إضاءات ومفاجآت على هامش الحرب الأوكرانيّة! الحلقة الرابعة: مفاجآت ديموغرافيّة على هامش الحرب الأوكرانيّة

Views: 260

د. إيلي جرجي الياس

ترافقت الحرب الأوكرانيّة التي بدأت يوم 24 شباط 2022، بدخول القوّات الروسيّة إلى أوكرانيا، مع حراك سكانيّ أوكرانيّ كبير، وارتبطت بأزمة ديموغرافيّة حادّة وممتدّة: ارتفاع ولو محدود في معدّل الوفاتيّة الخامّ، وانخفاض ولو محدّد في معدّل الولاديّة الخامّ، وخلل تصاعديّ في النموّ السكانيّ وفي تركيبة الهرم السكانيّ الأوكرانيّ. 

ولكن، وبشكلٍ خاصّ، تظهّرت الأزمة الديموغرافيّة الأوكرانيّة في ارتفاع معدّل الهجرة العامّ بشكلٍ غير مسبوق، سواء الهجرة الخارجية تحديداً أو الهجرة الداخلية أيضاً. ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، غادر 7.8 ملايين شخص أوكرانيا منذ شباط الماضي، أي تاريخ اندلاع الحرب، وهذا الرقم معبّر ديموغرافيّاً للغاية.

 

من الطبيعيّ والمنطقيّ التفكير والتحليل بأنّ المهاجرين الاوكرانيّين لجأوا إلى الغرب!! وعلى وجه التحديد، إلى البلدان الأكثر شعبية واستقبالاً لهؤلاء المهاجرين: بولندا وألمانيا وجمهورية التشيك!! ولكن، ثمّة مفاجأة ديموغرافيّة صاعقة: وصل إلى روسيا، استناداً إلى بيانات الأمم المتحدة الرسميّة، 2 مليون و800 ألف لاجئ من أوكرانيا نفسها. وهذا الرقم الخطير، يعادل ضعفي رقمهم في بولندا، وثلاثة أضعاف ما في ألمانيا، وسبعة أضعاف ما في جمهورية التشيك!!

أمّا المفاجأة الديموغرافيّة الثانية فكانت أنّ هؤلاء المهاجرين الأوكران إلى روسيا يعبّرون عن راحتهم حيث يتواجدون، واستقرارهم السكانيّ المرحليّ، وعن متانة العلاقات الإنسانيّة بين الشعبين الأوكرانيّ والروسيّ، رغم أجواء الحرب المتواصلة.

 

وفي هذا السياق الديموغرافيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ، قال بروفيسور العلوم الاقتصادية، نيكيتا كريشيفسكي: عدد أولئك الذين غادروا إلى روسيا أعلى من ذلك بكثير. تنظر الأمم المتحدة فقط في الإحصاءات الرسمية. لكن هناك العشرات والمئات من الطرق لعبور الحدود في هذا الاتجاه أو ذاك، وتجاوز الجمارك وحرس الحدود والإحصاءات. وثمة عامل اقتصاديّ مهم آخر: لا توجد مشاكل على الإطلاق في تحويل الأموال من روسيا إلى أوكرانيا. الأشخاص الذين يأتون إلينا من أوكرانيا لديهم مستوى تعليميّ مماثل لمستوى تعليمنا، وعقلية مماثلة، وقد اعتادوا العمل في انسجام مع ما نراه في اقتصادنا اليوم. هنا، ليس لديهم مشاكل في الاندماج والتماهي معنا.

 

في رأي البروفيسور كريشيفسكي، تقييم ديموغرافيّ واجتماعيّ أقرب إلى المنطق، وتحليل دقيق لما حدث من تطوّرات سكانيّة واقتصاديّة… ولكن ذلك لا يمنع من الإشارة، إلى أنّ في الحرب الأوكرانيّة ما يثير إلى الدهشة الاجتماعيّة والعجب الاقتصاديّ والغرابة الديموغرافيّة!!

 

***

* د. إيلي جرجي الياس، كاتب، وباحث استراتيجيّ، وأستاذ جامعيّ.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *