المفكر العربي علي الشرفاء: نحو استراتيجيّة لإعادة بناء النظام العربي

Views: 1442

د. جورج طراد

لا شكّ في أنّ الكمّ الهائل من النزاعات العربيّة المزمنة على مدى العقود الماضية، وما خلّفته من دمار وويلات وشرذمة وإفقار في صفوف الشعب الذي يُفترَض أنه واحد، كانتْ حافزا للعديد من كبار المفكرين العرب ومن قادة الرأي في الأمة، كي يبذلوا ما في وسعهم من جهود من أجل لم ّالشمل العربي والسعي لتوحيد الجهود تمهيدًا لإستعادة الدور العربي المُشرق، فكريّا وسياسيّا واجتماعيّا.

ومن بين هؤلاء المفكرين الكبار يبرز اسم علي محمد الشرفاء الحمّادي، المعروف بين أصدقائه ومعارفه ممّن عايشوا التاريخ الحديث في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة باسم علي الشرفا.وهو ما فتىء منذ سنوات طويلة، سواء كان في دراساته المعمّقة أو في جلساته الخاصة أو في الأحاديث الصحافية التي يعطيها بين الحين والآخر، يمارس قراءة متأنية في الخلافات العربيّة العربيّة، أسبابها ومحركاتها ونتائجها، سعيا إلى تلمّس المخرج الواقعي والعقلاني الذي يسمح لوضع حد لحالة التمزّق الشديد التي يعاني منها عالمنا العربي.

 

ولعلّ دراسته القيَّمة الموسومة “نحو استراتيجيّة لإعادة بناء النظام العربي” هي واحدة من ثمار فكره المستنير والباحث دائما عن حلول ومخارج منطقية لكل ما يعاني منه العالم العربي من خلافات أدّتْ إلى ما أدّت إليه من تدهور ترك انعكاساته السلبية علىأكثر من مستوى وصعيد، وفي معظم دولنا العربيّة. وقد قدّم لهذه الدراسة د. حسن حمّاد، وأعيدتْ طباعتها أكثر من مرّة، نظرا إلى أهمية الأفكار الإيجابيّة التي تضمّنتْها.

وميزة المفكر علي الشرفاء أنه لا يكتفي أبدا بتوصيف الحالة، أو باستعراض المسبّبات والدوافع، إنما هو يعمد دائما إلى اقتراح الحلول، أو ما يراه أنه يصلح للتأسيس عليه بما من شأنه أن يؤدّي إلى إصلاح أمر الأمة وإعادة بناء النظام العربي المتداعي. وهذه ميزة ليست بالأمر اليسير، إذ إن مفكرين عربا كثيرين يكتفون بالتوصيفات السلبية وبسرد الجوانب المظلمة التي أدتْ إلى هذا الإنهيار، من دون أن يقدّموا أية حلول أو حتى تصورات حلول، لمعالجة الأمراض المزمنة التي استنزفتْ النظام العربي على مدى عقود وأدّتْ إلى تهالكه على النحو المعروف.

ولأن علي الشرفا يؤمن بأن السلبيّة لا يمكن أن تولِّد إيجابية، فإنه يعمد مباشرة إلى تقديم كل ما يمكن أن يكون إيجابيّا. علّ ذلك ينعكس على الحالة العامة فتبدأ بشائر الإيجابيات تظهر على النظام العربي بعد طول انحسار.

وأولى الإيجابيات التي يدعو إليها تستند إلى ضرورة أن ” ترتفع كل القيادات فوق جراح الماضي”، وكذلك فإن المصالحات العربيّة – العربيّة تقتضي” أن تتنازل كل دولة تنازلا متبادَلا للأخرى”.

هذا في المقدّمات. وقد يقول قائل إن علي الشرفاء تمادى هنا في النظريات. ولكن ذلك غير صحيح، إذ سرعان ما عمد إلى وضع استراتيجيّة كاملة متكاملة في كل المجالات التي لا بد من معالجتها من أجل إعادة بناء النظام العربي. والمجالات التي يركّز عليها هي:

  • المجال السياسي الذي يتطلّب وضع ميثاق جديد يحدّد العلاقات العربيّة بوضوح. ولعلّ أهم ما في هذا البند هو” تعديل ميثاق جامعة الدول العربيّة على أن يكون نظام التصويت على القرارات بالأكثريّة وليس بالإجماع الذي تسبّب في تعطيل تنفيذ قرارات الجامعة من العام 1948 إلى اليوم”.
  • المجال العسكري الذي يقتضي ” إنشاء مجلس الأمن القومي العربي بحيث يشَكَّل من قادة القوات المسلّحة في الدول العربيّة (…) يتولّى التخطيط الآستراتيجي والعسكري “، ويكون مسؤولاعن وضع النظم والاتصال بين القيادات وترتيب التعاون بينها ووضع الخطط اللازمة للدفاع عن أية دولة عربيّة أو لمنع المواجهة بين دولتيْن عربيتيْن.
  • المجال الإقتصادي، لأن أسباب تخلّف أكثر الدول العربية اقتصاديّا يعود” إلى عدم توفّر الموارد المالية التي تستطيع بها استغلال ثرواتها الطبيعيّة”. ولتأمين تلك الموارد لا بدّ من إنشاء بنك عربي تكون مهمته تصحيح الهياكل الماليّة في الدول العربية، كما يتم إنشاء مكتب للدراسات الإقتصاديّة وإعداد خطة عمليّة لكيفية استغلال الموارد الطبيعيّة لكل دولة عربيّة.
  • مواجهة العولمة الإقتصاديّة. فالغربيون” يبحثون عن مصالحهم، ونحن من حقنا استخدام السبل والوسائل كافة” لحماية مصالحنا. لذا لا بد، في رأي علي الشرفا، من ” إنشاء الشركة العربية للتسويق” تكون أسهمها مناصفة بين الحكومات والقطاع الخاص، وتعمل على تنمية التبادل التجاري البيْني وعلى البحث عن أسواق جديدة ودراسة فرص الاستثمار وتوجيه فوائض الأموال للإستثمار في البنى التحتيّة.
  • مصداقية الشعارات العربية: وأبرز ما في هذا البند” ضرورة خلق مناخ منطقي وعقلاني للتصالح مع أنفسنا”. ذلك أننا ” لن نستطيع تجاوز العقبات بين تمنيات القيادات العربية التي تؤكدها دائما الشعارات الرنّانة وتصوغها بصيغ مختلفة لتوحي بأننا أمّة واحدة بينما الواقع يؤكد عدم الإيمان بتلك الشعارات”.
  • السوق العربية المشتركة: ويجب ان يقوم ذلك على المشاركة بين القطاعيْن العام والخاص” لتحقيق حركة التجارة بين الدول العربية واستغلال كل الطاقات المالية والفنية والخبرات الإقتصاديّة”.

 

بطبيعة الحال، إن كل هذه البنود المحوريّة، كما يراها المفكر علي الشرفا تتطلب “إعداد استراتيجيّة ترقى إلى تصوّر مشروع قومي للأمة العربية” من أجل العمل على ” تحقيق وحدة في الموقف السياسي وترسيخ مفهوم وحدة الأمة ومصيرها المشترك”. وهذا يفترض بالتأكيد نبذ الخلافات العربيّة- العربيّة، كما يقول علي الشرفا الذي يدعو إلى أن يكون” الحوار المخلص سبيلنا إلى معالجة ما يستجدّ من أمور، والمصارحة طريقنا في مواجهة ما يطرأ من مشاكل، والإخلاص في سلوكنا في النصيحة والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة”.

إن هذه الصرخة المخلصة لإصلاح ذات البيْن، ومعالجة الخلافات بين الأخوة ضمن قواعد العقلانيّة والعدل والمنطق، هي الوصفة الناجعة لمباشرة علاج أمراضنا المزمنة. وإذا كان هناك مَن اختار اليأس من الإصلاح سبيلا له، فإن المفكر علي الشرفا اختار بوضوح العمل على استعادة الدور العربي الرائد تاريخيا بين الشعوب. وهو بالتأكيد يدرك أن المهمّة صعبة وتتطلّب نفَسًا طويلا وتضحياتِ جساما. لكنه، مع هذا، يقْدِم ويسعى، علّ الزمن يشجّع على تعميم هذه الإيجابيات التي تساعدنا على النهوض.                                                                 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *