يَا لَلِّقَاء! 

Views: 202

مُورِيس وَدِيع النَجَّار

 

 

وسَأَلَتِ العَوْنَ لِإِخراجِ سَيَّارَتِها المُحاصَرَةِ فَكانَ… شِعْر!

 

قالَت، وبِالصَّوتِ الأَحَنِّ، وجَمالِ قافِيَةٍ تُغَنِّي

سَدُّوا الطَّرِيقَ عَلَيَّ. لا شُلَّتْ يَمِينُكَ، هل تُعِنِّي؟!

أَتَتِ الظَّهِيرَةُ، والزِّحامُ يُمِيتُ، والطُّرُقاتُ تُضنِي

وأَنا على عَجَلٍ، حَنانَكَ، لَو تَمُدَّ يَدًا. فَعِدْنِي

فَنَظَرتُ نَحوَ الصَّوتِ، يَدفَعُنِي الحَماسُ، بِغَيرِ مَنِّ

فَإِذا الجَمالُ يُطِلُّ مِنْ وَجْهٍ صَبِيحٍ، مُطْمَئِنِّ

كَالوَردِ بَلَّلَهُ النَّدَى، فَتَّانَ يَضحَكُ فَوقَ غُصْنِ

دُنيا رُؤًى مَخمُورَةَ الأَحلامِ بِالأَمَلِ المُغَنِّي

ما يَشتَهِيهِ الشَّوقُ إِنْ ثَمِلَ الخَيالُ مِنَ التَّمَنِّي

طافَ الرَّبِيعُ بِها، وجادَ بِما تَجاوَزَ كُلَّ ظَنِّ

خُضْرُ العُيُونِ، وجُلَّنارُ الأُفْقِ، في الدِّفْءِ الأَحَنِّ

والضَّوْعُ مِنْ مِسْكِ اللُّهاثِ كَما البَخُوْرُ بِكُلِّ رُكْنِ

وعلى شِفارِ الهُدْبِ يَبْرُقُ بِالتَّحَدِّي كُلُّ حُسْنِ

والخَصْرُ، في تِيْهٍ، وفي خُيَلاءَ أَسكَرَهُ التَّثَنِّي

حُمْرُ الشِّفاهِ فَدَيْتُها… بِالنَّارِ تَحْضُنُ حَبَّ مُزْنِ

تَدعُو، وبِالشَّهْدِ المُقَطَّرِ، يا رَهِيفَ القَلبِ خُذْنِي

في قُدْسِ هذا الحُسْنِ، يا رَبَّاهُ، قد أَدرَكتُ شَأْنِي

يا مَن مَلَأتَ قَوامَها سِحْرًا… فَيا خَمْرًا بِدَنِّ

ورَمَيتَنِي في يَمِّها المَسحُورِ حَيثُ أَضَعْتُ سُفْنِي

أَنا لَستُ أَشقَى إِنْ دَهانِي الحُسْنُ. خُذْ رُوحِي وَدَعْنِي

قالَت، تُرَى أَدرَكْتُ ما قالَت وقد أَحسَسْتُ أَنِّي

غَلَبَ الدُّوارُ بَصِيرَتِي، وعَرا لِحاظِي أَلْفُ وَسْنِ

فَإِذا أَنا المَخمُورُ، يَهوِي في فَراغٍ… أَو كَأَنِّي

يا لَلِّقاءِ مع الصِّبا. يا رِعْشَةَ العُمرِ المُسِنِّ

شَوقٌ يُغَلغِلُ في العِظامِ، فَفِي الجَوانِحِ عَزْمُ جِنِّ

والقَلبُ يَخْبِطُهُ الوَجِيْبُ، فَكُلُّ جارِحَةٍ تُمَنِّي

أَينَ انكِسارُ العَزْمِ، يا رَبَّاهُ؟! أَينَ ذُبُولُ جَفْنِي؟!

أَنا لَستُ مِنهُ، مَتَى دَعا الحُسنُ الظَّلُومُ، ولَيسَ مِنِّي

ما لِي، وقد خَضَبَ المَشِيبُ ذُؤَابَتِي، وأَمَرَّ لَحْنِي

أَعدُو إِلى نَزَقِ الصِّبا، فَيَمُوجُ بِالخَيباتِ حِضْنِي؟!

كان الهَوَى زادِي، ودِفْءَ قَصِيدَتِي، وعِمادَ فَنِّي

يَحكِي فَتَرقُصُ كُلُّ جارِحَةٍ على وَتَرٍ مُرِنِّ

فَإِذا الشِّفاهُ تَلُوكُ أَشعارِي، ويَروِي الدَّهرُ عَنِّي

واليَومَ صِرتُ سَجِينَ هَيكَلِ قامَةٍ تَعِبٍ، ومَحْنِي

أَفَهَل لِشَوقِ الرُّوحِ أَن يَصِلَ المُنَى ويَقُضَّ سِجْنِي؟!

آهٍ! ولَيتَ الآهَ تَشفِي، أَو تَبُلَّ أُوارَ حُزنِي

… وأَطَلتُ أَنظُرُ، والفَراغُ على مَدَى أُفْقِي وعَينِي

وبَدا على وَجهِي الذُّهُولُ، وصَمَّ وَقْعُ الحُسنِ أُذْنِي

وأَفَقتُ إِذ قالَت مُحَدِّثَتِي، وقد هَلِعَت لِوَهْنِي:

هَلَّا أُعِينُكَ؟! ما دَهاكَ؟! فَقُلتُ: حَسناءُ اطمَئِنِّي

هذا جَناهُ جَمالُكِ الطَّاغِي على شَيْبِي وسِنِّي

فَأَنا شَكُورٌ، ما حَيِيتُ، لِما أَتَيتِ مِنَ التَّجَنِّي!

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *