رواية  “سيِّدة ستراسبورغ” جديد رانيا محيو الخليلي عن دار نلسن

Views: 901

 صدر ت عن دار نلسن في بيروت طبعة جديدة مزيدة ومنقّحة  (الطبعة الثالثة 2023) من  رواية  “سيِّدة ستراسبورغ” للأديبة والروائية  رانيا محيو الخليلي، أهدتها إلى “كل امرأة غفلت عن ذاتها لسنوات ثم عادت واستدركتها قبل فوات الأوان”… في ما يلي مقتطفات من الكتاب: 

 

 

 

-I-

نظرت إليه وقلبها يخفق حبًا تمامًا كما حصل يوم لقائهما الأوّل. إنّه بقربها مجددًا ممسكًا يدها بكلّ شغف. حين تراه تشعر بالطمأنينة، بالحب، بصخب الحياة وقد أحيا نبضات قلبها الخافتة. قال لها بصوت كله حنيّة: «إلى متى يا حبيبتي ستبقين أسيرة الفراش والمرض؟ أريدك أن تعودي لسابق عهدك تنبضين حيوية ونشاطًا، مفعمة بالحبّ. لماذا تركت والديك يرحلان حتى دون أن تردي على قلقهما؟».

حنان: «وبماذا تريدني أن أجيب؟ أن أقول لهما إني أسمع اختلاجات قلبيهما التي أسرها حزنهما على صحتي؟ وما الفائدة من ذلك؟ أنا لا أريد التحدث إلاّ معك وعنك، فأنت وحدك تفهمني وتشعر بي بصدق».

هادي: «لكنهما والداك!».

حنان: «وأنت حبيبي! أنت وحدك بمقدورك أن تسمعني!».

هادي: «لماذا أنت ناقمة عليهما؟ هما لم يمنعا حبّنا ولم يغتابا معاناتنا».

حنان: «هما لم يفعلا شيئًا، تركاني أتصارع مع أحزاني وهواجسي، ولم يفعلا شيئًا. كانا ينظران إليّ بشفقة وتحسّر وبعدها يسافران لقضاء رحلة نقاهة بدلاً عني… أليس كذلك؟».

هادي وهو يضحك: «في هذا الجانب معك حق، كلما تعرضت عائلتكم لأزمة كانا يوضبان حقائبهما ويرحلان. وكم رحلا خلال هذه السنوات!!».

حنان وهي تشارك حبيبها بالضحك:«أتساءل لماذا ومنذ دخولي إلى المستشفى لم يسافرا بعد، لقد مضى وقت طويل على مرضي، ربما لأنهما لم يجدا المكان المناسب، لقد لفوا وبرموا العالم ولم يعد هنالك من بلدان تثير فضولهم. لعل الجوّ هنا بالمستشفى ترفيهي أكثر من أي بلد آخر زاراه».

هادي: «بالله عليك يا حنان لا تبالغي إنهما قلقان عليك، والدتك كانت تنتحب منذ قليل».

صمتت حنان وأشاحت بنظرها عن هادي. نعم لقد كانت والدتها حزينة عليها، لكن الأمر ليس بيدها، فالمشكلة القلبية التي تعرضت لها كانت خارج كل التوقعات، لم تحسب لها حسابًا. كانت سيدة أعمال نشيطة، زوجة وأمًّا تقوم بكل مهماتها بإتقان. كانت صحتها دائمًا بخير، لم تشعر يومًا بتوعّك أو بأي دلالات تشير إلى نكسة صحية مرتقبة. الصدمة كانت كبيرة وقاسية على الجميع.

هادي: «أين رحلت حبيبتي؟».

حنان: «أما زلت تشعر برحيلي، بتلك الغيبوبة التي تعتريني من وقت لآخر؟ الغريب أنك كنت تدرك الأماكن التي يزورها تفكيري، وتفاجئني بذلك!».

هادي: «هذا لأنّ روحك متشبّثة بروحي، لأنك نبض قلبي المتدفق بطلاقة. خذي من شراييني شريانًا يعيدك إلى سابق عهدك، فأنا لا أريدك إلاّ سعيدة وحيوية».

حنان: «غريب أننا يومًا ما كنا في موقف مشابه لهذا الموقف ولكن بصورة معاكسة».

هادي: «حنان حبيبتي، أرجوك لا تعودي لتلك اللحظات الأليمة التي قد تتعبك أكثر. الحمد لله تخطينا الصعاب معًا والحياة تابعت دورتها الاعتيادية».

حنان: « معك حقّ طالما أنت إلى جانبي الآن عليّ أن أطرد كل الأحزان التي تعقّبتنا».

أمسك هادي كلتا يديها وراح يقبلهما بشغف حتى حلّ المساء فغفت حنان. تركها بهدوء كما دخل عليها بهدوء. هي غفت، وهو غادر وفي نيته العودة إليها حين تصحو.

في الحقيقة حنان اصطنعت النوم لتبعد هادي وتريحه، كانت بحاجة لتركن إلى نفسها قليلاً، لتتصالح مع اختلاجات قلبها المرهقة. نعم المرهقة من شدة الخفقان من الحب، من الألم ومن الأسى الذي تسبب به كل مَن حولها.

ولدت حنان في كنف أسرة ميسورة تعشق الرفاهية. فوالدها يعمل في العقارات، ووالدتها سيدة مجتمع سخّرت حياتها في خدمة الجمعيات الخيرية. حتى الآن الصورة لائقة جدًا ولا تشوبها شائبة. قصر كبير في الجبل بيت فخم في أرقى منطقة من مناطق العاصمة. أم وأب أسّسا لنفسيهما واجهة اجتماعية راقية التفّ حولها الكثير من الأحبة والمنافقين. وثلاثة أشقاء مشاغبين أسرهم لهو الحياة أكثر من جدّيتها. الصورة مبهجة حتى الآن ويتمناها كل إنسان يحلم برغيف خبز ويشتهي غرفة قليلة الأمتار يحتمي داخلها.

الصورة رائعة وشفافة لاسيّما حين يجتمع جميع أفرادها بترتيب متناغم لتلتقط لهم الكاميرا تذكارًا يعرضونه في الصالونات الفاخرة، لكن لو اقتربت العدسة أكثر نحو العينين لوجدت فراغًا عاطفيًا عكسه القلب على الوجوه.

كانت حنان تتمنى من قلبها لو كانوا فقراء في عزّ الصقيع ليتدفأوا بحنية بعضهم وينعموا بالإلفة العائلية المفقودة في أرجائهم. حاولت كتم تلك المشاعر لئلاّ تتهم بالجحود. فبظنها أنّ الفقر بقدر ما هو قاسٍ يقرّب بين الأشخاص. فلو كانوا فقراء، لكانت والدتها تفرّغت لاحتضانهم بدل تفرغها لأولاد المياتم والملاجىء. ولكان والدها عاد بعد عناء عمل مضنٍ لاحتضانهم اشتياقًا. أو على الأقل كان أشقاؤها أكثر تحمّلًا للمسؤولية بدل إفراطهم في تدليل أنفسهم باقتناء الملابس والسيارات الفخمة لإغواء الفتيات. وحده إسماعيل الشقيق الأصغر كان يتقرّب منها ويحتمي بحنانها. ربما لأنها اعتنت به حين كان صغيرًا لأنها كانت واعية وتبلغ من العمر أحد عشر عامًا وقت ولادته. إسماعيل كان مختلفًا لأنها علّمته القيمة الحقيقية للإنسان والتي تتمثل بما يقدّمه أو يفعله. فأضحى من المجتهدين بالدراسة والطامحين للنجاح. لكن للأسف كان فهمه وتركيزه بطيئَين ورغم كل المجهود الذي كان يبذله كان يرسب عن جدارة. إلى أن تخلى بدوره عن

الدراسة والتحق بخيبة أشقائه.

حنان الأولى بالترتيب العائلي قياسًا بالأولاد، وكانت بالترتيب الأول من حيث التفوق والاعتماد على النفس. كانت تعزي هذا الأمر لمربّيتها فاطمة التي تكفلت بالاهتمام بها منذ لحظة ولادتها. فاطمة كانت مثقفة إنسانيًا، وليس بالمعنى الحقيقي للكلمة، ذلك لأنها كانت بالكاد تفكّ الحرف. ولو تساءلنا كيف يمكن لإنسان أن يكون مثقفًا إنسانيًا؟ نجد إجابة فلسفية وجودية طويلة، تشرح أنّ الوعي البشري الذي سبق اكتشاف القدرة على التعلّم هو الذي يطغى في قياسه لقيمة الحياة. نكتشف أنّها تلك الفطرة التي يتمتع بها قليلون من البشر فتمكنهم من رؤية الأمور على حقيقتها وبالواقع الخالي من الشوائب والعثرات. لقد كانت فاطمة من هؤلاء. كانت تدرك النفوس بالفطرة وتتعامل معها على هذا الأساس. أما حنان التي اكتسبت تلك الموهبة من مربّيتها، فقد اعتبرت نفسها محظوظة بالحصول على فاطمة لتساعد في تنشئتها بدلاً من والدتها التي لم تشعر بالأمومة الحقيقية إلا لحظة الولادة لتنفض بعدها المسؤولية على كل مَن حولها.

أما والدها المشغول بالصفقات والأراضي والعقارات، وبسعر الحديد والتراب، وبتقلبات البورصة، قضى حياته يعود إلى المنزل للاغتسال، من بعده التأنق والتعطر ثم الإمساك بيد زوجته والخروج للسهر مع الأصدقاء. حنان لم تذكر ولا ليوم واحد أنهما قضيا سهرة عائلية أمام شاشة التلفزيون، أو حول موقد دافىء، أو حول مناقشة أمر هام يهم البلاد والعباد. وعلى الرغم من كل تلك الانتقادات التي كانت تلوم بها والديها، إلاّ أنها كانت معجبة بحب بعضهما البعض، وبتآلفهما وكأنهما عصفورا كناري يغردان بتناغم. كل ما حلمت بتقليدهما به هو تلك الحياة الزوجية المتكافئة المترابطة.

على سريرها في المستشفى اكتشفت حنان لأوّل مرة أنه على الرغم من كل الفراغ الذي كان يحيط بها في محيط أسرتها، إلا أنها كانت سعيدة بحياتها وبوجودها بكنف تلك الأسرة، لأنها كانت حرة بقراراتها، ومستقلة بتصرفاتها. فوالداها كانا يثقان بنضجها ورجاحة عقلها، وكانا فخوران بكل إنجازاتها، وكانا يقارنان تفوقها بفشل أشقائها. وكثيرًا ما كان والدها يردد: « ليتني خلفتكم جميعًا بنات.. انظروا إلى حنان! إنها الوحيدة التي رفعت رأسي وأشعرتني بالفخر!».

أمّا والدتها فكانت تتحدث عنها باعتزاز في الجلسات الصباحية والندوات النسائية. كانت محور أحاديث والديها.

هما لم يبخلا عليها بأي جهد أو مال أو نفوذ لتحقيق آمالها.

غريب! أول مرة ومن على سريرها بالمستشفى اكتشفت أنها كانت محظوظة بوالديها. لأنها كانت دائمًا ما تحصل على المساعدة والمساندة. لم يكن بالإمكان أخذ هذا الأمر إلا على أنه عاطفة واضحة من والديها أوهمت نفسها لسنين طويلة بأنها كانت محرومة منها. والداها أحبّاها لكنها لم تشأ أن ترى أو تعترف.

غريب هو هذا السرير وكأنّه كرسي اعتراف يمرّر حياتها أمامها وكأنها شريط سينمائي ولكن بسيناريو مختلف تمامًا عن كل ما رسمته لعقود بمخيلتها. لقد أرهقت نفسها لسنوات بهموم لم تكن موجودة أصلاً. اخترعت المعاناة لتحيا بها وكأنها مظلومة. أرادت أن تستدر الشفقة لنفسها وهي كانت تعيش أميرة في قصر الأحلام. قصر قد تحلم به كثيرات من بنات جيلها والأجيال القادمة والأجيال الفائتة.

هل هو السرير؟ أم هو المرض؟ أم هي تلك الأكذوبة الدرامية التي نحاول أن نعيشها لإعطاء حياتنا قيمة معنوية؟

وسط كلّ تلك التساؤلات، إذا بالطبيب يدخل عليها كعادته كل يوم في مثل هذا الوقت. كانت ترافقه الممرضة وبعض التلاميذ المتدربين. فحص نبضها وضغطها، ثم نظر لماكينة التخطيط، تخطيط القلب. ثم قال لها: «ما بالك يا حنان لا تتحسنين؟ ما زلت صبيّة وما زال بمقدورك المقاومة والنهوض… ما بالك يا حنان؟».

حنان: «ولماذا تريدني أيها الطبيب أن أتحسّن؟ أنا سعيدة بهذا السرير، إنه يبوح لي بأسرار السنين التي عشتها وأنا لم أكن أرى سوى ما أريد رؤيته. إنّه يجمعني بهادي حبي الأول والأخير. أنت تريد أن تبرز مهارتك بالشفاء، وأنا أريد إبراز مهارتي في الوفاء للسنين».

رمى الطبيب يدها جانبًا بأسى، ثم راح يشرح للأطباء التلاميذ عن الحالة. أرادت في البداية أن تفهم من شرحه علّها تستدرك وضعها، لكنها وبعد وقت قصير اكتشفت أنّ الموضوع ما عاد يهمها. إنها خاضعة لقدرها بكل جرأة وشجاعة وإيمان.

فجأة خطر على بالها وضع المصنع الذي تديره ووضع العمال والموظفين، فابتسمت باستهزاء لشعورها سابقًا حتى دون أن يتأكّد لها بأنّ الفوضى تعمّ كلّ شيء. زوجها مشتغلٌ بمرضها وما يستتبعه من إجراءات، أما المدير المسؤول والذي كانت تنوي طرده بانتظار الإثباتات على اختلاسه، لا بدّ وأنّه الآن يعيث فسادًا. ثم ضحكت مجددًا وهي تتمتم: «ما هم المال والمصالح عندما تضيع الصحة، فيضيع معها العمر بكامله، أما الحياة فتستمر رغم كلّ السيئات والإساءات، رغم كل الحسنات إن وجدت. ورغم تفشي الكذب وانعدام الصدق لا بدّ للحقيقة أن تفرض نفسها». وبحديثها مع نفسها عن الحياة، شعرت بوجعٍ بقلبها، كثيرون أوجعوا قلبها. وهي تتساءل عن سبب مرضها.

عادت إلى وقت مراهقتها، وتذكرت حين أحبّت في أوّل مرة، لقد كان ابن خالتها زياد. زياد كان يكبرها بزهاء السبع سنوات وكان قد أنهى دراسته الجامعية في فرنسا حيث تخصص بالهندسة في باريس، ليعود ويؤسس مكتبه الهندسي الخاص به، رافضًا فكرة العمل مع والده بالتجارة. ولعل استقلاليته هذه هي التي دفعت حنان للإعجاب به أكثر فأكثر. هو لم يحبها ولم يشعر بها أصلاً، وهي لم تحاول أن تلفت نظره إليها. ربما لأنها لم تكن تدرك الأساليب لذلك. كانت تنتظر منه أن يلمح نور وجهها فتلفحه المشاعر. لكنّ هذا لم يحصل. وعندما كان قلبها يصفّق باختلاجات موجعة كانت تشغل نفسها بأمور كثيرة لكي لا تفكر بالموضوع. تذكرت أنها يومًا من تلك الأيام العاطفية العاصفة، شغلت نفسها بغسل سيارات والدها الثلاث التي كانت متوقفة في مرأب منزلهم في الجبل. وهكذا مضت سنوات حبها لزياد بتكتم شديد دون أن تلفت نظر أحد للموضوع باستثناء فاطمة الوحيدة التي كانت تشعر بها وبنبضات قلبها. وهنا تذكرت أوّل وجع عاطفي مرّ بها. لقد قررت والدتها فجأة تزويج زياد ابن أختها.

 ما الذي دفع بها لهذه البادرة؟ لا أحد حتى اليوم يدري. وراحت تصرّ على تعريفه على جميع بنات أصدقائها، ناسية أو متناسية وحيدتها. وما كان يزعج حنان في الموضوع هو أنّه لو كانت والدتها قريبة منها، أما كانت سهّلت على نفسها التنقيب عن عروس لابن أختها؟ ثم كانت تتساءل: «أيمكن أن تكون أمي بعيدة عني لهذه الدرجة ولم تشعر حتى الآن بحبي لزياد؟». وفي أحد الأيام كانت تستمع لحديث والدتها مع فاطمة. كان في البداية حديثًا عاديًّا، ولكن مع التمادي في الأخذ والرد بدت فاطمة وكأنها تلمّح للوالدة وتقترح عليها حنان عروسًا لزياد. احمرت وجنتا حنان خجلاً حين سمعت اقتراح فاطمة، وراح قلبها يخفق بسرعة بانتظار ردّ والدتها. فإذا بهذه الأخيرة تردّ ردًّا قاسيًا كان بمثابة صفعة مؤلمة لحنان: «أوتظنينني مجنونة يا فاطمة لأقترح عليه هذا الطلب، شاب متعلّم، مثقف، ثري ووسيم ماذا سيعجبه بابنتي حنان وهي لم تدخل بعد إلى الجامعة، كما أنها لا تُشبهني بجمالها وأناقتها. انظري إليها فأنا لا أكاد أميزها عن

إخوانها لولا شعرها الطويل ونحول جسدها».

فاطمة: «ولكن يا ست أمل، حنان متفوقة والسنة القادمة إن شاء الله ستدخل الجامعة. كما أنها مع بعض النصائح منك بإمكانها أن تتعلم كيف تعتني بشكلها وبجمالها. المسألة بسيطة وليست معقّدة. وزياد لو لفّ الكرة الأرضية لن يجد أفضل من حنان زوجة وأمًا. إنها إنسانة مسؤولة بكل معنى الكلمة، انظري إليها كيف تعتني بإخوانها، انظري إليها كم هي محبة لك ولوالدها».

والدة حنان مقاطعة: «كفى، كفى يا فاطمة! وما أدراك أنت بهذه الأمور؟ وما شأنك أصلاً لتتدخلي بمثل هذه الأمور؟ إياك أن أعرف بأنك ذكرت أمرًا مماثلاً أمام حنان! اعرفي حينها أنّه سيكون آخر يوم لك في بيتنا! الزمي حدودك ولا تتدخلي بما لا يعنيك!».

سكتت فاطمة مكسورة الخاطر، كانت تحاول أن تضع الأم في صورة مشاعر ابنتها، لكن الأمر انقلب ضدّها. فصمتت وحسرتها كبيرة على حنان. أما حنان، فانسحبت بهدوء دون أن يشعر أحد بوجودها وسماعها الحديث الدائر بين والدتها ومربّيتها. وما إن وصلت إلى غرفتها حتى أحكمت إقفال الباب، ثمّ ارتمت على سريرها وكأنّ طعنة خنجر اخترقت صدرها. أرادت البكاء، لكنها لم تستطع، وكأن الدمع مصدوم من البكاء نفسه. أرادت الصراخ لكن حبالها الصوتية كان بعضها متشابكًا ببعض. كل ما كان يحصل معها هو استعادة ما سمعته مرارًا وتكرارًا، وهي غير مصدّقة أن يكون هذا الكلام صادرًا من أم وذلك الكلام صادرًا من مربّية.

تذكرت حنان تلك الواقعة هذه المرة برحابة صدر، فقد مضى زمن طويل عليها. ووحده الزمن كفيل بتحويل اللحظات الصعبة والقاسية لمجرد ذكرى نستهزئ بها، وغالبًا ما نضحك عليها. والمضحك في قصتها مع زياد أنّه تزوج من فتاة جزائرية كان قد تعرف عليها بالجامعة أثناء دراسته في فرنسا ولم يذعن لإلحاح والدته وخالته واختياراتهما الفضفاضة. تزوج من أحبّ، لقد كانت في نفس عمره، ولم تكمل تعليمها لعدم رغبتها في ذلك،

شغلها حبّ زياد عن الدراسة وعن العالم أجمع. كما أنها كانت من عائلة متواضعة تعيش في فرنسا، وليست على قدر كبير من الجمال واللياقة والمستوى الاجتماعي الراقي الذي كانت تتوخاه حماتها وأخواتها. لكنه وبكل بساطة أحبّها فتزوجها. الأمر الذي زاد إعجاب حنان به وتقبّلها فكرة زواجه من أخرى، ولاسيما أنّ هذه الأخرى خالفت توقعات وتمنيات والدتها وأبدت تقرّبًا من حنان بالذات دون باقي أفراد العائلة.

انقضى الليلُ، وانقضت معهُ ذكريات حنان في رحلة العودة إلى الماضي، المسافة ليست بعيدة كثيرًا لكن الرؤية أصبحت أقل ضبابية وأكثر شفافية.

ها هو هادي يعود مجددًا كما وعدها مساءً يُقبّل جبينها وهو يسألها: «أوليس هذا ابن خالتك زياد؟ لقد رأيته يخرج من عندك منذ قليل؟». فردّت عليه حنان: «نعم إنه هو، لقد أتى يزورني مع راوية زوجته، هل ما زلت تذكره؟».

هادي ممازحًا: «وكيف أنسى حبيب حبيبتي الأول؟».

حنان: «لا تجعلني أندم لأنني أخبرتك!».

هادي: «لا داعي للندم حبيبتي. لو قاموا بإحصاء لأكثر الأزواج صراحة وصداقة مع بعضهم، لا شكّ بأننا سنفوز باللقب عن جدارة».

حنان: «أعلم ذلك، فنحن قبل أن نتحول لأحبة كنا صديقين. أتعرف يا هادي، فكرة أنّه لا يمكن أن تتكون صداقة دون حب بين شاب وفتاة صحيحة مئة في المئة.

على الأقل لا بد للحب أن يحدث من طرف واحد».

هادي: «لكنني هنا أريد الاعتراف لك أنني تقربت منك وصادقتك لأنني أحببتك».

حنان: «أعلم ذلك لكنني في عقلي الباطن تغاضيت عن الفكرة لأنني كنت أشعر بالراحة لوجودك قربي. كنت تؤنسني. كما أنّه كان لدينا الكثير من النقاط المشتركة التي اتفقنا عليها».

هادي: «أحبك يا حنان! أحبك وأحبّ ذكاءك، أحبّ إحساسك بي، وأحبّ وجودك قربي!».

حنان: «كم أنا بحاجة لسماع كلماتك هذه! كم أنا بحاجة لسماعك وأنت تنطق بالحبّ وتملأ قلبي الفارغ به! أرجوك لا تتخلّ عني يا هادي! أرجوك لا تتركني وحدي أتصارع مع نفسي ومع الآخرين! لا تتركني أنتقم من ذكرياتي ولا تدعني أندم على ما عشته وما لم أعشهُ في حياتي!».

هادي: «ما رأيك لو نغيّر الموضوع؟ هاتي أخبريني عن قصتك مع مباراة الرسم التي فزت بها حين كنت بالمدرسة. كم أحبّ سماع هذه القصّة!».

حنان: «ما دمت تعرفها وتحبها أخبرني أنت بها. اليوم لا رغبة لي بالكلام، أودّ الإصغاء لنبرات صوتك!

أريد الاستماع والاستمتاع بحديثك.. أنا مصغية!».

أخذ هادي يروي مقاطع من ذكريات حنان الطفولية، وهي كانت تستمع إليه بالإنصات حينًا وبالرحيل نحو تلك الأيام الغافلة أحيانًا. نعم إنها أيام غافلة، لأنها لم تدرك جمالها وأهميتها إلا في هذه اللحظات القاسية التي تعيشها وهي معلقة بالأجهزة الطبية التي تتحكم بنبضات قلبها. يا ترى لو أنها أدركت أهمية وجمالية تلك اللحظات، هل كان بإمكانها الإمساك والتشبث بها؟ بالتأكيد لا، لذلك فلا داعي للندم عليها.

كانت حنان ترحل بأفكارها للبعيد. تارة تغمض عينيها وتارة أخرى تفتحهما. تارة ترحل بالأحلام بعيدًا وتارة تعود للواقع الحالي وهي مرمية على السرير. ولم تنتبه لحالها إلاّ حين سمعت صوت والدتها يحدّثها، فنظرت حولها لتجد هاديًا قد رحل. رحل مجددًا دون أن تشعر به. لقد طمأنتها والدتها بأنّ أولادها بخير، وبأنهم يسألون عن عودتها إليهم. وقبل أن تبادر حنان بالتساؤل عن كيفية الاعتناء بهم تكلمت والدتها من تلقاء نفسها وبكلّ إسهاب: «أتتصورين يا حنان أنني أختبر الأمومة مع أولادك أول مرة؟ أتصدقين أنني أعتني بلباسهم، وبطعامهم، وبدروسهم بنفسي؟ أتصدقين أنّ كل ما لم أفعله معكم أقوم به الآن مع أولادك؟ ولا أدري لماذا! لقد صالحتني يا حنان مع حناني الذي كنت أتغاضى عنه وأهمله. لأجلك يا حنان رممت نفسي التي كان يشوبها نقص في الحنان. أولادك أمانة في عنقي حتى تنهضي وتسترديها. ما بالك يا ابنتي هل أبكيتك؟!».

بالفعل تساقطت قطرات الدمع من عيون حنان دون أن تتمكن من النطق بكلمة، وهذا ما أثار هلع الوالدة فراحت تصرخ للأطباء والممرضين للكشف عن حالها بسرعة وهي تصرخ: «حنان تبكي! إنها تبكي؟! أرجوكم تعالوا لتروا ما بها!؟ هل هي بخير؟ يا الله! ارحمنا يا الله!».

فما كان من الأطباء إلاّ أن أخرجوها من غرفة ابنتها وهم يحاولون تهدئتها. أما الطبيب فاكتفى بمسح دموع حنان وطمأنتها بأنها بخير، مع أنّ نبضات قلبها قد تسارعت قليلاً بدافع التأثّر.

طمأنها الطبيب، إلاّ أنّ حنان كانت مطمئنة، اطمأنت أنّ أولادها بخير وهناك مَن يرعاهم بإخلاص، كانت تريد هي أن تقوم بهذه المهمة، لكنها ما زالت متسمرة في سريرها. والحدث الطارىء كان أنها أول مرة شعرت برغبة لمعانقة والدتها وشكرها على ما تقوم به لأجلها، لأنها لأول مرة تشعر بأن والدتها تقوم من أجلها
بعمل يستحق العناق والثناء والتقدير.

كانت ساعات حرجة من المشاعر ألمّت بحنان، ولاسيما أنّ أشقاءها قد زاروها، وإسماعيل الذي ما زالت تعتبره صغيرًا رغم أنه في منتصف عقده الثاني، قد أمسك بيدها وقبلها قبل أن يخرج. لقد انتظر رحيل شقيقيه وقام بهذه الخطوة بعيدًا عن عيونهما. والدها لم يتمكن اليوم من الحضور فقد كان عنده عمل طارىء، وبما أنّ وضع ابنته لم يعد طارئًا بل أمرًا واقعًا فحضوره لم يكن ليشكّل فرقًا.

ها هي فاطمة تلوح من بعيد، اقتربت منها وقبلتها على جبينها وهي تقول لها: «عافاك الله يا حبيبتي! منذ رحيلي من عندكم وأنا مشتاقة إليك يا ابنتي يا حبيبتي! كيف حالك اليوم؟».

حنان: «الحمد لله اليوم أنا بخير! من أخبرك؟».

فاطمة: «قلبي الملهوف عليك الذي لا يتوقف عن السؤال عنك. كيف حال زوجك؟ و هل أصبح عندك أولاد؟».

حنان: «نعم يا فاطمة، أنا الآن أم لثلاثة صبيان أتمنى من الله أن يحفظهم لي. أتصدقين يا فاطمة، أنّ والدتي تعتني بهم؟ لقد أخبرتني بذلك بنفسها اليوم. حتى أنّ أخواني كانوا عندي اليوم وأخبروني بمدى تفانيها في رعايتهم!».

فاطمة: «ألا تعلمين يا ابنتي ماذا يقول المثل؟ ما أعز من الولد إلاّ ولد الولد! وأنت أخبريني عنك، كيف زوجك عامر؟ هل أنت مرتاحة معه وسعيدة؟».

لدى ذكر سيرة زوجها أدارت حنان وجهها بتذمر، ولكي لا تُشعر فاطمة بالأمر أخبرتها بحماس: «أتعلمين يا فاطمة مَن يزورني باستمرار؟».

فاطمة: «مَن يا ابنتي؟».

حنان: «هادي! هادي يزورني كلّ يوم!».

فاطمة: «وزوجك يا ابنتي؟ ألا يزعجه الأمر؟».

حنان: «لا يا فاطمة، زوجي لا يعلم بزيارة هادي لي، فهادي حريص على القدوم حين يرحل الجميع. حتى أهلي لم يلتقوه ولا يعرفون بزيارته لي».

فاطمة: «ولكن يا ابنتي هذا الأمر لا يجوز، أنت الآن متزوجة، وهادي ولو كان زوجك فيجب أن يصبح من الماضي».

حنان: «لم أعد أكترث يا فاطمة! لم يعد يهمني! ولن أخرج من المستشفى إلاّ ويدي بيد هادي. ابتعادي عنه كان خطيئة حياتي. أنا لم أحب أحدًا سواه. أتفهمين يا فاطمة؟ المفروض أنك أكثر من يجب أن يفهم».

فاطمة: «وأولادك! هل ستتخلين عنهم؟!».

حنان: «بالتأكيد لا، فأنا لدي الإمكانات للاهتمام بهم ورعايتهم، كما أنّ هادي رجل صالح ولن يقسو عليهم. على الأقل هو أحنّ من والدهم نفسه عليهم».

لدى مقارنة حنان شخصية هادي بشخصية زوجها عامر وغضبها من لوم فاطمة، بدأ ينتابها وجع في قلبها، تناغم مع رنات الأجهزة المحيطة بها، مما استدعى دخول الأطباء بهلعٍ هذه المرة. وراح الطبيب يصرخ وهو ينعش قلبها: «إذا أنقذناها سوف أمنع عنها الزيارات! من الغد الزيارات عنها ممنوعة!».

أمّا حنان فراحت تصرخ معه: «إلاّ زيارة هادي! أرجوك إلاّ زيارة هادي!».

لقد كان قلبها ينبض بالهتاف لوجود هادي، إلى أن حضر. فقبّل يدها وطمأنها أنه لن يتركها ولو اجتمع كل من في الأرض على منعه من ذلك. فاستكانت وغفت. لتصحو في الصباح على هدوء تصارع مع عاصفة فغلبها واستقر. استقرّ ملكًا على عرش السكون. شعرت حنان بضوء النهار يتسلل لكيانها وتذكرت أنّها بالأمس غفت على طمأنات هادي بأنه لن يتخلى عنها ويتركها للمرة ثانية.

لكن ها هو زوجها عامر يدخل، نظر إليها وتأملها وهي نائمة، فوقف يتحدث مع الممرضة متسائلاً عما جرى لها بالأمس، فردت عليه: «لقد انفعلت كثيرًا لدى زيارة أقاربها لها، الأمر الذي أثّر سلبًا على نبضات قلبها التي راحت تتقطع. ولولا تدخل الطبيب في الوقت المناسب لإسعافها لكانت.. الحمد لله على سلامتها».

عامر: «وما وضعها الآن؟ هل بالإمكان الترجيح أنها استقرت؟».

الممرضة: «اطمئن.. إنها بخير الآن!».

ولدى خروج الممرضة، اقترب عامر من زوجته وراح يكلمها: «حنان حبيبتي؟ هل أنت صاحية؟ هل تسمعينني؟ لا أدري يا حبيبتي لماذا تتأثرين هكذا بما يحدث من حولك! لا أدري لماذا تعذبين نفسك بأمور تافهة! لو تعرفين يا حبيبتي كم أحبك! أنا بحاجة إليك والأولاد أيضًا. سامحيني يا حنان، سامحيني على كل ما فعلته بك. أعرف بأنني مذنب وبأنني آذيتك. لكن سلامتك الآن تهمني، كل ما أريده هو أن تعودي لسابق عهدك وسأعوضك عما فات. صدقيني يا حنان..».

انزوى عامر على المقعد الجلدي في الغرفة وهو يبكي، أما حنان فلم تتبرع بالرد عليه ولو حتى بتنهيدة، كل ما أرادته هو هادي. إنه يعتذر منها الآن ويطلب السماح والمغفرة، يعرض عليها التعويض وهل للأحزان من عوض؟ لقد آلمها وآذاها وها هي تتحرر منه بمرضها. ترى ما هو سر الحب وحقيقته؟ كيف يمكن لإنسان أن يحب أو يكره؟ هي تزوجته مع أنها لم تحبه، تزوجته لأنها كانت تحلم ببيت وعائلة وأولاد. هذا الأمر حصل لها مع الرجل الذي لم تحبه ولم يحصل لها مع مَن ملأ قلبها شغفًا. غريبة هي الدنيا كيف أنها تتحكم بالمصائر بغض النظر عن العواطف والمشاعر.

عامر وهادي رجلين دخلا حياتها ويأبيان الرحيل منها، كلاهما متشبث بها هادي بقلبها وجوارحها وكل ألوان العشق التي تتراشق في الداخل حين يتعلق الإنسان بإنسان آخر. أما عامر فهو أب أولادها، فلذات كبدها الذين لا يمكن لأحد انتزاعهم من روحها. إنها غارقة، عالقة، مغرمة، محزونة، مرتبكة، ضائعة ولا تعرف ماذا تريد.

الحمد لله أن هذا السرير، سرير المرض، كفّن حيرتها وأبقاها بالتساوي مع الفريقين، إنها ترطب مشاعرها برؤية هادي والتخاطب معه وبنفس الوقت ترضي غرورها بوجود عامر الذي يبوح لها بحبه لأول مرة منذ زواجهما. وبهذه الطريقة المندفعة.

أغمضت حنان عينيها وهي تتساءل: «ما قصتي؟ ما حقيقتي؟ ما مشكلتي؟ هل أنا لم أحب عامرًا لأنه لم يستطع أن يعوّضني عن حب هادي؟ أم لأنه أساء معاملتي؟». فضحكت قليلاً من نفسها ثم قالت: «بالتأكيد سيسيء معاملتي وهو يعلم بأنني لم أحبه وأن قلبي متعلق بسواه». ثم راحت تتذكر قصتها معه، منذ بدايتها:

بعد مرور سنة من افتراقها عن هادي كانت حنان مدعوة لعشاء عند صديقتها مريم لمناسبة عيد زواج هذه الأخيرة. لم تشأ الذهاب، لكنها خافت من أن يعتقد الجميع أن عدم ذهابها مقترن بنوع من غيرة خاصة وأنها أصبحت بلا زوج وبلا حبيب. عنفوانها أجبرها على الذهاب لإثبات وجودها شرط عدم المكوث طويلاً وبالتأكيد لن يلومها أحد على ذلك. لبست ثيابًا بسيطة، وتبرّجت بشكل خفيف يبرز جانبًا من أنوثتها ويخفي ملامح الحزن المتأتي من خسارتها. وهي على الطريق، راحت تلوم صديقتها لدعوتها وهي تعلم ما مر بحالها، «هل هي يا ترى تريد الشماتة بي؟ هل العالم أصبح قاسيًا لهذه الدرجة وعديم الإحساس؟» سألت حنان نفسها بحسرة. ثم ترقرقت بعض الدمعات في عينيها مما جعل رؤيتها للطريق ضبابية، فراحت تجفف بكاءها بأطراف أصابعها في محاولة دؤوبة لعدم زوال تبرجها من ناحية ومن ناحية أخرى للحؤول دون احمرار مقلتيها. وتابعت قيادة سيارتها بحذر وهي تبرر لصديقتها: «لو لم تدعُني لكنت شعرت بالإهانة، فهي كانت ستعتبر حضوري كأنه سيتسبب لها بالإحراج والحسد. لا يمكنني اعتبار الأمر شماتة وقلة إحساس منها بقدر ما يمكنني اعتباره محاولة للترفيه عني. كم الإنسان ظنون ولجوج، ويرغب في افتراس أخيه دون التماس الأعذار له!».

بهذه العبارات تابعت طريقها بسلام إلى أن وصلت لمنزل صديقتها.

دخلت حنان منزل صديقتها وكأنها تدخل عالمًا خرافيًّا اجتمع فيه إنس يشبهون الجن بتفاعلهم مع الحياة، بضحكاتهم الرنانة وفصول السعادة التي تتنقل مع أحاديثهم. شعرت بأنها غريبة ولا تنتمي لا للمكان ولا للأشخاص. انزوت داخل مقعد وثير وهي تراقب الغرائب الإنسانية حولها. لم تكن تشعر بشيء، لم تتحالف مع أي رأي حول أي شخص أو حول أي موضوع. حينها لمحها عامر من بعيد، هو أيضًا لم يكن منسجمًا لكن ليس لأسباب نفسية طارئة كالتي تمر بها حنان، ولكن لأنه يكره التجمعات الاجتماعية ولا يبرع فيها. هذا ما أخبرها به حين اقترب منها وراح يحدثها. تطرق معها لأكثر من موضوع، لكنها كانت لاتكاد ترد عليه، لم تكن بمزاج محادثة أحد لاسيّما رجل يحاول التقرب منها. كان جرحها عميقًا ونازفًا ولم تكن ترى في أيّ علاقة مقبلة سوى ألم لا ترغب بتكراره.

انتهى الحفل، لكن ملاحقة عامر لها لم تنته، رغم علمه بالأزمة العاطفية التي تمر بها ورغم اعترافها له من أنها لم تنس زوجها وما زالت متعلقة به. لكنه أصرّ وهي لم تصرّ.. على الرفض. ربما لأنها كانت بحاجة لمواساة رجل أكثر من حاجتها لمواساة أي شخص آخر تعرفه ويعرفها بعد فقدانها أمل عودة هادي.

تزوجت حنان للمرة الثانية من عامر بعد سنتين من افتراقها عن هادي. الجميع استغرب سرعة قبولها بعد ما أبدته من تأثر وتعلق بزوجها السابق. لكنها لم تكترث، ليس لأن كلام الناس لا يهمها، ولكن لأنه ما عاد من شيء يهمها في هذه الحياة. ولعل الميزة الأبرز من تجربتها الزواجية الثانية، هي التمكن من الإنجاب وتكوين عائلة وهو الحلم الوحيد الذي أبقاها مستمرة على قيد الحياة.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *