سجلوا عندكم

ألوذ بابتسامتك من شر المبهمات

Views: 70

جهينة العوام 

في ميلاده السابع وحده  يمتلك مفاتيح الروح كلها،  هو الذي مازال يمرر لي الصبح من خلال أصابعه ويستدرج الموسيقى باتقان لمدرجها ، ويغمز للأغاني أن تنفلت من مقاماتها ، وهوالوحيد القادر على اقناعي ان الفوضى هي الشكل الأجمل للمنزل .عن سبق إصرار أتواطأ معه ، ننصب خيمتنا على عجل ونخفي فيها حرشاً من البلوط والصنوبر ، نقتبس شلالاً ينثر غيما وشمساً سخية الملامح  وحلماً مرتجلاً ندعوه على الفور للعبتنا .

لم أعرف قبله ان للروح بابا مشرعاً للأحفاد ، يدخلونه فيتصاعد الضوء والغفران و(الولدني)  وأن لهم حضورا طاغيا  ينافس  الأقلام والمحابر، وبهاءً يغفر ما تقدم من مقالب وما تأخر .  لم أتوقع  أن تصير  الرياضة طقسا يوميا كي تجاري طاقتهم، مخافة ان يستثنوك من دعواتهم المفتوحة للعب ، أو خططهم غير المعتادة في التعبير عن مكانتك لديهم، لذا عليك أن تكون على أهبة الشغف بانتظار إشارة منهم لمجاراة مكامن الدهشة . تدافع ضمنيا عن طفولتك ،عن جزء كبير من روحك التي طحنتها العولمة والغربة والمسافات .

لجدتي في ذاكرتي ركن غارق بالزينة والفرح والحنين وحكايات ، وجهها هو العيد الحاضن لطفولتي ، أما (كارليتو) فهو من ألوذ بابتسامته من شر المبهمات.

مازلت أباهي حتى اليوم ان (كارليتو) خصني بتلك الثقة العالية   لمرافقته الى الحمام ،كي أشهد الحدث الاستثنائي بأنه استغنى عن الحفاضات،  الأطفال لا يكذبون، من هنا تحديدا تختبر شكلاً فريداً للحب  ولوحاً مكتوباً في زوايا الروح لا يكتشف الا في حضورهم.

فتحاول أن تحشر في أرشيف ذاكرتك كل كلماتهم وحركاتهم التي تشير اليك ، تفرح بانتصاراتك المصيرية حين تكون الرقم واحد على لائحة  من يحبون 

ولا تخفي ابتسامة الرضا للمطبات التي تكلف الآخرين سحب الثقة منهم  تبعا لمقياس ريختر العاطفي لحفيدك  الذي تخاف ان يهتز لاحد غيرك.

الانانية في حب الاحفاد مشروعة ، يندرج تحت   ذلك ممارسة كل الألعاب  بما فيها فقاعات الصابون والكرات الصغيرة الملونة والقفز على السرير ، وصولا الى عمل مقالب بالاخرين ، على جميع أفراد المنزل أن يتفهموا ذلك عن قناعة تامة  وطيب خاطر ، ولا داعي أن يتقدم أي أحد بشكوى ، الشكاوى غير مقبولة سلفاً وأي اعتراض هو رهن بايجاز الحفيد والجدة حصراَ.

 قبل شهور قليلة زار (كارليتو) حديقة الحيوانات ، وفجأة بدأ ينادي على بطة كانت تنزوي بعيدا في البحيرة :جوجو ،جوجو ، تعالي 

وبدأ يرش لها الطعام كي تقترب، فتعاطف معه جميع الزوار وبدورهم بدؤوا ينادوا للبطة

جوجو،جوجو

 فاقتربت ابنتي وزوجها من (كارليتو) ،ليستفسروا عن السبب الذي جعله ينادي للبطة باسمي

فقال: البطة تشبه جوجو!

فضحكت ابنتي وأخبروني القصة كما أرسلوا صورة البطة ، للأمانة البطة شخصية وجميلة.

وانا كنت في غاية السعادة لأني خطرت بباله عندما شاهد البطة،فالاحتمالات في الحدبقة كثيرة .جزء كبير مني يلعن المسافات والموبايلات  والانترنيت  والغربة وجزء عاتب على القدر، كان ببالي مشاريع كثيرة وألعاب كنت أود لو شاركتها مع (كارليتو) مازال لدي حكايات  أرويها له، يؤلمني انه مستقبلا ستقف الترجمة جداراً بيننا ، أحاول تجاهل هذا الاحتمال الوقح  الذي يقحم نفسه في أفكاري ،فاللغة ليست فقط مجرد كلمات مرتبطة ببعضها ، بل هي طاقات روحية  للكلمة ودلالاتها  منذ أزمنة بعيدة ، انه شيء لا أريد تخيله حالياً،فقط ما أنا على يقين منه الآن ،  انني كلما أردت  شهيقا يخون اسوداد الريح ويسحب أجملني من رئتيه، سأركض اليك ، وألوذ بابتسامتك من شر المبهمات. 

(https://nyicff.org/)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *