مضاعفة الرواتب

Views: 238

محمود بري

الذين نهبونا لم يهدأوا ولم يستكينوا. يعملون بدأب الصدأ في فولاذ مهمل، على مواصلة ارتكاباتهم فينا. هذه المرة يستخدمون مسألة الزياة التضاعفية التي هندسوها لرواتبنا، موظفين في العمل أو متقاعدين، ليعملوا منها فاساً لشقّ الرؤوس.

قادوا ويقودون في الخفاء حملة شريرة ضدّنا على امتداد أسابيع وأشهر وسنوات، عنوانها الإعلامي الصائت (مثل جرسٍ على إست بغل الرأي العام) مضاعفة الرواتب بحيث يقبض واحدنا ثلاثة أمثال راتبه. كان ذلك من زمان… عندما كانت ثلاثة أضعاف الراتب مُجدية، وكان سعر صرف دولارهم في تلك الآونة  يقلّ عن العشرة آلاف ل.ل.

أحد أبرز أهدافهم من عملية التسويق الشريرة الواسعة لهذه “الزيادة” غير المسبوقة على الرواتب، كان استنفار التاجر الفاجر كي يدفع ما أمكن ويرفع ما استطاع أسعار السلع، كل السلع، إلى أعلى. والرابح الأساس من هذا المال المُستهدف، ليس تاجر المفرق وحده ولا تاجر الجملة بمفرده، بل إن الرابح الأساس كان “مهندسو” هذه الزيادة أنفسهم، أي زعماء البلد المتربعون على رقاب أهله بالشعارات وبالترهيب  والرصاصة والتهمة والفأس والمتراس.  فهم التاجر الأول والمستورد الأول والمضارب الأول وتاجر الجملة الأول والمُزوّد الأول بكل الأنواع والأصناف، وهم الذين يُدخلون إلى البلد كل بضاعة تُسمى مستوردة، يعتمدون شركات لا تظهر أسماءهم في عداد مالكيها، ويستخدمون تُجاراً كباراً هم العاملون أساساً في السوق، ويصطنعون أمثالاً لهم يدعمونهم ويُضيّقون على من لا يخضع لرغباتهم وأطماعهم…أو من المستوردين والمزودين العاملين في الحقل من ذوي الخبرات والمعارف، فيجعلون منهم  مشاركيهم بالقوة وبالفعل وبكل ما في أيديهم من سُلطات وتحت أمرهم من اتهامات وعصابات ومافيات وكواتم.

ومرّت الأيام… وآن أوان قبض الراتب  مُضاعفاً ثلاث مرات. هنا  تبيّن للموظف والمتقاعد أنه ينال راتبه على أساس تسعيرة للدولار لا تزيد عن 4500 ل.ل.، في حين أن سعر صرف دولارهم في السوق حلّق فوق الأربعين ألفاً. والمعنى أن ما كان الموظف يشتريه براتبه قبل مضاعفته، بات يقلّ عما يمكنه أن يشتريه براتبه بعد مضاعفته. وبالتالي فهذه المضاعفةلم تحقق الغاية المعلنة منها (وهي إتاحة اللقمة للموظف) بل ذهبت مباشرة إلى جيوب الزعيم وجلاوزته، بينما غرق الموظف والمتقاعد أكثر مما كانا غارقَين، فضلاً عن تصويرهما بأنها…هما، بمضاعفة الراتب، وقبل ذلك، بسلسلة الرتب والرواتب التي أُقرّت، كانا العلّة الحقيقية التي تسببت بانهيار مالية الدولة، في حين أن انهيارها لم يكن إلا بالمال الذي نهبه الزعيم من حساب الدولة إلى حساباته الشخصية المخفيه في الخارج وحسابات أولاده وأحفاده وبعض أصهرته وطواقم التنفيذيين من حوله. وهذه التي جعلت من نائب أو وزير مثلاً، ينقلب بين أسبوع وآخر إلى ملياردير. وما ساعد على كشف الكثيرين من هؤلاء النهّابين…، دناءة نفوسهم وذهابهم بعيداً في استعراض منهوباتهم، بلا خجل، قصوراً بنوها وعقارات اشتروها وسيارات وساعات و..و.. من دون خوف من الله ولا وازع من ضمير أو شرف أو دين أو قانون، ومن دون “من أين لك هذا؟”.

إن من كان يتقاضى راتباً بمقدار ثلاثة ملايين ّ ل. ل. قبل “عصر الدويلات” هذا، كان راتبه يومها، وبدولار الـ 1500 ل.ل.، يُساوي ألفي دولار. لكن هذا الموظف نفسه الذي ضوعف راتبه ثلاث مرات اليوم، فصار تسعة ملايين ل.ل. ، إنما هو يقبض ما يساوي 210 دولاراً فقط (بدولار المافوق أربعين ألفاً) بدلاً من 2000 دولار كان يساويها راتبه في الماضي (بدولار الـ 1500ل.ل.). ولعل إعادة قراءة السطرين هذين بهدوء وتأنّي توضح حجم الكذبة السامة التي يكذبها الزعيم علينا باسم الدولة التي هي/هو… 

لذا… ولأسباب أكثر من أن تُحصى في هكذا عجالة، فالموظف والمتقاعد ةكل من يقبض من الدولة واستحق مضاعفة الراتب، ما يزالون، وبثلاثة أضعاف الراتب، قتلى مُضرّجين بالعَوَز والظُلم والانتهاك، وذلك  بفعلٍ مباشر من الزعيم والشعارات التي يرفعها فوق راس المواطن، سيف تخوين وتهديد بتهمة. والكثيرون الذين “عوقبوا” بمثل هكذا اتهامات لمجرّد خدشهم عَظَمةَ الزعيم وكشف سطر قصير من مجلّدات ريائه وجرائمه، هؤلاء  الكثيرون كلهم، أمثلة حية… داخل القبور أو السجون، ولا فرق.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *