سجلوا عندكم

الإعلامي أنيس غانم مستبقًا رحيله بمقالة وداعية: “لا دمع كافيًا لمسح ابتسامة مكتسبة  بذل الاضطرار”

Views: 69

يوم الاثنين (7/ 8/ 2023) نعى نقيب محرري الصحافة اللبنانية جوزف القصيفي الصحافي أنيس غانم، الذي توفّاه الله في أوستراليا بعد صراع طويل وعنيف مع المرض. وهو الذي أمضى ما يزيد على نصف القرن في المهنة محرّراً، مندوباً سياسيّاً وبرلمانيّاً في كبريات وكالات الانباء المحلية والصحف والمجلاّت مثل وكالات: “الانباء المصورّة، اخبار لبنان، الانباء الصحافية، والصحف الآتية: المحرّر، العمل، الانوار، السفير. وانتقل من ثمّ الى اوستراليا في أواخر ثمانينيات القرن المنصرم فعمل في صحيفتي “التلغراف”، و”النهار”، ومعلقاً في عدد من الاذاعات المحليّة الناطقة بالعربية من سيدني. وقد كرمته نقابة المحررين بمنحه درع النقابة خلال الزيارة التي قام بها النقيب الى أوستراليا في ايلول 2019 حيث التقى الصحافيين والاعلاميين اللبنانيين العاملين في تلك البلاد.

الدرع التقديرية 

 

وقال النقيب القصيفي في نعي غانم:

سنديانة اعلامية هوت بعدما اقتلعتها عواصف المرض التي تتالت عليها من دون هوادة، لكن بعيداً من أرض الوطن الذي تعشّقه حتى الرمق الاخير، حيث كانت ترتسم أمام ناظريه صورة لبنان الذي أحبّ، وجعله ايقونته في حلّه وترحاله، وحمل قضيته أمانة في العنق والقلم، ولم يستكن في الدفاع عنه ومناصرته في أحلك الاوقات وزمن الشدائد.

لقد تميزّ أنيس غانم بحرفيته ودقته في متابعة الاخبار وتغطيتها، وملاحقته أدنى التفاصيل، وحرصه على الاحاطة بالمعطيات والمعلومات التي تعينه على تقديم مادة اعلامية متكاملة تجذب القارئ العادي، والنخبة وحق المجتمع السياسي الذي كان يثق بما ينقل، لأنه كان أميناً في ايراد المواقف بحرفيتها دونما إجتهاد أو اجتزاء او تلاعب في النص. وكانت لافتة تغطيته لجلسات المجلس النيابي وخطب النواب ومداخلاتهم يوم كان الاتكال على القلم والذاكرة، قبل غزوة “الكاسيت”.

باختصار كان أنيس غانم صحافيّاً ميدانياً، لا يهوى الجلوس وراء المكاتب، والاعتماد على الهاتف. كان حاضراً في قلب الحدث، ونادراً ما أورد خبراً لم يكن شاهداً عليه.

كان طيب القلب بقدر ما كان حادّاً في مواقفه، والتعبير عن قناعاته. كلامه نعم نعم، ولا لا، ولا توسط. لم يأنس يوماً الى الرمادي، بل كان على الضفتين النقيضين: اسود او أبيض. وضوحه، حماسته المتقدّة التي كانت تقوده الى خطوط المواجهة، بل المشاغبة، لم تمح نزاهته، ونزعته الوطنية، وشغفه بالاوادم، ووفاءه لاصدقائه، وقبل أيّ شيء وكل شيء ولاءه للبنان، وهو الذي قال لي قبل وداعي له في سيدني العام 2019 بعدما قدمّت له درع نقابة محرري الصحافة اللبنانية: “إني اتعجّل الخطى لملاقاة وجه ربيّ، غير آسف على شيء، سوى أن جسدي سيلحد في أوستراليا. لكن ثق أن روحي ستتفلت من قيد الجسد لتعانق تراب لبنان وربوعه”.

رحمك الله يا صديقي قدر ما تستحق وأنك لمستحق ومستأهل. والعزاء لذويك ولكل قادريك وعارفيك.

الزميل الراحل أنيس غانم خلال تلقيه الدرع التكريمية من النقيب جوزيف القصيفي في استراليا

 

مصارحة من جنوب الأرض

يذكر أن الزميل غانم، بعد تسلّمه الدرع التكريميّة من النقيب القصّيفي، كان قد لخّص حياته بمقال نشره في موقع Aleph-Lam بتاريخ 22 تشرين الثاني 2019 تحت عنوان “مصارحة من جنوب الأرض” ختمه بجملة وداعية مؤثرة، قال فيها:  “يا أهلي والأصدقاء، إذا أغمض الفتى عينيه (أنا) ودخل مكانا لم يكن مكتوبا على اسمه، فكونوا واثقين بأنه يفعل ذلك مبتسما ابتسامة شكر لثقة بالذات لم تخذله. فقد قيل قديما (وهذا من اختراعي): لا دمع كافيا لمسح ابتسامة مكتسبة بذل الاضطرار”…

وهنا نص المقال:

ولجت حيث لم يجرؤ آخرون. لم يكن مسموحا، أو متوقعا، أن أدخل المكان الذي استقريت فيه.

كان المستقبل بعيدا، بعيدا جدا ومجهولا، ولم يكن مفترضا أن ادرك أن هناك مستقبلا، لكنني مددت يدا الى سحابة عابرة، وقرّبت موعد هذا المستقبل. ولم أخفق.

كان مفترضا أن أكون جثة تتنفس. جثة تتعايش مع الأحزان والانكسارات والخيبات، ومع تقبل أن يكون الحلم معلقا على مقصلة الواقع. (https://austinpartybus.com)

تعلّمت من خالٍ وعمٍ الكثير. تعلّمت من أخطائهما والمواهب. وكانا يملكان الكثير. طبعا لم أقل لهما إنني راقبتهما. لكنهما سيدركان ذلك لاحقا، وسيبتسمان، برضى الواثق أبدا.

عبرت حارات وأزقة، ولم أعر المستنقعات والبعوض والرطوبة اهتماما .

كنت محظوظا أنني امتلكت رئتين تنتميان لمرشح للأولمبياد، على الرغم من أنني كنت منبوذا الى حد ما من أقرب الناس إليّ.

الذين حاولوا نبذي، أحبوني لاحقا، أحبوني كثيرا، بعدما اكتشفوا عورة عنصريتهم والجهل، وحاولوا ارتكاب “معصية” القبول.

نجح الفتى (أنا) في امتحان الارتقاء عما كان مفترضا أن يكون. وصار لمعظمهم مثالا. وصاروا يتمنون الاقتراب منه.

لم يجترح الفتى (أنا) معجزة، لكنه حاول، واجتهد على ذاته.

وها هو الآن يتقاعد بابتسامة كهل تعرّف على درب توصل الى السلام مع الذات، والى معرفة الطريق الى قلب حفيد أشقر يشبه طفولة جده كثيرا.

الآن، يا أهلي والأصدقاء، إذا أغمض الفتى عينيه (أنا) ودخل مكانا لم يكن مكتوبا على اسمه، فكونوا واثقين بأنه يفعل ذلك مبتسما ابتسامة شكر لثقة بالذات لم تخذله.

فقد قيل قديما (هذا من اختراعي): لا دمع كافيا لمسح ابتسامة مكتسبة بذل الاضطرار ونشوة الفوز.

يدي الى قلبي تحييكم. 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *