التفّاح الحلال في شعر سلمان زين الدين

Views: 123

  شفيق يحيى

   شعر سلمان زين الدين لا يمكن أن يكون إلّا حلالًا، وعصيرًا زلالًا، لأنّه من بيئة تحيا بالحلال ولا تقارب أي نوع من الحرام، وتفّاحها غير كلّ التفّاح الذي يمكن أن يسبّب الخروج من الجنة. لذلك، كلّما أصدر شاعرنا المتمسّك بالقيم مجموعة شعرية ننتعش بعطرها، ونحسّ أنّنا في جنينة نتنقل فيها من مسكبة إلى مسكبة، تنافس كلّ واحدة منها الأخرى، في شذاها ونعومتها وطلاوتها، فننتعش، ونرتاح، ونحمد الله على أنّ بين أيدينا شيئًا يمكن أن ينعشنا في خضمّ هذا الجفاف المتمادي، في كلّ مكان، وفي صفحات الأخبار.

 

   إذًا، نحن أمام مجموعة سلمان زين الدين الجديدة “تفّاح” لنختار منها باقات من الرياحين، فلا نكاد نستمتع برائحة النعناع حتّى ننتقل إلى رائحة الحبق، فالبنفسج، حتى إذا تمادينا في التنزه وطمعنا في في مزيد من الانتعاش، تابعنا التنقّل بين سائر المساكب العابقة بالشذا، ولا نكاد نستيقظ من نشوتنا حتى نستعيد وعينا ونسابق الشعر لنيمّم شطر سائر قصائده، ونتمنّى لو “يطيل الليل مسراه” حتّى لا نرى “الواقع في رجع صداه”. وسرعان ما يعيدنا الشاعر إلى التحسّر على زمن الأندلس، و”أندلس العمر”، والماضي الجميل، حين كانت نجوم الليل منّا قاب قوسين أو أدنى، ويتابع التحسّر ليقول: “ينتابني حزنٌ شفيفٌ كلّما نهضت رياح الأمس من كهف السبات” إلى أن يذكّرنا، وبعد أن فات قطار العمر، بأنّ “الماء لا يُؤتى بتوقيت السلال”، ويدعونا بصوره الشعرية الجديدة  لنتوقف عند “لولا”: “لولا الفنون…، لولا الجمال البكر…، لولا النجوم…، ولولا الحسان…” إلى أن يصل إلى هدفه ويقول: “لولا وجودك في حياتي، يا حياتي، لَخَلَت حياتي من مسرّات اللقاء، في تعبيرٍ عميقٍ عن الحبّ وأهمّية الحب. 

  ولا ندري لماذا ينحو الشاعر بالملامة على قلبه، ونترك اكتشاف السبب للقارئ، وننتقل إلى البعض الذي “لا همّ يعنيه سوى الألقاب ينساق إليها”. فلماذا نلومهم ما دمنا نعرف أن “آخر الدرب سراب”، وأن “هذه الدنيا بلا موت … هي سجنٌ كبير”.

  ويستمرّ الشاعر في نظرته الفلسفية للحياة ليعبّر عن كلٍّ منّا، في صراع هذا الكون، حين يقول: “وأنا وحيدٌ في مهبّ الريح أرتكب الحياة بمعزلٍ عمّا يُدبّر للقطيع”، وبعد أن “يكتنز من الأشواق ما يكفي لأيّام الشتاء”، على حدّ تعبيره، يتابع “الإبحار والتجذيف في البحر الكبير” إلى أن يواجه الديك الذي يعتقد أنّه هو الذي “يوقظ من النوم الصباح”، و”يطلق الدعوة في القوم إلى خير الفلاح”.

  ثم يتجلّى وفاء الشاعر عندما بكى سيارته وتذكّر خدماتها، ولكنه لم يذكر فضلها في تجواله على المدارس كأنه يهرب من التطرق إلى خذلان الوظيفة، واكتفى بوفاء السيارة حين قالت: “أنا لن أنساك يومً، أنت طفلي”.

 

  نزهة اليوم أنهيها بوقفة في ظل قصيدة “تفاح” لأنها عنوان الكتاب وخلاصة مسيرة الإنسان المسكين وهو “يمضي مسرعًا في قطفه التفاح كي يطفئ جوعًا مزمنًا. أدمن القضم، وأضحى لعبة يلهو بها تفاح حواء الذي ازدان به حقل الزمان”.

 وإذا كنا نحن قد أسأنا “قضم التفاح”، فالأحرى بنا أن نحسن قراءة “تفاح” سلمان زين الدين، ونتابع سائر القصائد: (تفاح، صداح، وجه، معايدة، دعاء، حرير، أنامل، جدول، نوم، رمش، ليل، غابة، قضاء وقدر)، ونكتشف ما فيها من جمال الرياحين وشذاها، ثم نلتقي من جديد في نزهة جديدة بإذن الله.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *