جديدُ جوزيف إلياس كحَّالة لدى دار نعمان للثَّقافة: “وُجوهٌ سُريانيَةٌ كاثوليكيَّةٌ” في جُزءٍ أوَّل
مرسال الأشقر
صدر حديثًا عن دار نعمان للثقافة مؤلَّفٌ جديدٌ للدكتور جوزيف إلياس كحَّالة يحمل عنوان “وجوه سريانيَّة كاثوليكيَّة – الجزء الأوَّل”، وهو عبارةٌ عن كتابٍ ضخمٍ ذي 352 صفحة، أنيق، يُدرَجُ في سلسلة “السُّريان تاريخًا وثقافةً” الَّتي تُعنى برِجالات السُّريان، من إكليروس وعلمانيِّين، فتنشرُ سِيَرهم وإنجازاتهم، كما تُضيء بعامَّةٍ على تاريخ السُّريان وثقافتهم وطقوسهم وليتورجيَّاهم، ويُشرفُ عليها المِطران مار يعقوب إفريم سمعان والباحث الدُّكتور جوزيف إلياس كحَّالة والأديب الناشر ناجي نعمان.
تزيِّنُ غلافَي الكتاب صورة دير سيِّدة النَّجاة (الشرفة – درعون)، وصورة القديس إفرام السرياني وكتابة بالسُّريانيَّة من أرشيف المكتبة البطريركيَّة بالدَّير عَينِه. أمَّا إهداؤهُ فمَرفوع من المؤلِّف إلى “الشبيبة السُّريانيَّة الناشئة، أملِ المستقبل، وكلِّ مفكِّرٍ آمنَ بالرِّيشة والحِبر سبيلاً للحياة، وإلى غبطة أبينا البطريرك مار أغناطيوس يوسف الثالث يونان الكلِّيِّ الطوبى” (مع صورةٍ مُرفَقَةٍ لبطريرك السُّريان الكاثوليك).
تصديرُ المِطران يعقوب وتقديمُ الأديب نعمان
صدَّرَ الكتاب مار يعقوب إفريم سمعان، النائب البطريركي للقدس والأراضي المقدَّسة والأردنّ للسُّريان الكاثوليك، فيما قدَّم له الأديب ناجي نعمان بنبذة تاريخيَّة عن السُّريان.
يُشدِّد المطران سمعان في تصديره على أنَّ جزءًا ثانيًا على الأقلّ من الكتاب سيُبصر النور قريبًا لتغطية سِيَر وجوه سريانيَّة كاثوليكيَّة أخرى، وما أكثرَها، بخاصَّةٍ في بلاد الرافدَين، وفي أرض الكِنانة، ذلك أنَّ الجزء الأوَّل يضمُّ وُجوهًا تنتمي في معظمها إلى سوريا ولبنان وجوارهما.
ويقولُ المِطران سمعان في مؤلِّف الكتاب: “أنتَ واحدٌ من أولئك المؤمنين العلمانيِّين، وقد أخذتَ على عاتقك حَمل الشُّعلة، وهذا ليس بغريب على ابن مدينة عريقة، وقبلة العلماء والمُستَشرقين المَوصوفين بكرمهم ونهمهم للمعرفة والعلم”، وهو يعني الشَّهباءَ حلب.
أمَّا نبذة الأديب والمَوسوعي ناجي نعمان حول تاريخ السُّريان – تلك الَّتي وضعَها منذ سنوات، وأعاد صياغتها وتحديثها لِمناسبة صدور الكتاب – فيتطرَّقُ فيها إلى نشأة السُّريان، وأبرز المحطَّات في تاريخهم، وانتشار لغتهم، قبلَ أن يأتيَ فيها على ذكر الانشقاقات الدينيَّة في كنيستهم، وانتقال مقرِّ تلك الكنيسة من أنطاكية إلى دمشق، وصولاً إلى محاولات الاتِّحاد مع روما، والانفصال الَّذي تمَّ بين السُّريان الكاثوليك والسُّريان الأورثوذُكس. ويشرحُ نعمان في نبذته انتشارَ السُّريان، الأورثوذُكس والكاثوليك، وأماكنَ أديرتهم في الزَّمن الرَّاهِن، بالإضافة إلى أعداد هؤلاءِ اليومَ في مختلِف أنحاء العالم، مع التشديد على دورهم في النهضة العربيَّة.
في مضمون الكتاب
بعد تمهيدٍ من جوزيف كحَّالة أنهاهُ بتقديم كتابِه “هديَّةً لسيادة المِطران مار أفرام إيلي وردة، لمناسبة تسلُّمه عصا الرِّعاية لأبرشيَّة السُّريان الكاثوليك في القاهرة والنِّيابة البطريركيَّة في السُّودان”، يغوصُ المؤلِّفُ في الشخصيَّات السُّريانيَّة الكاثوليكيَّة منذ التاريخ القديم لهذه الجَماعة المسيحيَّة وحتى نهاية القرن العشرين. وهو يرتكز، في وضع مؤلَّفه، على مصادر ومراجع جمَّة، بالعربيَّة والأجنبيَّة، ويعرض الوجوهَ السُّريانيَّة الكاثوليكيَّة بالترتيب الألفبائي، انطلاقًا من الأُسَر السُّريانيَّة التي وهبَتِ الطائفةَ والكنيسةَ أكثرَ من علَمٍ واحدٍ في مجالاتٍ مختلفة، قبل أن ينهيَ الكتابَ بفصلٍ يتضمَّن وجوهًا سريانيَّة كاثوليكيَّة لا تُدرجُ في الأُسَر المذكورة. وهكذا، ننتقلُ مع كحَّالة، عبرَ الأُسَر، من “آل أرملة” (ومنهم الأديب والكاتب والمؤرِّخ والباحث إسحق أرملة)، إلى آل أيُّوب (ومنهم الخورأسقف باسيل أيُّوب)، فآل جَروَة (ومنهم البطريركان أغناطيوس ميخائيل جَروَة وأغناطيوس بطرس السَّابع جَروَة)، وآل ربَّاط (ومنهم المفكِّر والحقوقي الكبير والقانوني والمؤرِّخ إدمون ربَّاط)، ومن هؤلاءِ إلى آل سباط ( ومنهم القسّ “باسيل” بولُس سباط)، فآل شدياق (ومنهم الأب إلياس شدياق)، ويَصلُ مِن ثمَّ إلى آل شِلحُت (ومنهم البطريرك أغناطيوس جرجس الخامس شِلحُت، والخورأسقف جرجس “يوسف” شِلحُت، والمطران جرجس “عبد الكريم” شِلحُت، والأب فيكتور “قسطاكي” شِلحُت)، وينتهي مع آل طرَّازي (ومنهم الفيكونت فيليب دي طرَّازي، المؤلِّف الكبير ومؤسِّس المكتبة الوطنيَّة في بيروت).
ويتناول جوزيف كحَّالة، أخيرًا، سِيَرَ شخصيَّات سريانيَّة كاثوليكيَّة لم يُدرجها في خانة الأُسَر، بل جمعها في فصلٍ بعنوان “وجوه مُضيئة أخرى”. ومن هذه الوجوه نذكر: البطريرك أغناطيوس أفرام الثاني رحماني، والبطريرك أغناطيوس بهنام الثاني بنِّي، والمطران أقليمُس يوسف داود، والبطريرك أندراوس أخيجان، والبطريرك بطرس شاهبادين، والأسقف ديونوسيوس فيليب بيلوني، والأب لويس الصابونجي، والأسقف يوسف الكرجي، وسواهم.
