود… رواية الحُبّ والمعرفة

Views: 126

سليمان بختي

أن تكتب رواية يعني أن تعرف من أين يكر الكلام وتنهمر التفاصيل، وكيف تولد الحكايات من قلب حكاية كبرى هي الحياة. وكيف يستمر العرض ويدوم السرد وتضيع كل الروايات مجددا.

مزّق الروائي الكولومبي غبريال غارسيا ماركيز 60 قصة ونثرها بأرجاء غرفته كي لا يستطيع جمعها أبدا.

رواية “اسمر” لعبد الحليم حمود (دار زمكان 160 صفحة) تمزقت كثيرا قبل أن تلتئم ورواها عبد الحليم حمود لنفسه كثيرا قبل ان يكتبها.

ذكرتني برواية محمد شكري “الخبز الحافي” ورواية “الرجل السابق” لمحمد أبي سمرا. وفيها شيء من مناخات كافكا.

الأدب كله بالنهاية هو التحول. هو الرحلة من المتن الى الهامش وبالعكس. كان لافوازييه يقول: “لا شيء يولد، لا شيء يموت، كل شيء يتحول”.

رواية “أسمر” هي رواية الذين يعرفون عنك أكثر مما تعرفه عن نفسك، عن تاريخك، عن هويتك، والكل يتواطئ لصالح النص الجريء المشبوب.

هل يمكن ان يعرف او يتعرف المرء الى تاريخه وحقيقة أصله وفصله ويبقى في متن السرد أم يواجه القدر ويتمرد ويتغير؟

اعتقد ان في هذه الرواية البطل هو الكل، كلنا البطل نبحث عن تاريخنا وهويتنا وحقيقتنا بلا هوادة، ولا نجد ولا نقارب الأسباب. لنجيب محفوظ هذا القول:”لا تأخذ جرعة كبيرة من الثقة اترك مكانا للخيبة، واترك مكانا لاستيعابها أيضا”.

كلنا ضحايا وكلنا من أهل الظلمة والظلام. ماذا نعرف عن ذكريات المكان الأول؟ وماذا نعرف عن الصدفة الأولى والصدفة الأخيرة؟ ماذا نعرف عن الاسلاف الذين اورثونا حب التلال؟

“أسمر” يحمل الصرة الثقيلة ويعبر فيها السنوات والأيام. ومن لديه معلومة جديدة او قديمة فليضعها في هذه الصرة الثقيلة. تستعيد الذات هنا زمنا فارقا زمنا غادرا، او زمنا يحتاج لأن نملأه بزمن جديد كي يستقيم. والأدب هنا مثل الحياة مثل الإنسان يساعده على التحول بين ما هو وما يريد أن يكون.

يقول “اسمر”: ” ولدت على هامش علاقة، وكبرت على هامش الكتاب وهامش الصحن وهامش الرغبة”. صداقته مع الوقت، اساتذته من خيطان والوان. الحزن يبقى حزنا في لحظته وحين يرافقنا يسمى لعنة. ومن واجب الضحية ان يصرخ لا ان يكتب … المجنون أن يعيش جنونه لا ان يصفه. وان نقول ربما على طريقة الرحابنة “الما حدا اكبر من الملك”.

 استحصل اسمر على هويته من الأزقة والأسطح ومفكات البراغي وليس من الدوائر الرسمية كما هو حالكم. يمثل أسمر الهوية الملتبسة لكل منا، نعرفها ونسكت. نبلع الأخطاء والخطايا ونسكت. ونصبح ذلك المسكوت عنه في تاريخنا. لا أحد يريد للناس أن تعرف حقيقة تاريخها وهويتها ومسارها. لربما اذا عرفت تتغير عندها الاشياء بقوة المعرفة. يتوقف البؤس الذي يطعن بالكرامة، ويتوقف التهافت على ضرورة العيش وصراع البقاء. وهذا اذا تمادى يجعلنا لا انسانيين ومن اصحاب مهن القسوة وصحبة الظلال بحسب بسام حجار. 

كلنا في مكان ما “أسمر” في علاقتنا مع مواطنينا وحقوقنا ومع المجتمع والمؤسسات والدول. كلنا لصوص يا عزيزي. كلنا لقطاء. كيف نخرج من عنق الزجاجة؟من النكران الذي يلغي وجودنا وانسانيتنا.

قرأت في الرواية هذه العبارة:” فلتسقط كل الاعتبارات امام أم منشطرة على وليدها، وليذهب الشرف الى الجحيم”.

ان تحب يعني ان تنوجد، يعني الخروج من الهامش الى المتن من الظلام الى الضوء. اسمر خرج الى الوجود عن طريق الحب، وخرج من الظل الى الأصل عن طريق المعرفة. 

هل هناك طريقة لبناء الإنسان واستعادة انسانيته بدون الحب والمعرفة؟ هل هناك امل بالوجود البشري خارج هويته الإنسانية؟

يكتب عبد الحليم حمود كما يقول همنغواي “اكتب حتى تشعر ان الكلمات تخرج بمفردها كأن شخصا يمليها عليك”.

الزمن في رواية “اسمر” هو تخيل خالص، لذلك لم أر الإطار التاريخي بوضوح. ولكنني رأيت الإنسان ينهض الى الحياة ، الى المعرفة، الى الحب وكأنه في نشأة مستأنفة ، وفي شوق لأن يستعيد دوره مضفورا بالكرامة وقيمة الإنسان واستحقاق للحياة. 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *