رحيل كريستيان بوبان Christian Bobin صاحب ديوان “المسيح وشقائق النعمان”

Views: 157

أنطوان يزبك

رحل  الكاتب الفرنس كريستيان بوبان في 23 تشرين الثاني2022 ،عن 71 عاماً قضاها في الكتابة، كتابة حثيثة،جدّية ملتزمة وراقية،  في ميادين  الشعر والرواية والنقد والفلسفة وعلم الأخلاق وعشرات الكتابات الأخرى المتنوّعة، أغنت عالم الأدب والفكر الإنساني.

وزيرة الثقافة الفرنسية ريما عبد الملك وصفت الراحل في بيان بـ”الكائن الشعري”، وقالت: “شكّلت مؤلّفاته على مدى خمسين عاماً استكشافاً لموضوعات تهمّ الجميع، كالحزن على الموت، وحب الطبيعة، والزمن، والحاجة إلى التأمل”.

وأوضح أنطوان غاليمار صاحب “دار نشر غاليمار”  في بيان، أن صاحب كتاب Le Tres-Bas حول القديس فرنسيس الأسيزي، الذي حقق مبيعات تجاوزت مئة ألف نسخة، توفّي في 23 نوفمبر “جرّاء مرض عضال”.

وكتب غاليمار: “فلنقرأ بوبان، إنه يشفينا من الحزن والتشاؤم، ويدعونا إلى البحث عن الفرح بكلماته المرهفة جداً، سنفتقد ابتسامته وفرحه وإنسانيته”.

Le Muguet rouge  آخر كتاب أصدرته “غاليمار” للراحل في الخريف الماضي.

ما يلفت بشكل مميز في سيرة هذا الكاتب الفريد ، هو ميله إلى العزلة والهدوء والبساطة وتفاعله مع الوجود بدهشة المؤمن ومعرفة الدارس المتعمّق، اذ لم ينفكّ يغتذي من بساطة هذا الوجود ودفء الكينونة، فسكب أحاسيسه في قالب صاف مع الذائقة الشعرية التي تمتّع بها وموهبة شفافة وحسن إصغاء فكان كلّ ذلك بالنسبة له طريقة حياة وسلوكًا فكريًا وأدبيًا.

 درس الفلسفة وكان ميالا إلى قراءة أفلاطون ، سبينوزا وكيركيغارد. كما تبحّر في عيون الأدب والشعر والجماليات الإنسانية وجذبه الإيمان أكثر من الدين والديانات.

وعلى الرغم من شهرته الواسعة وإصداره لعشرات المؤلفات، بقي هذا الكاتب في عزلة عن حياة المجتمع الصاخبة ، وسكن في منازل ريفية منكبّا على كتاباته وقراءاته وتأمّلاته، إذ وجد النقاد في نصوصه نفحات ايمانية وجدانية دينية عذبة ومتجاوزة، واستعمل لغة شعرية نقيّة يتمازج فيها النثر مع الشعر ، كتب في الإيمان المسيحي الكثير من النصوص ، إضافة  مواضيع شتّى: الطفولة ، الغياب ، الكآبة، المسائل الإنسانية… ومواضيع أخرى  يتناولها  الكتّاب حول العالم، في أي مكان أو زمان، ولكن كانت له طريقته الخاصة  في معالجتها.

عرف عنه الإيجاز في كتاباته الّتي أخذت أحيانًا شكل المذكرات والخواطر اليوميّة ،  مؤلفاته  تربو على الخمسين ، من بينها   Le Tres-Bas  عن القديس فرنسيس الأسيزي  فضلا عن مقدّمات ومقالات. .  .

في مؤلفه الشعري “المسيح وشقائق النعمان” (نصوص شعرية ونثرية)، يقدّم لنا كريستيان بوبان لغة بسيطة، بيد أنها حمّالة أوجه ومعان صافية، فيها من نقاء البوح وعذوبة الروح ما يشفي وينعش في أزمنة الظمأ والعذاب.

أراد بوبان في لغّته البسيطة أن يعطي  راحة للإنسان، وعزاء للروح، والاطمئنان والغبطة الإلهية للنفس المضطربة.

ومن أقواله في ديوان  “مسيح شقائق النعمان”:

أحبّك أكثر من كلماتي، إن كلمتك هي غذاء الملائكة !

الله رقيق أيضا كمثل رقة شقائق النعمان، هذه الأزهار الّتي يسعى الناس إلى اقتلاعها من الأرض من أجل مصالحهم.

كان قلبي يتطاير في الهواء كمثل قشّة تتلاعب بها الريح في ارجاء الكون، قبل أن تأخذه بين يديك لتنقذه!

أريد أن أتعذّب، بيد أنني لن أيأس،  لن أدع أحدا يطفئ في داخلي جذوة الثقة الحمراء!

سوف تتعرف عليّ واقفا على رصيف المحطة:

قلبي في راحة يديّ المضمومتين على شكل باقة هورتانسيا تشعّ نورا ليلا ونهارا ، وفي كل الفصول…

رحل كريستيان بوبان بالجسد ولكنّ كلماته المحفورة في   كتاباته، مثل آيات مقدسة خالدة،  ستبقى متوهّجة وأكثر اشعاعًا، توزّع الضياء والحب والأمل والرحمة ووعد القيامة، وما علينا نحن المنغمسون في شقاء الوجود، سوى الإصغاء والتأمّل بضراعة وحرارة ورجاء !!…

(https://wbctx.com)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *