سجلوا عندكم

أربع وعشرون سنةً (9 آذار 1999 – 9 آذار 2023)

Views: 470

 وليد نجم

طلع الفجر كئيبا في ذلك النّهار .

مطر آذار ، يشقع قضبانا تحجب الرؤية ، وأشجار الزّيتون تذرف ، في ضيعتي ، دموع الحزن من وريقاتها المتماوجة ، لأنّها أيقنت ما الّذي سوف يحلّ بها من بعد ذلك النّهار …

أنا بعيد عن جذوري ..

إقتلعتني بيروت لكنّها لم تستطع أن تبتلعني !

سرقتني بيروت لكنّها لم تستطع أن تحرقني !

 

أنا بعيد و” معلّمي ” يحتضر ، في صباح يوم عيد المعلّم .

على جناح السّرعة طرت إلى ضيعتي الغارقة في حزنها الصّارخ ..

غاب ” معلّمي ” ،

غاب أبي في يوم عيد المعلّم ،

أربعٌ وعشرون سنة قضت على ذلك الرّحيل ..

أربعٌ وعشرون سنة وتبدّلت حالنا ، ولم تعد أيّامنا كما كانت ..

كانت أيّامنا خيرا وبركة ..

كانت أرضنا معطاء ، وأشجارنا جوّادة ..

 

كنت تعلّم الأجيال ، وبمحبّة تغرس تراب الأرض ، تماما كما تغرس المحبة في قلوبهم .

 

في أيّامك كانت عندنا  دالية وكانت لنا عناقيدها ، المتدلّية والمشعّة ،

في أيّامك كانت عندنا شجرة جوز عملاقة ، وكنّا نتفيّأ ظلّها الوارف ، وهي تلاصق حائط البيت الّذي كادت تضاهيه ارتفاعا …

 

أتذكرُ ذلك الصبيّ الطائش الذي كان يقف إلى جانبك يوم كنت تغرسها ؟

أتذكر كم كنت تحبّه وتضحّي لأجله ؟

 

يقولون : بأنّه قد أخذ عنك الكثير ، وأخذ منك الكثير ، لكنّه لم يغرس شجرة واحدة .. بل شاركت يداه في قطع واقتلاع تلك الجوزة الجبّارة الّتي غرستها يداك .

سامحه على إجرامه للمرّة الأخيرة …

 

أربعٌ وعشرون سنة مضت على غيابك عنّا ،

أربعٌ وعشرون سنة ويعود عيدك عيد المعلّم ، أنت الّذي أفنيت من عمرك أربعا وأربعين سنة تعلّم وتعلّم .. سافرت في صبيحة عيد المعلّم .

 

لم تعد أمام البيت ” دالية ” ،

لم تعد قرب الحائط “جوزة ” ،

و ” كركة ” العرق التي كنت تنتظر ، أن تقطر فتلذّ بأن تسمع خرير ” النّزل ” منسابا من قبل أن يغفو في ” خابية ” الفخّار ضاعت منّا هي الأخرى ..

 

كلّ شيء تبدّل وتغيّر ،

غبت عنّا فغاب العزم والنّشاط ،

غبت عنّا فشحّت خوابينا وبارت أراضينا ،

غبت عنّا وصدىء الكثير من أوانيك التي صادقتها فصادقتك .

 

هناك بين أشجار الزّيتون هسيس من روحك يرفرف خائفا من أن يضيع تماوج اخضرارها !

أنت الآن ترقد في وجع غربتك ،

وأنا أجمع بقايا عمر محطّم ،

وبيراعك أجمع أشلاء حروف قصيدة بعثرتها الأيّام ..

 

وجع حياتنا ،

ومؤلم هو الموت ورجاؤنا عزاء القيامة .

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *