في اليوبيل الـ 175 لتأسيس الكنيسة الإنجيلية الوطنية…  أبعد من ذكرى وأكثر من عبرة

Views: 463

سليمان بختي 

احتفلت الكنيسة الإنجيلية الوطنية في بيروت باليوبيل الـ 175 لتأسيسها في قاعتها في بيروت.

وكانت صلاة إفتتاحية وكلمات من القس حبيب بدر والقسيسة ريما نصر الله وكلمة ختامية من القس جوزف قصاب. وتخلل ذلك رسائل وتحيات من ألمانيا والولايات المتحدة وفيلم وثائقي عن الكنيسة التي دمرتها الحرب وأعادتها أيادي الخير لتطل على بيروت وحيويتها.

ولكنها هذه المرة تطل على مدينة اشباح. حتى نكاد نسأل لماذا نحن هنا؟ وماذا فعل الخوف والذل فينا؟ وماذا فعلت الهجرة؟

ولكن الشهادة لا بد منها.

ثمة قصة حب جميلة بين البروتستانت ورأس بيروت وبيروت ولبنان والعالم العربي. فقد كانت أول كنيسة بروتستانتية ناطقة بالعربية في الشرق.

طائفة لم تعرف أن تنشر سوى العلم والمعرفة. في ذلك المبنى العتيق تمت ترجمة الكتاب المقدس إلى العربية في العام 1865 على أيدي عالي سميث وكرنيليوس فاندايك وبطرس البستاني وناصيف اليازجي والشيخ يوسف الأسير.

 

وهناك استقرت المطبعة الأميركية لسنوات. ومنها خرجت الجامعة الأميركية في بيروت وكلية بيروت للبنات التي أصبحت الجامعة اللبنانية الأميركية وجامعة هايكازيان وكوليج بروتستانت، إضافة إلى المدارس الإنجيلية ومدرسة الفنون في صيدا ومدارس شارلي سعد والقس ملحم شقير وقيصر جحا وكامل ديب (شقيق الشاعر وديع ديب).

 

أذكر المفكر منح الصلح يقول :” لم أطرق بابا لأتعلم وأكسب المعرفة في رأس بيروت إلا وكان خلفه البروتستانت. لذلك أنا بهذا المعنى ” مسلم بروتستانت”.

من هذه الطائفة وصل إلى رئاسة الجمهورية أيوب ثابت ( 1874-1947) ومعه التقشف والزهد والنزاهة وكتابة الشعر  (شاعر الودي). ومنها المعلم بطرس البستاني (1819-1883) أبو النهضة والعبقرية التي لم يعرف لبنان لها مثيلًا. ومنها وديع صبرا الذي لحن النشيد الوطني والنشيد العثماني وأسس الكونسرفتوار. ومنها المؤرخ ألبرت حوراني وفتوحاته في كتابة التاريخ. ومثله المؤرخ كمال الصليبي الذي تجرأ على الأساطير وربط التاريخ بالتجرد. وصاحب الكلمة التي تحفر في الأرض مثلما تحفر في السماء خليل رامز سركيس. وشيخ الأدب الشعبي سلام الراسي وحكاياته عن الناس وما قالوا وما فعلوا. والأستاذ أنيس جرجس المقدسي وغيرهم.

 

والمجال يضيق بالأسماء والرموز التي أعطتها طائفة لم تنافس أحدًا إلا على التربية والثقافة والمعرفة وبناء الإنسان. ولبثت تعيش في مناخها وفي قطرة محيطها ولم تتهافت على شيء. وحدها بين الكنائس أضافت إلى اسم الكنيسة الإنجيلية “الوطنية” ولا عجب اذا كان من بين مؤسسيها رواد ثقافة ووطنية. 

كان يحلو لكمال الصليبي أن يردد في مجلسه:”ما قيمة العرب لولا لبنان وما قيمة لبنان لولا بيروت وما قيمة بيروت لولا رأس بيروت وما قيمة رأس بيروت لولا الجامعة الأميركية وما قيمة الجامعة الأميركية لولا البروتستانت”.

 

 تحية الذكرى والتأسيس وتحية النظرة الواثقة إلى الحاضر والمستقبل (بلا إثم التاريخ وأوهامه).

وكلنا ننتظر صانع أمر جديد ينبت كالأمل. 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *