بالطَلْعَة عتّال…وبالنَزْلة زبّال!
د. مصطفى الحلوة
أوردتْ المتخصّصة بالإعلام السيّدة سوزان جابر، في صفحتها على الفايسبوك (31 تموز 2023)، نصًّا مخاتلًا، حمّالَ أوجُه، يُثير التباسًا، لدى القرّاء، وذلك لتصديره بعبارة “پوست ذكوري بحت”!
ففي حين تُقِرُّ للمرأة بفضيلة واحدة، تتمثّل بحمل الطفل في أحشائها، مدة تسعة أشهر، فهي تُعظّم من دور الرجل، كونه “يحمل” الأسرة، في عقله وقلبه، طول العمر. وبإزاء تضحياته ، تدعو إلى احترامه، وإلى أن يكون موضع رحمة، من قِبل الزوجة وسائر الأسرة، والتمسّك به، وعدم الضغط عليه، وتفهُّم همومه، فهو بشرٌ، نهاية المطاف! وتختم الكاتبة بتوجيه التحية إلى كلّ رجل، سواءٌ أكان أبًا أو أخًا أو زوجًا أو إبنًا.
إتمامًا للفائدة، وحتى يكون النص بين أيدي القرّاء، نورده كاملًا: “معظم النساء لا تعرف قيمته (أي الرَجُل) إلّا بعد فقدانه. إذا كانت الأم تحمل أطفالها 9 أشهر، في أحشائها، فالأب يحملهم (أي أسرته) في عقله وقلبه، العمر كلّه. فالعالم بأسره بخير ما دام الأب بخير. إحترموا كلّ رجُل أو أب في حياتكم، فأنتم لن تعلموا أبدًا كم التضحيات، التي يبذلها. إرحموه لأنّكم لن تُعوَّضوه إذا ذهب. تمسّكوا به، لا تتركوه إذا ضاقت عليه الدنيا، وضغطت عليه هموم الحياة، فهو بشر. تحية لكل رجل (الأب..الأخ.. الزوج..الإبن).لولا أنتَ ما كنتُ أنا”.
في رصدنا “التعليقات” على المقال، نتوقف عند عدد منها: ماذا أقول ..وأي قول يُقال، بعد الذي قيل (إعجاب منقطع النظير !)/هيدا حكي/بارك الله فيكي اختي، من أحلى البوستات التي نشرتيها (صاحب هذا التعليق محام يُتقن اللغة العربية!)/أكرمكي الله أستاذة/أعجز عن الكلام/هيدا مش پوست ذكوري، هيدا پوست مُنصف، يدلّ على أهمية الأدوار التشاركيّة بين الرجل والمرأة، لأجل أسرة متوازنة (أين التوازن؟)/قمة الإنصاف/كلام ذهب وجميل مثل صاحبة الپوست (مُعجَب بجمال الكاتبة، وهو مُحِقّ!)/خير شو صاير معك؟(لعلّ هذا التعليق هو الأقرب إلى ملامسة النص!)/كلام رائع بس بدّك مين يفهم عزيزتي (فعلًا إنّكَ الفهمان الوحيد!)/من أجمل ما نشرتِه/وأحد الفرنكوفونيّين يُعلّق: chapeau bas/ومن أنغلوفوني:thank you madam nice of you..والمضحك أنّ أحد المضطهدين يُعلّق:معك حق، يرحموني، يعتبروني بسين بالبيت..الخ.
أوردنا هذه التعليقات لسببين، أولهما لتبيين الإسفاف، لدى غالبية المعلّقين وغلبة المجاملة والممالأة. وثاني السببين عدم إدراك المعلّقين مرامي ناشرة التص، فكان لهم الظاهر من دون باطن الكلام! فالنص يحمل رسالة إلى القرّاء، تُقرا من عنوانه “پوست ذكوري بحت”!
في تفكيكنا النص، نتوقّف عند النقاط والخلاصات الآتية:
أوّلًا:تُسفر النزعة الذكورية عن وجهها، من بداية النص، حيث يُوجّه الاتهام إلى “معظم” النساء،كونهنّ لا يُدركنَ قيمة الرجل/الزوج/الأب! والسؤال:هل تمّ الخلوص إلى هذا “الحكم”، من خلال استفتاء عيّنة معبّرة من النساء؟
ثانيًا: تحجيم دور المرأة، فكان قصره على فضيلة وحيدة، تتمثّل في الحمل، الذي يستغرق تسعة أشهر، بحكم الطبيعة، ومن خلال التزاوج، وليس بفعل إرادي، من قِبل المرأة..”ونقطة على السطر!”
ثالثًا: بالمقابل ثمة استفاضة، في إبراز دور الرجل الذي- من دون أن يحبل- هو في “حمل” دائم، يحمل عبء العائلة، طوال عمره، بعقله (أي يصدر في ذلك عن فعل فكري إرادي)، وبقلبه(أي يصدر عن عاطفة)، جامعًا بين تجلّيات العقل والقلب! وهو يخدمها (لاحظ إستعمال فعل يخدم)، فلا يتورّع عن القيام بأي عمل في هذا السبيل. من هنا كان القول المتداول: “بالطلعة عتّال، وبالنزلة زبّال!”بمعنى أنّه في صعوده إلى المنزل يكون “حامل ومحمّل”، كما يُقال. ولدى نزوله منه يُحمَّل “زبالة”البيت ليضعها في مستوعب النفايات العام!
رابعًا: توردُ الكاتبة جُملة من خارج السياق: “فالعالَم بأسره (لا تستثني بشريًّا على كوكبنا) بخير، ما دام الأب بخير!”. والسؤال: ما العلاقة الجدليّة، التي رصدتها بين سلامة الأب وسلامة العالم؟ هل تُحيلنا الكاتبة إلى القول الشعبي المأثور:”غضب الرب من غضب الأب”؟ أو إلى قول الشاعر جرير، في مدحه قومه بني تميم: “إذا غضبتْ عليكَ بنو تميم/حسبتَ الناسَ كلّهمُ غضابا”، أو إلى قول الإمام عليّ (رضي الله عنه):”وتحسبُ أنّكَ جُرمٌ صغيرٌ/وفيكَ انطوى العالَم الأكبر؟!”
خامسًا: لهذه الاسباب، كانت “توصية”، ذات تشعّبات متعدّدة: إحترام كل رجل أو زوج أو أب في حياتنا، جرّاء تضحياته/ممارسة فعل الرحمة تُجاهه، فإذا فقدناه لن نُعوّض بديلًا منه/التمسّك به، إذا ضاقت الدنيا في عينيه، وحاصرته هموم الحياة، فهو بشر من لحم ودم.
وختامُها مِسك..هي تحية لكلّ ذَكَر، في مختلف توصيفاته والأدوار التي يؤدّيها. وزيادة على ذلك تلك المعادلة، التي تردّنا إلى رواية خلق المرأة من ضلع الرجل:”لولا أنتَ ما كنتُ أنا!”
..في مقلب آخر من المسألة، نتطارح مع الكاتبة ومع المعلّقين وسائر القرّاء، ذكورًا وإناثًا: هل دور الرجل/الأب/الزوج أكثر أهميةً من دور المرأة/الأم/الزوجة؟! أولَم يوصِ النبي محمد (ص) بالأم، مردّدًا ثلاث مرات: أمَّك، أمَّك، أمَّك، ثمّ أباك!”. هل يُستهان بحمل المرأة الولد في رحمها تسعة اشهر،وهي تُعاني من سكرات الحمل ومخاض الولادة، ولا تنتهي المسألة هنا. بل تتعدّى إلى العلاقة الوجودية بين الأم ووليدها، عبر سلك عجيب، فتستفيق من سُباتها، عند أي حركة تبدر منه، في حين يغطّ الأب في نوم هانىء وعميق! أولَم تتناهَ إلى علمنا تلك الآية القرآنية الكريمة:”ووصّينا الإنسان بوالديه، حملته أمُّه وهنًا على وهن، وفِصاله في عامين”(لقمان:14)؟!..وهنًا على وهن، أي مشقّة على مشقّة. وفي هذا المقام لا زالت ترنّ في مسامعي كلمات المرحومة أمّي: “الأولاد بدُّن خير، وبدُّن حيل، وبدُّن أم ما تنام طول الليل!”
وتبقى أسئلة، أجوبتها فيها، من مثل:ألم تنزل المرأة اليوم إلى معترك العمل، لتتحمّل عبئًا على عبء، وتُسهم مع الرجل في معركة الحياة؟ أوليس من رجال تخلّوا عن أسرتهم، فوقع عبء العائلة على المرأة/الأم، فكانت خير مدرسة، وخرّجت من بين أيديها أعظم الأبناء، والشواهد كثيرة؟ أوليس من نساء تخلّين عن أبنائهن، فقام الرجل بدور الأب والأم في آن؟!
المسألة لا يمكن مقاربتها، على إطلاقها، واللجوء إلى التعميم، على طريقة “كلّن يعني كلّن!”
ختامًا، لا يعنيني ما إذا كان هذا النص من وضع السيدة سوزان جابر، أو منقولًا عن أحدهم، أو إحداهن، فالأمر سيّان عندي..مع ترجيح أنّه لِذَكَر، إنسجامًا مع “الترويسة” entête ، التي وُضعت لتوصيف النص “پوست ذكوري بحت”.
النص، في قراءة مابين السطور، يشكّل إدانة لمن يبخسون المرأة/الزوجة/الأم حقّها ومكانتها، من خلفيّة ذكوريّة، ويعظّمون من دور الرجل! وآخر الكلام: متى تخرج مجتمعاتنا من نفق الذكوريّة؟!
***
* من بيادر الفسابكة/قراءة نقديّة في قضيّة.