مَيِّزاتُ كحَّالة في أبحاثه
من اللافت أنَّ كتاب الدكتور جوزيف إلياس كحَّالة الجديد، كسائر كتبه السابقة، يُعطي الحواشي حيِّزًا كبيرًا، في محاولة منه للإضاءة أكثر على ما يُمكن أن يخفى على القارئ من حيثيَّات في سِيَر الوجوه السريانيَّة الكاثوليكيَّة المذكورة في المَتن.
ولا بدَّ من الإشارة، هنا، إلى أنَّ الدُّكتور جوزيف كحَّالة هو صاحب باعٍ طويل في تسليط الضَّوء على الشخصيَّات المسيحيَّة البارزة في المجتمع العربي، وتلك المغمورة ذات الدور المهمّ في استِمرار المسيحيَّة على مَرِّ السنوات. لذا، نجدُه يجهدُ في سبيل إعطاء كلِّ شخصيَّة حقَّها لجهة الكتابة عنها وتعريف القارئ بها وبما تركته من آثار ونتاجات وإنجازات طبعت عصرها والعصور اللاحِقَة.
ولعلَّ تعمُّقَ الدُّكتور كحَّالة بهذه الأعمال، وبراعتُه في الكتابة عنها، مردُّهما إلى قُربه من الحياة الكهنوتيَّة وحبِّه لها ولكلِّ مَن له صلة، من قريبٍ أو بعيد، بتلك الحياة ومَن تكرَّسوا لها.
يبقى أنَّ هذا المؤلَّف مُتقَنٌ إلى حدٍّ كبيرٍ من حيث الشكل والترتيب الداخلي والخارجي. أمَّا ما جاء في مَتنه من تصديرٍ ومقدِّمةٍ وتمهيد فأعطاهُ قيمةً مُضافةً صادرةً عن ثلاث شخصيَّات متعمِّقة في التاريخ السُّرياني في المَشرق والعالم. وبِذا، ومنذ البداية، سيكون القارئ على بَيِّنة ممَّا سيكتشفُه في المطالعة عن سِيَر الوجوه السريانيَّة المُدرَجَة.
ولِمَن يتساءل عن وفرة الحواشي في هذا المؤلَّف كما في كلِّ كتب الدكتور كحَّالة، أُجيبُ بأنَّ المؤلِّفَ أخذ على عاتقه تفصيلَ كل معلومة تردُ في النص الأساسي، وإيضاحها عبرَ الحواشي. وهذا، لَعمري، أمرٌ صعب، ويتطلَّب تفتيشًا دقيقًا وحثيثًا في المراجع من أجل مصداقيَّة العمل، ويُوفِّرُ على القارئ السَّعيَ للبحث عن المعلومات الإضافيَّة في كتبٍ أخرى.
بين أيدينا، أيُّها الأحبَّة، عملٌ أكاديميٌّ مهمٌّ يجمع بين تاريخ الطائفة السُّريانيَّة المُشَرِّف وبعض أبرز وجوهها عبرَ الأزمنة. ونحن في لهفة للاطِّلاع على الجُزء الثَّاني من هذا الكتاب، بل على أجزاءٍ أخرى كثيرة؛ وإنَّ غدًا لناظِره قريب، بخاصَّةٍ أنَّ الثلاثيَّ المؤلَّفَ من النائب البطريركي يعقوب إفريم سمعان والدكتور جوزف إلياس كحالة والأديب ناجي نعمان قد أخذَ على عاتقه المضيَّ في سلسلة “السُّريان تاريخًا وثقافةً” لإيمانه أنَّه من الضَّروريِّ إعطاءُ أبناءَ جَماعةِ السُّريان ما يَستحقُّونه في كلِّ المجالات. ثُمَّ، أليسَ بمِثل هذه الأعمال تكونُ المُحافظةُ على التاريخ المسيحيِّ في المشرق والعالم، ويكونُ جذبُ الأجيال الطالعة لجهة إكمال مسيرة مَن سبَقوهم؟