وجيه فانوس… “نُسيمةُ السِحْرِ”
د. منى رسلان
كتبتُك في قصائدي
والعشقُ
يتوضّأ بماءِ الياسمين
وساقياتُ الشذى تقطُرُ زمزماً
والدمُ المُتطاير رُزماً بيضاء ، عسلية الغِوى
كالمسكِ .. كأطيافِ العبير
الذي فيكَ
وجيه فانوس
**
كتبتُك في وهّاجِ القِبلة
أنشودةً عنبريّة، ذات ربيع
والشمسُ تتثاءبُ بِرهبَةٍ،
حينما
تراكَ ،
تتأبّطُ الأفكار تلك المتألقات
وتدورُ تدور مثل الفراشات،
بهيات ، لمّاحات ، طرائفهنّ
غاويات.
والكلماتُ تستحضرُ الكلمات،
فما بالُ جون الغمام الأُرجواني ، يرنو ،
والعِناق تتدثّرهُ الأرضُ رداء،
و تحبو السواقي انخطافاً لذات أصيل …
رقراق
أزاهير انعتاق .
وتغدو
الومضاتُ تلو الومضات ؛ مساحاتُ فيضٍ للحُريَّةِ
إشعاعاً، وصورة اللمحة،
وصورة الومضة
أو هي محراب تجلٍ لـ “محبرة” الفؤاد.
*
هوذا يا الوجيه
بريق شذاك
يُسابق طيّاف الروابي
والنُسيمات تتنادى :
لم يفقد الورق عناق المنام
في المُقل
ولم تفقد السُحبُ رائحةَ حفيفِ المطر
في وجنتَيك .
أثيرُ وجدك في العُلا
يتمدَّدُ .. يتمدّدُ إلى اللا نهايات…
و رويداً و بعد حين ،
يعزفُ
يومُكَ مسار الأمنيات،
وحشى المنارات فوق شطآنِ القيثارة ، قُبلِ ..
ما الأنا
ما الأنت
ما النحن ❓❗️
ومعصمُكَ يفرِدُ للطيرِ أرجوحةً كي يستريح
هناك تُسابق رُضبُ الوريد ، أحلامي،
هناك
تناديك لميسةُ السُحب، ويحضُنك صبحيٌ مُجيب ،
و مجدُك المنثورُ في السحابِ عبقٌ رمزيٌ وعِطر عُود ،
و عَوْدٌ في البدء كان كلمةَ
عباراتٌ
تكحّلت من وهجك الرياحين،
وبريق السّنا يغزلُ من حياءِ الإيمان
ترنيمةً بـ هيئةِ ملاك.
**
لقد كنتَ في الأمس سعيداً ،
وفي بوحِ وجهك الشادن
تتراقصُ المُفردات ،
أنشودةً للمجد، والمُهج.
و تشدو من النشائج خطوط انبعاث،
لتغوص الحناجر بين لُجّتي التنهُّد و الندي
و تُبحِرُ أنت .. في الدُجى ؛
والوعدُ زهرُ الـ بيلسان
والأماني .
وبين سكينة الوتر و الدمع الخفّاق
تجيءُ ، دوماً تجيء
*
و أنتَ النابضُ ، بتضرّع الأنفس
تتغلغلُ
في وجد الضُحى تتغلغل ،
والعذارى الناسجاتُ إكليلاً من رؤيا ، من حًبٍّ عميق،
وضّاء كوني …
وأنتَ
فانوسنا الوجيه ، تجيء
حيثما تترامى
أقحوانة الريم بين أطيافكِ
ولطائفِ السجود …
بعدكَ
لا التوق فكرة ، ولا الترقّب انتصار، ولا انتظار ❗️❓
بعدكَ
ما الدُنى هي الأريج ،
ولا نحن اللحنُ ولا النحن .. تويج البنفسج.
***
غابت منابر السرو
ونضُب حُبُور دمي
وغابت منابر شوقي وحاوي وجوزف حرب
واستراحت منازل النرد،
وأنت لم تتعب.
*
لقد كنتَ في الأمس سعيداً ،
وفي بوحِ وجهك الشادن
تتمايل المُفردات ،
أنشودةَ براءة لمجدك .. .
*
لقد كنتَ في الهدأة تستكين ،
والنشوة خطوط انبعاث؛
لقد كنتَ في الأمس تشدو ،
و تغوصُ الحناجر في التنهُّد و الندي ؛
وأنتَ كنت اليوم تُبحر .. بين لُجّتي الدُجى والقدر ؛
فـ تتوه الأماني
بين فُكاكِ الصمتِ والسأم
لـ تنتفض أنتَ لؤلؤياً كالضياء.
*
يا مُهجتي
تأوّت المآذن ألاَّ (أن لا) تودّعك ،
وأجراس وادينا المُقدّس يتعبّد،
هي سكينة
الثرى يأبى أن يُمطِر،
والعصافيرُ التي تتباهى بخِمار الديجور ، تلحّفت سنابل الصبا ،
تطفو مراراً وتكراراً .. و مرّات تلو المرات لحظ المغيب ،
فوق هُدبة الجفونِ ،
صادحةً غداً يوم جديد
غداً يومُ عيد ؛
و اليومُ عيد
الوجيه
نحّاتٌ مزركشٌ ، قُرمزيُ التنوير،
أنت الوجيه .
*
غابت المنابرُ يا وجيه فانوس في غياهب السَّحَرِ ،
وأنتَ شعشعانيَّةٌ … لا تغيب.
*****
*أستاذة النقد الأدبي والمنهجية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية.
* ألقيت في الذكرى السنوية الأولى لرحيل د. وجيه فانوس.