قراءة في رواية ساعي بريد نيرودا لـ أنطونيو سكارميتا

Views: 64

لطيفة الحاج قديح

يبدو لي أن الكاتب قد تسلق على جدار نيرودا فجعل اسمه على غلاف روايته ليحصد كتابه هذا النجاح الباهر، حيث يظن القارئ أنه سوف يتعرف على نيرودا الإنسان والشاعر الذي نال حائزة نوبل واكتسب شهرة عالمية في عالم الشعر، وباع كتابه المثير للجدل بسبب محتواه الجنسي، والموسوم بعنوان “عشرون قصيدة حب” والذي ترجم إلى لغات عديدة، باع منه أكثر من عشرين مليون نسخة..

والشاعر هو نفسه من ترشح لرئاسة شيلي، ثم انسحب لصالح الطبيب سلفادور الليندي ……

يقدم لنا سكارميتا في روايته توليفة غير اعتيادية، وهي علاقة بين شخصين غير متكافئين هما: ساعي البريد  ” ماريو خمينيث ” الشاب الساذج الذي يؤثر وظيفة ساعي بريد على عمله كصياد في قرية ( إيسلانيغرا” حيث معظم الرجال هم من الصيادين الأميين. …

والشخص الثاني هو أيقونة تشيلي الثقافية  ” بابلو نيرودا ” السبعيني، وهو الوحيد في القرية الذي يرسل و يتلقى الرسائل، فكان أن نشأت علاقة محبة خاصة بين الطرفين تطورت الى نوع من الصداقة التي يتم فيها تبادل الخدمات والهدايا …

وكان ماريو ينظر إلى الشاعر نظرة فيها الكثير من الاكبار والإعجاب والايثار والاحترام والمحبة فجعله مثاله الأعلى على الصعيد الشخصي، كما الشعري …،

ويبدو واضحا ان الكاتب قد بنى روايته على جملة من الأحداث المتصلة التي وقعت في بلاده في تلك الحقبة ومنها : انتخاب الرئيس سيلفادور الليندي الطبيب اليساري المناهض لسياسة الغرب، والذي يعتبر أول رئيس دولة في أميركا الجنوبية ذي خلفية ماركسية، وانتخب بشكل ديمقراطي …

ويبدو ان تلك الاحداث التي وقعت في تشيلي في فترة احداث الرواية كان لها تأثير كبير في حياة الكاتب كما في حياة الشاعر نيرودا صاحب جائزة نوبل (العام ٧١ )، كما في المجتمع التشيلي…

 

وأكثر ما يميز هذه الرواية:

أولا: أنها رواية قصيرة بشخصيات قليلة العدد

ثانيا: الاستعارات التي كانت هدف الشاعر وساعي بريده الذي حاول محاكاته، وقال عنها الشاعر: “هي بصورة تقريبية غير دقيقة، أساليب تقول شيء ما بمقارنته بشيء آخر”. وبها استطاع نيرودا أن يستحوذ على قلوب كثيرين، وأن ينال جائزة عالمية …

وقد مزج الكاتب الشعر بالحب، حيث أن ساعي البريد راح يتعلم كيف يحاكي الشاعر فيستعير بعض تلك الاستعارات للايقاع بالفتاة التي يحبها ( بياتريس) وقد نجح في ذلكً..

تلك الاستعارات تقلق كثيرين ولا يفهمها كثيرون. ومن جملة الذين أقلقتهم والدة حبيبته، حيث باحت لها ابنتها انً حبيبها شبه شفتيها بالفراشة، فخافت الأم على ابنتها من الوقوع في شرك الحب، فسعت الى الشاعر كي يساعدها في ابعاد ساعي البريد عنها …

وقد استطاع ماريو بواسطتها اخضاع

والدة حبيبته لتوافق على مصاهرته…

وعلى حد قول الكاتب نفسه ان الرواية بحد ذاتها تعتبر استعارة وتعبر عن الحياة الغنية بالأحداث في تشيلي في فترة زمنية قصيرة. جدا …

ومن الأمثلة عن تلك الاستعارات قوله :

“على الرغم من انه غاب الا ان جزئياته ظلت تتذبذب في الهواء …

عيناه غائرتان أعمق من طبق حساء

كانت المحادثة أطول من قطار الشحن

ان هذا الكلام مجرد شيك بلا رصيد …

وقبل ان يغلق الشاعر السماعة هزها بقوة وكأنه يريد أن يطير بقية من صوت المرأة ما زالت عالقة بداخلها …”

و الرواية بسيطة الأحداث، قليلة الشخصيات، تكاد تخلو من الحبكة الروائية الكلاسيكية سوى خوف الأم على ابنتها من حب ماريو ومحاولتها الاستعانة بالشاعر لابعاده عنها..

اما نيرودا فهو الشخصية الرئيسية التي تلعب دورا محوريا في الرواية وتضفي عليها نزعة رومانسية تشدك اليها، ولكن من دون التطرق فعلا لشخصية نيرودا الثائر والسياسي والشاعر…

ويكفي القارئ أن يقرأ اسم نيرودا ليتذكر حقبة هامة من تاريخ شيلي حيث احتدم الصراع بين اليسار وخصومه، وكان لترشيح نيرودا لنيل حائزة الأوسكار ، وكذلك ترشيحه لرئاسة  شيلي أهمية كبرى ولا سيما بالنسبة لساعي البريد الذي عرج على حقبة رئاسة سلفادور الليندي الذي انسحب نيرودا لصالحة، ومن ثم محاولة الانقلاب الذي قام بها وزير الدفاع التشيلي..

ولكن كل هذه الأحداث مرت مرور الكرام من دون أن يكلف الكاتب نفسه التعمق فيها أو سبر أغوارها، وكأنه كان على عجلة من أمره، ولو أعطى كل موضوع حقه لكانت الرواية أكثر تماسكا وعمقا …

أما الأسلوب فهو العلامة الفارقة التي طبعت الرواية بطابعها الساحر، الخفيف الظل، الذي ينطلق من الواقع ليحكي عن الحب كما عن قضايا أخرى إنسانية عميقة فيها من الفلسفة

والتاريخ وعلم الاجتماع وحتى التربية …

ومع ذلك فإن الرواية في نصفها الأول ساخرة وتشدك اليها بقوة سحرية وتبقى في ذاكرتك إلى أن يشاء الله …

إنها كمن يمضع قطعة حلوى فيها شيء من العسل وشيء من الطعم المر..

(https://mrbonespumpkinpatch.com/)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *