شراكة التصوّف الفلسفي بين هيغل والفارابي

Views: 182

وفيق غريزي

يعتبر هيغل مجال الفكر المطلق، حيث تتطابق واقعية العقل مع مفهوم العقل، فهو المجال الأوحد حيث لا تشكّل الذات والموضوع سوى واحد. إن كان الفن مجالا مميزا بحيث تستطيع الذات التوحد مع الموضوع، فإن الدين والفلسفة لا يستطيعان أن يكونا ايضا سوى مميزين اكثر من الفن كنشاطات بحيث تشكّل الذات والموضوع واحدا. 

من المفيد الإشارة الى أن الأمر يتعلق، ودوما بحسب هيغل، بالذات وموضوعها، اذا، بذات موضوعية وبموضوع ذاتي. في حالة التصوف المشمولة كظاهرة دينية وبناء على ذلك تدعى تصرفا دينيا، إن تعلق الأمر بالحب أو بالمعرفة، وبالحالة حيث الحب والحبيب والمحبوب لا يشكلون سوى واحد، والحالة القصوى المرجوة من التصوف في علاقته مع موضوع حبه أو معرفته، لا يتعلق الأمر سوى بعلاقة لا متناهية من الحرية الداخلية مع ذاته. 

 

وبالنسبة إلى التصوف، هذه الدرجة القصوى لطريق الإنفصال ليست سوى اول درجة من الإتحاد، من العلاقة الحرة بين الذات والموضوع، وهي علاقة لا متناهية مع الذات، حيث تتلاشى الأنا الفردية لتحل مكانها الذات الكلية.” تكمن الفلسفة حسب رأي هيغل في معرفة الحق بذاته ولذاته، أو أسمى الاشياء التي بوسع الانسان امتلاكها، هي وعيه لماهيته. هل من الضروري استباق الاشياء والتحدث عنها بناء على هذا التعريف، عن تصرف فلسفي لدى هيغل؟”. إن مفهوم المعرفة المطلقة الذي هو الفكرة التي تعي ذاتها، أو العقل الذي يعقل ذاته، في نطاق العقل الصافي كما في الطبيعة وفي الفكر البشري، قد يساعدنا في توضيح المسألة. في حالة الفيلسوف العربي الفارابي، المفهوم الأساسي هو العقل الفعّال الذي بنى عليه تصوّفه الفلسفي كما فلاسفة عرب آخرون تبعوه في هذا الطريق. أما بالنسبة الى سبينوزا مثلا، الذي يلعب دورا وسيطا ما بين الفارابي وهيغل، فإن المعرفة الحدسية تؤمن للنفس الحرة والعارفة معرفة كونها ازلية واقعية.. ” يبدو أن الفارابي وهيغل واسبينوزا يشكلون ثالوثا على طريقة هيغل تماما، وبشكل ما يكون اسبينوزا الحد الاسط بينهم، النفي الجدلي للمقدمة الاولى، وهيغًل بنفسه يشكل نفي النفي، وبالنتيجة عودة الى الوحدة مع الحد الاول “.

التصوّف لدى هيغل 

“أين هو المترجم الذي سيكون فيلسوفا وشاعرا وعالما لغويا معا؟. يجب أن يكون نجمة الصبح لعهد جديد في ادبنا”، هذا النداء اطلقه الفيلسوف الالماني هردر لفقه اللغة الشرقية الناشئة في المانيا قرابة نهاية القرن الثامن عشر، وعبارات اطلقها شليغل: “يجب علينا أن نذهب الى الشرق لنستقي الابداعية القصوى”. يظهر الاهتمام بالشرق في عهد هيغل، كما يظهر ايضا بأن الابداعية والمشرقية صنوان. هذه الحركة المزدوجة كانت مدفوعة بالتاكيد من الظروف السياسية التي كانت تجتاح اوروبا: حروب نابليون وتراجع الثورة واعادة النظام القديم والتحالف المقدس. هذا الجو، بحث العديد من المفكرين، على غرار غوته الذي قال: شمال، غرب، جنوب، يتطايرون في كل اتجاه.. انقذ نفسك؟ اذن الى الشرق الصافي”. هيغل الشاب مع صديقه الشاعر هولدرلن والفيلسوف شيلنغ، لم يكونوا بمنأى عن تأثير هردر ولا عن تأثير غوته. 

 

” لكن علاقة هيغل البالغة بالشرق، هي ابعد من أن تكون بسيطة الى هذا الحد. علاقته بالإسلام هي أكثر تعقيدا، هذا الجزء من الشرق الذي لديه اكثر صلة بأوروبا”. هناك اولا العلاقات التاريخية، لكن هناك ايضا هذه العلاقة الروحية الوثيقة للإسلام مع الدين المسيحي، هو الذي بذاته من أصل شرقي واعتنقته اوروبا. من هنا يأتي موقف هيغل المعقد بالنسبة الى الإسلام. وباعتباره مؤرخا للفلسفة، تناول هيغل الفلسفة العربية كجزء من فلسفة القرون الوسطى المسيحية، الًمصادر التي استعملها هيغل لمرحلة القرون الوسطى كما هي بالكامل تقريبا مؤلفات مؤرخي الفلسفة في حقبته أكثر من مؤلفات الفلاسفة انفسهم. يشير الباحث راتب الحوراني في كتابه (هيغل والفارابي – دراسة مقارنة في التصوف الفلسفي) إلى أن هيغل امتلك ترجمة لاتينية سيئة لمؤلفات ابن ميمون “مرشد الضالين”، واستند اليه عندما تحدث عن الفلسفة العربية. أحد المراجع الأهم الذي استعمله هيغل، مرجع يلمس موضوعنا مباشرة هو مجموع ترجمات المستشرقين: تولوك، وروكيرت وغوته. إن الفكر المطلق الذي يتجلّى في التاريخ، يترك للإسلام دور الثورة في الشرق ويعهد لهيغل التكلم عنه بوضوح. يكرّس هيغل في كتابه “دروس في فلسفة التاريخ ” فصلا عن الاسلام كجزء من العالم المشرقي الذي يتضمن الصين والهند وبلاد فارس، ويسبق تاريخيا العالم الاغريقي – الروماني، انه بالنسبة اليه نوع من رأي شرقي معاكس لاختراق المسيحية في العادات والمؤسسات التابعة للشعب الألماني”.

يعترف هيغل بأن العلم والمعارف خصوصا الفلسفية، جاءت الى الغرب من عند العرب، شعلة قصيدة جميلة وخيال اشتعلت عند الالمان لدى الاتصال بالشرق، وهكذا توجّه غوته ايضا الى اسيا واعطى في كتابه “ديوان “قلادة لولو تخطت السعادة والخيال كل شيء.

ويرى مؤرخو الفلسفة الذين يتحدثون عن التصوّف كفريق حلولي، أن هيغل لا يقوم بأي تلميح عن هذا التصوف، لكن في مكان ما، يستشهد، بطيبة خاطر، بشعراء فارسيين، خصوصا جلال الدين الرومي أو حافظ الشيرازي، من دون أن يتلفّظ بكلمة تصوّف. 

 

” لدينا انطباع بانه يتردد بلفظ صفة روحاني بالنسبة الى هذا الشعر. يقول بإنه يلامس الروحانية. وسنرى بان لفظة روحانية أو روحاني هي في اسلوب هيغل، حكر على ما هو اكثر تأملية في الفكر الديني، فضلا عن ذلك فان روحانيا وتأمليا حسب هيغل يعنيان غالبا الشيء نفسه ” حسب قول الباحث راتب الحوراني. يعطي هيغل امثلة عن الحلولية الحقيقية، حلولية الشرقيين، بعد أن درس الحلولية الهندية اتجه نحو المسلمين ليشاهد وعي الواحد الأحد في اجمل طهارته وجلاله، خصوصا نحو جلال الدين الرومي المدهش الذي يبرز خصوصا وحدة النفس هذه والواحد الأحد وينوه في الوقت نفسه بأنه حب. هذه الوحدة الروحية، حسب اعتقاد هيغل، هي ارتقاء ما فوق النهائي والعام، تجلي الطبيعة والروحانية، حيث يجد الخارجي بالتحديد نفسه مستثنى ومستهلكا، الموقت للطبيعي مباشرة وكذلك بالاختبار، والروحي الدنيوي. ويتساءل هيغل: ” في هذا الشعر الذي ينطلق فوق الخارجي والحسي الذي يعرف بالتصور الدنيوي الذي نكونه مما نسميه الحلولية وبالأحرى يختصر الالهي الخارجي والحسي “.

في كتابه “علم الجمال” يستحضر هيغل الشعر الإسلامي، في اطار من المقارنة مع الشعر الهندي والروحانية المسيحية، تحت عنوان حلولية الفن فيقول: “اول تصوّر ايجابي المتعالي وجد تعبيره في الفن الحلولي، كما ظهر في الهند، أو بعد ذلك، عند الشعراء والأحرار والروحانيين في بلاد الإسلام، أو مع عمق الفكرة والحس الاكبر، في الغرب المسيحي”. ويجد هيغل نفسه منساقا الى مقارنة شعر الشرقيين مع شعر الغربيين. في الغرب، باطنية الشاعر الرومانتيكية تحتوي بالطبع على نقاء مماثل، لكنها بالأخص في الشمال، تعيسة وخالية من الحرية وفاترة، أو اكثر ذاتية، وتبقى متقوقعة على ذاتها، مما يجعلها انانية شديدة الحساسية. تظهر هذه الباطنية الحزينة والمنهارة خصوصا في اناشيد الشعوب البربرية، لكن الشرقيين، وبالأخص المسلمين، لا يعرفون سوى الباطنية الحرة والسعيدة.

 

الحب والزهد في التصوف 

مفهوم الحب عند هيغل هو جدير بتفسير كل الظواهر الروحانية. “الانفصال عن وعي آخر، ومواجهته، والتواجد فيه ثانية، هذه هي حركة كل حياة روحانية “. يعبر هيغل من فلسفة الحب الى فلسفة العقل. لكنه ليس بعد العقل المطلق منهج النضوج. إنه العقل المدرك كنفس وحياة لامتناهية. إنه في داخل الأشياء والظواهر الروحانية والكائنات الحية. في نص “الفقرات، الذي لم تتبق منه سوى ثلاث وريقات يثير هيغل جدلا كبيرا بين الانتقادات. ” بدون أن ندخل في تفاصيل هذا النقاش نستنتج أن في النص، كما في نصوص أخرى، الاهتمام الأكبر لهيغل وهو كما عبر في احدى الرسائل الى شيلنغ كيفية “التقرب من الله”، كيفية الاستعلاء من الحياة المنتهية، من الانسان الى الله، من دون أن نضيع فيه”. الحياة اللامتناهية هي بالضبط الشيء نفسه كالعقل، بناء عليه فإن علاقات العقل بالعقل، والانسان بالإنسان، والفرد بالمجتمع، والحبيب بالمحبوب، والانسان والله، كلها، هي في صلب اهتمامات هيغل. إن الحياة وحدها هي التي توفق بين المتناهي واللامتناهي في جدلية حية. لا الدين، المفهوم كإنفصال تام بين التناهي واللامتناهي، ولا فلسفة النظر العقلي، قادران على اتمام هذه المصالحة. لكن الدين، المدرك بالمعنى الحقيقي للكلمة، بالنسبة الى هيغل، هو ترقي الحياة المنتهية نحو الحياة اللامنتهية، وبواسطة الحياة تصبح المصالحة ممكنة.

اما الزهد، فقد سبق تاريخيا التصوف، يتفق مع واقع آخر، بمعنى أن الزهد “يعتبر قبل منظري التصوف كالخطوة الأولى، اول مكان أو محطة (مقام) على الطريق (الطريقة) التي توصل الى القانون (الشريعة) والى الحق (الحقيقة). لكن بما أن الشريعة هي معطى، مفروضة على الجماعة كلها، فإن الطريقة هي مختارة من قبل الذين يرغبون بالتقرب من الحقيقة التي لا يصلها الا عدد ضئيل من هؤلاء السائرين على الطريق”. إن الزهد هو المحطة الأولى على المستوى الفردي الذي يتناسب تاريخيا مع الفترة الأولى، الخاصة بالزهد، ويمكن تمثيلها بحسن البصري وزهّاد آخرين؛ إن اوائل الزاهدين الذين اطلق عليهم اسم “المتصوفون” عاشوا في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة؛ مثل أبو هاشم الكوفي، ومحاسبي، والمحطة الثالثة التي بالإمكان تسميتها المعرفة أو اتحاد الحبيب بالمحبوب، والتي نرى بوادرها الأولى عند البسطامي، ويمثّلها الجنيد والشبلي والحلاج. عرف التصوف مع الحلاج ومأساته نهاية مرحلة تاريخية وبدء مرحلة أخرى في تطور حركة الفكر. تتميز هذه المرحلة بنوع من الدمج التدريجي للمعرفة الفلسفية في التصوف. المعرفة الفلسفية البحتة، التي تشكل نظاما منتظما بكليته، كما حصل بالنسبة الى الفارابي وابن سينا، اللذين جاءا بعد هذه المرحلة من التحضير.

 

هذه المعرفة الفلسفية، هي التي تعي ذاتها كمعرفة مطلقة، كوحدة للذات وموضوع المعرفة، تشبه بنظام هيغل، خصوصا المنطق الذي هو ايضا ميتافيزيق هيغل، ولنفصل عن قرب الفكرة الاساسية لكل هذه الفئات الثلاث في تطور التصوف؛ ” المرحلة الاولى المتميزة بالزهد تتوافق مع ما يسميه المتصوفون علم المعاملة، أي أن الاخلاقية هي التي تسيطر على هذا الطور”. وحسب هيغل فإن دين المتصوفين في هذه المرحلة هو دين القانون الاخلاقي، المفروض من الخارج حتى هذا الحين. المرحلة الثانية بدأت برابعة العدوية، هي ترفع الى مستوى روحي أعلى من الزهد، خصوصا مع ادخال مفهوم الحب الالهي أو الصداقة الذي يضع فيه المتصوّف نفسه بالنسبة الى الله، الحالة الروحانية السائدة عندها هي ما يسميه المتصوفون “الانس والهيبة” أي الفرح بأن تكون بصحبة من تحب وتحترمه. هي حالة حب واكتفاء متبادلة بين المتصوّف وربه. وحسب هيغل “الذاتية، والحرية اللامتناهية لوعي الذات، ظهرتا في سقراط. ما علمه سقراط هو ايجاد العالمي المطلق في وعي كل واحد كماهية فورية، كلمة سقراط (اعرف نفسك بنفسك) ليست بنظر هيغل سوى نداء ليعرف الانسان في ذاته ما هو حق، يجب أن ينظر بداخله “. هذا السلوك الداخلي، هو بالتأكيد إله جديد، وليس الاله الذي عرفه الأثينيون حتى الان.

 

إن سقراط رجل كبير يريد أن يكون مذنبا، تحمل مسؤولية الصراع الكبير، وبهذا الشكل انكسرت الفردية عند المسيح، واستسلمت، لكن مشروعه ما زال قائما، بهذه الطريقة اعطاه الحياة. ومع الفارابي نجد دمجا للتصوف في الفلسفة، انها المعرفة الفلسفية، كمعرفة مطلقة، معرفة تذكر بالمعرفة المطلقة عند هيغل التي تظهر كنظام علمي وفيه الفكرة المطلقة تتعرف بذاتها كمجموعة حية ووعي للذات. في الوقت نفسه، هذه المعرفة المطلقة ليست سوى النظرية التي يتحدث عنها ارسطو كمصدر لا متناه للغبطة..

عقيدة التوحيد في التصوف الفلسفي 

عقيدة التوحيد تلعب دورا مهما في التصوف الفلسفي، خصوصا بفضل متصوفين مثل 

” الجنيد” وفلاسفة مثل الفارابي. وما يشد انتباهنا في هذا السياق موقف الفارابي تجاه الفلسفة الاغريقية، خصوصا عند افلاطون وارسطو. إن الفارابي كتب في كتاب “الجمع بين الحكيمين افلاطون الالهي وارسطو” موقف الفارابي نحو افلاطون وارسطو يشبه موقف هيغل، وكتاب الجمع ” هو محاولة توفيق بين الفيلسوفين بدءا من قناعة راسخة تلامس حتى الايمان الديني عند الفارابي في وحدة الفلسفة “، بالنسبة اليه، هذه الوحدة تكون جزءًا من وحدة العقل البشري ووحدة الحقيقة، ونجد ايضا في كتاب الفارابي براهين وتفسيرات تتقارب مع تفسيرات هيغل. في ما يتعلق بالافكار الافلاطونية، مثلا، يصر الفارابي على ضرورة فهم التعابير الفلسفية في موضوع الالهي والعالم الالهي على خلاف اللغة العادية اي بمعنى مباشر ومحسوس. عندما نتكلم عن الله، مثلا، يقول الفارابي: “نستعمل كلمات لكن من الواجب معرفة أن أي كلمة مستعملة لصفات الخالق لديها معنى مختلف عن المعنى الذي نتصوره لهذه الكلمة، كما عندما نقول “الله موجود أو الله حي”، فإن وجوده وحياته لا يشبهان وجود وحياة الكائنات الاخرى “.

 

يجب الا نفهم بالاشكال الالهية التي يتحدث عنها الحكماء مثل افلاطون وارسطو، يحدد الفارابي، اطياف ستوجد خارج هذا الكون. أو عندما يتكلم افلاطون في “الثيمة” عن النفس وعلم النفس، عن الذكاء وعلم الذكاء، أو عن الأعلى والأدنى، لا يتعلق الأمر، بشيء فضائي. لكن بمجال، بحقل تصوري، مثل ما نقول “عالم الجهل، وعالم العلم، وعالم الالغاز”. وفي ما يتعلق بالطريقة التي استعملها الفارابي في محاولته التقريب بين افلاطون وارسطو “نستطيع القول إن هذه الطريقة تقترب احيانا من الطريقة الجدلية التي طبقها هيغل. مع الفارابي اندمجت كليا الفلسفة الاغريقية، خصوصا بشكلها الافلاطوني الحديث، مع العقيدة الاسلامية في منظومة فلسفية مهيأة جيدا”. نرى هذا الدمج في نظرية بعث الكائنات بدءا من الكائن الأول الضروري بذاته (واجب الوجود بذاته) وفي نظرية المعرفة التي بواسطة العقل الفعال تؤمن للنفس المدركة الوصول الى الكمال والى سعادتها الأكثر تماما بقدر الامكان في الوضع البشري بعودة الوحدة مع العالم الالهي، عالم المعقولات حيث تسود وحدة العاقل والمعقول والعقل. بالعلاقة مع الفلسفة الاغريقية، يمثل التصوف الفلسفي الفارابي من جهة نوعا من ملخص حي لافلاطون وارسطو وافلوطين، تماما في التقليد الافلاطوني الحديث الذي هو، حسب رأي هيغل، بالإضافة الى ذلك افلاطونية جديدة أو فيتاغورية جديدة. من جهة اخرى، أنه نوع من خلاصة لفلسفة الاغريق والدين. الاسلام نمط من علم لاهوت الكائن الذي يتقارب مع لاهوت الكائن عند هيغل.

التصوف الفلسفي للفارابي 

مع الفارابي نستطيع التحدث عن النظام، عن المعرفة النظامية. في النظام الفارابي تعارض الدين مع الفلسفة يجد حلا فلسفيا: وحدة المعرفة، العقلية أو الحدسية، تجد اساسها في وحدة النفس البشرية التي تمتلك مؤهلات مختلفة، ولكن غير متناقضة، عقلية وخيالية ومحسوسة، كما في الأصل الفريد لكل معرفة الاولى العقل الفعال المنفصل. لقد أعرب الفارابي عن التمييز بين عالم الامر وعالم الخلق. كل ما يتعلق بعالم الامر هو غير مخلوق ودائم، انه “عالم العقول الصرفة ومنها عقل الانسان؛ بالعكس كل ما يختص بعالم المخلوقات هو مخلوق وفان، انه عالم الكائنات الممكنة والتي منها جسم الانسان “. 

الاخلاق: الخير والشر 

فكرة الخير والشر التي تجد تطورا عند هيغل في لحظة العبور من الاخلاق الفردية الى الاخلاق الاجتماعية، ترتبط بالوعي. تعالج اذا، كأنها تابعة بالأحرى الى الاخلاق الذاتية، وكونها حقيقتها. إن الشر هو ليس له وجود فعلي لا لهيغل ولا للفارابي. في النظامين، الشر هو اساسا امر نسبي. إنه فقدان شيء جوهري ما هو الخير عامة، لا ينفي هذا الطابع الضروري للشر. ويعتقد هيغل أن اصل الشر أو السلبي يكمن في خاصية المفهوم أو الفكرة بذاتها. تمتلك الفكرة اساسا هذه الخاصية بان تتميز وان تطرح نفسها سلبيا. 

 

عند الفارابي، الشر هو جزء مكمل لقضاء الله في العالم الواقعي. لا يستثني هذا القضاء مسوولية الانسان”. بالفعل الانسان فقط، ضمن كائنات الطبيعة باستطاعته أن يكون خيرا أو شرا. وهذه المسؤولية تنتج عن الوعي الذي ترفع الى معرفة الكوني، للخير في ذاته ولذاته. الخير هو عند هيغل الفكرة كوحدة مفهوم الارادة، والارادة الخاصة. لكن الارادة الخاصة بصفتها ذاتية صريحة هي دائما على وشك السقوط في الشر، أي الا تكون مطابقة لمفهومها الفعلي. مما يجعل أن أصل الشر كما أصل الخير يوجد في الارادة والارادة هي، بمفهومها، هي خيرة كما هي غير خيرة. يفرق هيغل ما بين “ارادة طبيعية ليست خيرة ولا سيئة من جهة، وارادة كحركة وكمعرفة للحرية من جهة ثانية. الاولى مقارنة بالثانية، تحتوي على تعيين ما هو ليس حرا، وبالنتيجة سيئا “. وعند ابن سينا، الشر هو منع، خصوصا النفس البشرية، من الوصول الى كمالها، الاول أو الأخير. لكن كمال احدى قدرات النفس، النفس الغاضبة، التي تقتضي التغلب عليها، يمكن أن تكون شرا لشخص آخر أو للنفس العاقلة، للشخص ذاته، غير أن كمال النفس العاقًل يقتضي السيطرة على النفس الغاضبة، وان لم تتوصل الى ذلك فهذا شر لها. وفي ما يتعلق بالاخلاق الاجتماعية وعلاقتها بالدين، والتدين، يؤكد هيغل أن “الديانة الحقيقية والتدين الحقيقي مصدرهما الاخلاق الاجتماعية، وهما هذه الاخلاق المفكرة، أي الواعية للحرية الكونية لماهيتها الواقعية. وباعتقاده خارج العقل الاجتماعي. نبحث عبثا عن حقيقة التدين”…..

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *