مخابئ العطر… شذا كرامة!!!

Views: 457

د. عماد يونس فغالي

أشحْ يا قارئُ نظركَ صوبي، انتبهْ، ألفتُكَ، أنتَ في بابٍ تكرّسَ نشأةَ إنسان.

هذا، أخالُ صاحبَ الكتابِ، يصدحُ في أسماعنا، أنْ تمهّلوا، على صفحاتنا مرّت مواقفُ قدّتْ من صخرٍ يبني للإنسان…

في مجلّةٍ تأسّستْ “عالميّة”، كان سليمان يوسف ابراهيم، مرساةَ ياطرها، يدعّم ثوابتَها في الأطر الإنسانيّة، يَهدي دومًا إلى صراطٍ مستقيم…

“لفتةُ نظر”، زاويةُ سليمان الثابتة، يرتسمُ فيها كاهنَ كلمة، محتفلاً بطقوسيّة مزدوجة: إنسانٌ في ملء رفعته، وأدبٌ في رفعةِ ألقه!!

في قدْسٍ من أقداسه الراسخة، يُطلقُ فوحَ بخوراتٍ، ترقى بالقارئ مع عبَقاتِ نفسه الممتلئة قيمًا، إلى مداراتٍ ساميات، متى اختبرها، حطّ رحاله في ارتفاعاتٍ، حاشا يستطيبُ بعدها ما دون!!!

أدركَ سليمان يوسف ابراهيم، في حاله رسولَ كلمة، نذر لأجلها عفّةَ الجمال، وطاعةَ اللسان، وفقرًا دائمًا إلى الحبّ… فنقل لَفتاتِه إلى دنانٍ  عميقةِ المنال، يخبّئ في حناياها العاتمة، عطرَ مكنوناته الدفينة، علّ انعتاقها يومًا يفوحُ إنسانًا شبهَ الله… ليلدَ سؤالٌ يقاربُ البداهةَ: ألِعطرٍ اختباء؟! ورُبّ جواب منه، عنوانَ كتاب: “مخايئُ العطر”!

ليست الجمالاتُ تُطالُ هيّنةً… ولا القيمُ تُنالُ جزافًا… لكلّ امرئٍ في دورة أيّامه مسيرةٌ بحثيّة إلى أعماقٍ يشتمّ فيها مكامنَ الدرّ الثمين، الراقد في بحارٍ من ناسٍ ندروا. هناك العطر في مخابئه، متى اهتدى إليه الباحث، تجلّى هو ذاتُه فوحَ العبير…!!!

 

تعالوا إلى سليمانَ يُهدي مؤلّفَه إلى من أرسيا في سفينةِ عمره ما صاره من حبيب:

“يا من درجتُ عن حضنكِ، منيرةُ أُمِّي، طفلاً مرتشفًا الحبّ كؤوسًا، والمحبّةَ جامَ تنهّدات… أتُراه قلبكَ يوسف أبي، لم يقوَ على تحمّل مباهج الأماني أحلامًا بوحيدكَ… لكما والديّ، على ضآلةٍ قيميّة، بموازاة تضحياتكما، كدّكما والسهر، هذه الحفنة من عرفان- كتابي، علّها مخابئ عطري تندّي ثراكما ببعض طهر وفائي”!!

لكأنّما نحن في بيتٍ شعريّ، يمتزج الرويّ بالقافيةِ تماهيَ وحدةٍ جماليّة تشنّف القلوب….

في دفين نفس سليمان، مخبأُ عطرٍ، يفوحُ تفجّرًا من حرقةِ قلبٍ: كيف يورثُ لأبنائه من بعده وطنًا… وهو يحلمُ به وطنًا مثالاً، يهديه إليهم في طهرِ حالٍ… يحلمُ به من قامةِ مواطنٍ “كما عظمةِ الإنسان التي أودعها الرَّبّ فينا”… في هذه جميعها كتب سليمان متذمّرًا من حال وطنٍ، كرامةُ مواطنيه سليب!!! لم يوفّرْ ملامةً لظلاماتِ مسؤولين ما التفتوا يومًا إلى خدمةِ الناس وتوفير رفعةِ إنسانيّتهم. لكنّه لم يتوانَ عن تنويهٍ بمن منهم “عامرٌ رجولةً وعلمًا يضجّان إصرارًا على الأفضل والأعمّ خيرًا وفائدةً وكرامة، للوطن وللمواطنين…”

“مخابئ العطر”، كتابٌ واحته وسعَ مدى الإنسان. أيقونةٌ ترسمُ في ألوانها ملامحَ وجه كاتبها، فتخالُه جالسًا إليكَ يبثّكَ خوالجه، في انعكاساتِ نفسٍ تشدّكَ إلى قبولها طوعًا، بل شغفًا…

سليمان يوسف ابراهيم، طوباكَ صديقي، تهيبُ بنشءٍ إلى ارتداء العُلى، ثوبًا من فعل إنسانيّته، يفوحُ من مخابئه كلّ عطرٍ، فيملأ أرجاءً بشذا كرامةٍ، كم تتوق لمعاينتها متجسّدةً في أجيالنا ملء قامةِ كلّ واحدٍ، حسبُكَ عددتَه حبيبًا، على امتدادات الزمن!!

***

*مقدّمة كتاب “مخابئ العطر” للأديب سليمان يوسف ابراهيم (منشورات منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده الثقافي)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *