جهل وغباء أو… بساطة وبراءة؟!

Views: 439

أنطوان يزبك

 

الجاهل عدوّ نفسه فكيف يكون صديق غيره ! حكمة منسوبة إلى بزرجمهر

 

الجهل والغباء والمحدوديّة في التصرف وسلوك النّاس في تواصلهم وتعاملهم مع بعضهم البعض. هذه  التصرّفات تحرق أعصاب الأشخاص المتفانين في خدمة الآخرين، أصحاب النوايا الحسنة والأهداف النبيلة ،هؤلاء  يعانون من لؤم وفداحة سخافة الأشخاص السطحيين اللّامبالين المادييّن الذين ينكرون فضائل أهل المكارم عليهم ، لا بل يسخرون ويقللون من أهميّة أعمال و عطاءات هؤلاء الشرفاء لهم وما يبذلونه تجاههم!

يعطي مونتسكيو في كتابه العظيم “روح الشرائع” مثالا عن هنود لويزيانا حين يهمّون بتناول الفاكهة من شجرة باسقة يعمدون إلى قطعها فتسقط أرضا، وحينها يلتقطون ثمارها ، ويضيف مونتسكيو: هذا هو الطغيان بحدّ ذاته!

هذا فعلا ما كانت عليه الشعوب البدائيّة منذ قرون ، ولكن الإنسان يتطوّر ويحسّن من سلوكياته.

  يقول كونفوشيوس في كتاب حكمي يضم عشرات العظات والشذرات الحكمية : “إذا أردت سماع أصوات العصافير فلا تشترِ أقفاصا بل اغرس اشجارا !” وهو بذلك يعلّم المعرفة إلى جانب الفائدة والمنفعة !

كم من سنوات ضوئية تفصل بين فكر الشعوب البدائية وتلك المتنوّرة التي تعرف كيف تصغي إلى انبيائها و فلاسفتها والصالحين المصلحين من أبناء قومها، بينما شعوب من الهمج والرعاع،  تصلب أبرارها ومفكّريها وتغتال عباقرتها وعقلائها وقديسيها .ولا تكتفي بالاغتيال الجسدي بل تعمد الى السخرية والابتزاز والتهكّم وتشويه السمعة وتقديس تفهاء وسخفاء موتورين،  وشذاذ ومن يعانون من عته وفقدان أهلية وتعرضهم على شاشات التلفزة ليلا نهارا، ومنهم رجال وسيدات سياسة وإعلام وممثلون وخاصة شعراء وشاعرات في قصائدهم دعوات إلى الجنوح والعنف والشذوذ والفسوق والانحلال الجنسي والأخلاقي…من مدة استمعت إلى شاعر زجلي على اليوتيوب يريد أن يسحل ويشنق ويفلق ويخنق خصمه، فتيقنت أننا في عصر البرابرة وليس في الزمن الحديث ! . لقد صعدت الممثلات سلّم الشهرة والجمال حتى صرن من صاحبات الملايين والشقق والمجوهرات وامسكن بناصية المجتمع!

أجل نحن في زمن غريب كمن يقف على حافة هوّة كبيرة تلك التي قال عنها فريدريك نيتشه، أنه في حال اكثرنا من التحديق بها ؛ سينتهي بنا المطاف بأن تحدّق بنا الهوّة، والمؤلم في الموضوع اننا نحن من حفر هذه الهوة بأيدينا، أجل إنها صنيعتنا ولازلنا ننكر ذلك!

يقول مار اوغسطينوس : غالبا ما نغلّف الجهل والغباء ، بصفات من مثل البساطة والبراءة .

هذا هو فعلا الوصف الدقيق لتصرّفاتنا ، نصمت عن الحقيقة ونواصل الامعان بالغباء والجهل ولا نحاسب أو نصحح ، بل نتصنّع البساطة والبراءة وهذا من أسوأ الكبائر وأعتى الجرائم ! ..

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *