في البرّاد

خليل الخوري  

ما يُتَداول، في الداخل اللبناني، حول مساعي التوصل الى انتخاب رئيس للجمهورية ليس سوى دوران في الحلقة المفرغة. وليس في الأفق تباشير خير على الإطلاق. أما الأسباب فعديدة:

أولاً – لأن البحث عن المصالح الذاتية هو ما يتحكم بالقيادات السياسية كافة، تحت يافطة كبيرة يرفعها كل طرف، بحثاً عن تعزيز وضعه في العهد الجديد، أما المصلحة الوطنية العليا فليست في حساب أي فريق. في أي حال هذا نهج دأبت عليه الجماعة السياسية منذ عقود… صحيح أن الأخذ بهذا الحساب لم يكن غائبا عن الجماعات والأحزاب في مرحلة ما قبل الحرب، إلا أنه كان  يُجْرَى من ضمن المصلحة الوطنية العليا وليس على حسابها كما هي الحال اليوم. ومن المتعذر التوصل الى إنتاج رئاسة تؤمّن مصالح الأطراف الفاعلة كلها في انٍ معاً.

ثانياً – نكرر ما بات الجميع مقتنعاً به وهو أن خريطة مجلس النواب التي رسمتها نتائج الانتخابات النيابية العامة الأخيرة في شهر أيار الماضي لم تبيّن ملامح أكثرية واضحة المعالم، وبالتالي ليس ثمة أفضلية ملموسة ذات ثقل من شأنه أن يرجّح كفة الميزان لمصلحة أحد طَرَفَي الصراع، بل الانقسام العمودي  الحاد، ما يعني استحالة توفير أكثرية ينطلق منها أي مرشح رئاسي.

ثالثاً – في هذه الحال يبدو دور الزعيم وليد جنبلاط كبيراً، ومن شأنه أن يكون مؤثّراً في تحويل الأكثرية. ومعروف عن سيد المختارة أنه ليس في وارد أن يقدم «خدمة العمر» مجاناً الى هذا الفريق أو ذاك، ويقال إن الثمن الذي يريده مزدَوَجٌ، فمن ناحية يريد من العهد الجديد أن يحقق مصالحه مباشرة، ومن ناحية ثانية يريد منه عدم «تسهيل» أمور أخصامه.

رابعاً – التردد الذي يطبع مسار النواب الجدد المهدَّدين بمغادرة أخرين من تجمعهم ما يضعف تأثير دورهم.

خامساً – الأهم من تلك العناصر الداخلية كلها هو عدم توصل الجانب الخارجي الى موقف موحّد من الشخصية التي تتقاطع عندها مصالح العواصم ذات الفاعلية، ما يعني أن بتّ الاستحقاق الرئاسي سيتأخر الى أمد غير منظور، لاسيما وأن القرار الداخلي بعيد حتى إشعار آخر… وجلّ ما يرشح عن تلك العواصم هو استبعادها هذا الاسم أو ذاك أو ذلك، وهذه حال سلبية لا تساعد في التوصل الى انتخاب الرئيس.

والى ان يحين موعد توافق الخارج (القريب والاقليمي والبعيد) على اسم الرئيس اللبناني سيبقى الاستحقاق الرئاسي في البرّاد.