الحظ العاثر… قدر أم صُدفة؟!!
أنطوان يزبك
كلنا نطرح سؤالا تصعب الإجابة عليه، والصعوبة حاضرة منذ بداية فكر الإنسان ،إنه سؤال مبهم يلحّ علينا نحن البشر :
هل الإنسان مسيّر أم مخيّر ؟ والإجابة عسيرة، هي لغز كبير يزداد تعقيدا مع تتابع الأحداث الجارية الغريبة والعجيبة في كلّ تفاصيلها !
في الأسبوع الماضي مثلا حصلت حادثة في لبنان؛ مؤلمة للغاية ولا تفسير منطقيا لها … كان رجل في طريقه إلى المستشفى لزيارة إبنه توف في حادث سير !
والغريب في هذا الحادث أنّ هذا المواطن ، من بلدة مكسة توفى متأثرًا بجروح أصيب بها جرّاء حادث سير وقع على طريق عام راشيا في محلة عزة.
حوادث السير تحصل يوميا على طرقاتنا غير المؤهلة، فقد كان الرجل الذي وقع ضحية الحادث المروري ، قاصدًا مستشفى راشيا لزيارة ابنه الذي تعرّض لحادث سير هو الآخر أيضًا! يا لسخرية الأقدار التي نعلق في قضائها والحكم مبرم لا فكاك منه !
كيف يمكننا ان نشرح منطقيا لعبة الأقدار هذه ؟ وكيف تحصل المصادفات ومن يتحكّم بلعبة القدر وما هي الخيوط التي تتلاعب بنا؟ !
من منا عندما يهمّ بقطع شارع لا ينظر يمينا و يسارا قبل أن يقدم على الخطوة الأولى ، لكي يعبر الطريق إلى الجانب الآخر، حتى ولو كان مسلّما بالمصير أو حتى على الأقل بعدم حصول أي مكروه له وهو يعبر من رصيف إلى آخر ؛ هل كان مشى في سبيله من دون ان يسأل عن أي شيء ؟ أو يتوقع أي خطر داهم مستطير؟ !
فعلا حياتنا غريبة وأعود بالذاكرة إلى الشاعر الفذّ ابن الرومي الذي كان يتوجسّ من علامة معيّنة كغصن مكسور على شكل كلمة “لا ” فيلازم داره ويخاف المبارحة إلى السوق..
في سلسلة من الأفلام الأميركية تحت عنوان Final Destination نرى الأبطال، وهم مجموعة من الفتيات والفتيان في زهوة العمر كتب عليهم الموت بطرق مؤلمة ؛ حوادث وفواجع، مهما حاولوا الهرب منها والفكاك من أسرها، وكأن القدر الغاشم قد تحالف عليهم غادرا قاتلا بلا رحمة!
والموت الذي يحصد الناس في ذروة اليأس، بطريقة شنيعة ، يحصل أيضا حين ينتحر إنسان يائس من وضع البلد ، كما يحصل في كل يوم في ربوع هذا الوطن المعذّّب ، أي قدر هو هذا وأي مصير بائس يتربّص بالإنسان الذي تميد الأرض من تحت أقدامه فلا فوقه سماء ولا تحته أرض تحميه و تحرسه..
يقول إبراهيم الكوني: “ترأف بنا الأقدار عندما تشاء لنا آمالا أخرى غير الآمال التي شئناها لأنفسنا”.
لكن في بلادنا التعيسة لا خير يرتجى ولا آمال ؛ من التي نحبها لأنفسنا أو حتى تلك التي تختارها لنا الأقدار المسيطرة على أعمارنا ! !
يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه :
الأيام تفعل ما تشاء
وطب نفسا إذا حكم القضاء
تجزع لحادثة الليالي
فما لحوادث الدنيا بقاء
واكرر السؤال هل في بلادنا تفعل الأيام ما تشاء أم ثمة قوى أخرى تتحكم بالعباد ؟!
ولكن ما يبدو واضحا كعين الشمس؛ أن السائد على هذه الأرض هم الطواغيت الأنذال ، أحفاد ابالسة حمر من غياهب الجحيم وأصحاب جمرة قتل متأجّجة لا تخفت جذوتها، وهم يفعلون ما يحلو لهم و يذيقون أهل الأرض عذابا لا يوصف !!
قدر أم مأساة ، حظ عاثر أم ما يسمّى بالمكتوب الذي ما منه مهروب ، من يدري؟
الظاهر ان من يقتل شعوبا بأكملها هو كائن يختزن في داخله شرورا تفرّ من هولها الشياطين وتحار أمامها أقسى القلوب وأضعف الذمم ، هذا الكائن استطاع أن يحوّل الملايين إلى نسخات حديثة من ابن الرومي الطيّب الذكر، الذي التهمته الهواجس والتشاؤم وحول اسم زائره المدعو إقبال إلى إسم موت و جفاف إذ قرأه معكوسا : لا بقاء…
وابن الرومي بذلك يصدّر أوّل حرف من فلسفة التشاؤم على مقدار فلسفة شوبنهور واقرانه المتشائمين ! ..
والحال كذلك ؛ لا يسعني سوى أن أتساءل عن مصير هذا الكائن البشري الضعيف ،الواقف في عين العاصفة ،تجلده سياط القدر ؛ هل يتربّص به قدر مشؤوم أم حظ عاثر ؟!…
أسئلة متكررة ومصائب وويلات متلازمة لا حلّ قريبا لها سوى الرجاء والأمل بقوة ليست من هذا العالم ، لأن هذا العالم خبرناه كفاية على مدى دهور ومن جرّب المجرّب كان عقله مخرّب! ..