نَظرَةٌ وَوَعْد 

 مُورِيس وَدِيع النَجَّار

 

وَعَدَتنِي عَينُها الوَلْهَى لِقاها،          فَإِذا الأَنجُمُ، زُهْرٌ في رُؤَاها

نَظرَةٌ عَجْلَى، وغَضَّت طَرْفَها،         تَستُرُ الشَّوقَ، جَلَتهُ مُقلتاها

أَطرَقَت، تُبْحِرُ في أَحلامِها،           ونَأَت، فَالأَرضُ لا تَحوِي سِواها

كَيفَ تُخفِي وَلَهَ الأَهدابِ مُذْ           أَزهَرَت بِالوَردِ، غَضًّا، وَجنتاها

وَوَجِيْبُ(1) القَلبِ، مَحْمُومًا، بَدا            يَطرُقُ الصَّدْرَ، ويُفْشِي ما عَراها

هِيَ دُنيا مِن مُنَى الحُلْمِ…. أَنا         عاشِقٌ أَسكَرَهُ طِيْبُ شَذاها

ضَوَّعَ النَّوْرُ(2) مَداها، وكَسا،              بِالوِشاحِ الأَبيَضِ، الغَضِّ، رُباها

خَلَقَتها لَفْتَةٌ خَجْلَى، فَوالَهَفِي      ــــــــ     هل يُخْفِتُ الدَّهْرُ سَناها؟!

بَلَغَتنِي دَعْوَةُ الشَّوقِ فَما                 وَسِعَ القَلبُ نَوالًا مِن دُعاها

وَعَرتنِي رِعْدَةٌ ما اسْطَعْتُ أَن      لا يَرَى الشَّرْبُ(3)، على وَجهِي، جَواها(4)

وتَدُورُ الكَأسُ فَالسُّمَّارُ في              نَشْوَةِ الخَمْرِ، وقد حُمَّ لَظاها

فَتَداعَى الصَّحْبُ لا يَدرُونَ ما           ضامَ مَن كانَ بِلَيلاهُم(5) فَتاها

هُم بِدُنيا لَستُ فِيها، أَنا، مَن            سَحَرَتهُ الأُعيُنُ النُّجْلُ، فَتاها

قُلتُ خَلُّونِي، أَنا في نَشوَةٍ،              ما لِخَمْرِ الأَرضِ أَنْ تُؤْتِي جَناها

وتَلاقَينا، وأَطيافُ المُنَى                حَولَنا، تَصدَحُ، طَيْرًا في سَماها

فَبَرانا الشَّوقُ في نَشوَتِهِ،                سَكِرَت مِنِّي، وأَعمانِي هَواها

تَرتَوِي أَشواقُها مِن وَلَهِي                وأَعُبُّ الحُبَّ مِن خَمْرِ صِباها

لَيتَ لِلأَيَّامِ أَن تَبْعُدَ عَن                 خَلْوَةِ الحُبِّ، ونَنْأَى عَن مَداها

فَنَظَلَّ، الدَّهْرَ، لا تَدرِي بِنا              دَوْرَةُ العُمرِ، ولا نَخشَى رَحاها

لَيتَها، الأَيَّامَ، تُصغِي لِلهَوَى،            وعَسَى تَسمَعُ نَجْوانا، عَساها!

***

(1): وَجِيبُ القَلب: خَفَقانُه

(2): النَّوْر: الزَّهْرُ، أَو الأَبيَضُ مِنه

(3): الشَّرْب: القَوْمُ المُتَحَلِّقُونَ لِلشَّراب

(4): الجَوَى: الهَوَى الباطِنُ وشِدَّةُ الوَجْد

(5): لَيْلَى الخَمْر: نَشوَتُها وبَدْءُ سُكْرِها