ظِلّي…
د. جان توما
أرقبُ ظلّي. أقرأ في تقاسيمه إيقاعات عمري. كيف حملني هذا الزمن كلّه ؟ كرغيف خبز يبحث عن فمّ جائع، أو كحلمٍ مهاجر إلى خيال طفولة.
ما أتعب كرج الأيام، عجلى بتفاصيلها، ملأى بقواريرها، تحاول الرفق بها، فتكسرك حينا، وتضمّد جراحك أحيانا. كأنّ العمر شدّ أوتار عودٍ، إذا تأثّرتَ تراقصَ النغم طروبًا، وإذا استَكَنْتَ تلوّى الإيقاعُ تَعَبًا وهَوانا.
لماذا لا يستريحُ ظلَي في ظلّه؟ لا يخاف شمسًا ولا انكشاف نور. يواجه العواصفَ ويرافقُ النسائمَ، كأنّه بساطُ ريحِ العمر، يطوفُ بي أيامي، يكشفُ هويّة أحلامي، يطلعُ من جراب أمنياتي، يتبع بوصلة ترحالي، وخارطة سفري، وتوغّلي في لجج زمنيّ المجهول الآتي.
ارتَحْ يا ظلّي، قليلا، في هذا الفيء. قد اعشوشبَ دفترُ زمانيّ، وبانت بعض أثماريّ، ما بين أملي ويأسي. يا شاهدا عاين كلّ تفاصيلي، وما باح بأسراري. كيف فهمتَ مطارحَ العمر كلّه؟ وأنا ما انتبهت إليك إلّا في انتظاراتي ومَللي. لم ألحظك في فرحي، ولا في سروري. نسيتك في ابتساماتي، وتذكَّرتُكَ في وحدتي وانعزالي.
قم يا ظلّي إلى حيث كُلّي، الصباحات والمسايا، كي يستقيم مجرى سرد الحكايا، وتُنْعِشَ كالعطر الخفي ما بقي من طفولة العمر الشقيّ.
***
الصورة للفنان جاك أرتو