مداخلة لونا قصير في المؤتمر العالمي حول “تطور القصص والأشعار الأخلاقية في الأدب العربي” في جامعة مدراس-الهند

Views: 1591

شاركت الروائيّة لونا قصير (عبر زووم) في المؤتمر العالمي حول “تطور القصص والأشعار الأخلاقية في الأدب العربي” الذي عقده قسم البحوث والدراسات العربية العليا، الكلية الجديدة (التابعة لجامعة مدراس) شنائي، ولاية تامل نادو، الهند،، بتاريخ ٢٩ فبراير  ٢٠٢٤،  وألقت مداخلة في عنوان “مواضيع الأدب اللبناني الحديث”  في ما يلي نصها:

 

 

أسعد الله مساءكم..

بدايةً أشكُر القيّمين على المؤتمر لإتاحة الفرصة لإلقاء هذه المُداخلة..

تستندُ الأخلاقياتُ، عمومًا، على العقلِ والمنطقِ والحسِّ السليمِ في طرح أفضلِ الحُلول، والإضاءة على الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والطبي، والتمييز بين السُلوك الصائب والسُلوك الخاطئ..

في لبنان، ثمة انقسامٌ عموديٌ في نظرةِ الأُدباءِ إلى مفهوم الأخلاقيّات الأدبيّة، ومردُّ ذلك  إلى انقسام  الرؤية في المجال السياسي، خصوصًا، الذي يُفترض أن يصبَّ في مصلحةِ الوطن بعيدًا عن المصالح الشخصية والفئويّة.

أدى هذا الانشطار إلى خلق تنوّعٍ في مجالِ كتابة الرواية والشِّعر والأنواع الأدبيّة الأخرى، ورغم صغر مساحته، يزخر لبنان بنسبة كبيرة من الأدباء والشُّعراء والفنانين، يصوّرون في نتاجاتِهم الواقعَ الإنساني سواء من خلال توثيقِ الأحداث والوقائع أو من خلال تحليلِها اجتماعيًّا وسياسيًّا…

على مدى المراحل المفصليّة التي عاشها على مرّ تاريخه الحديث، شهد لبنان موجات هجرة ابتداء من آواخر القرن التاسع عشر امتدادًا حتى فترة الحرب العالمية الأولى (1865 – 1916)، من ثمّ خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975 -1990)، وصولًا إلى السنوات الأخيرة التي اتسمت بهِجرةِ الشباب، بسبب تداعيّاتِ الأزمةِ الاقتصاديّةِ التي تُعتبر الأسوأ في تاريخ لبنان المًعاصر.

رغم الحقبات الصعبة التي مرّ بها اللبنانيون، بقي الأدب منارتَهم وسلاحَهم في وجه الحملات الظلامية التي شُنّت عليهم، سواء بالحروب أو بالاستعمار… فرفعوا لواءَ النهضةِ الثقافيّةِ والفكريّةِ في لبنان وأينما حلّوا في بلدان الاغتراب في الشرق أو في الغرب، وكانوا روّادًا طليعيّين في تأسيس الصُحف، وفي إرساء حركة أدبيّة جعلت من الإبداع مساحةً خصبة للدعوة إلى الحريّةِ واحترامِ الكرامة الإنسانية، ونبراسًا في وجه الظُلم والاضطهاد… وكان لهم اليد الطولى في إنشاء حركة مسرحيّة تعدّت حدودَ لبنان إلى مصر وسوريا وحتى بلدان الانتشار. كتب جُلُّهم بالعربية والإنكليزية، نذكر على سبيل المثال لا الحصر: جبران خليل جبران، أمين الريحاني، مخائيل نعيمة، إيليا أبو ماضي، رشيد سليم الخوري، واللائحة تطول…

لا تتوقف حركةُ النهضةِ على الأُدباء الرجال، بل كان للمرأة اللبنانيّة حضورٌ فاعلٌ ورائد، وكانت أول من تجرّأ على الكتابةِ في الصُّحف في عصر كان يعتَبر مُهمّة المرأة في الزواج والأُمومة فقط لا غير، فكسرت هذه القاعدة وخرجت من السجن الذي وضعَها فيه المُجتمع، وجاهرت برأيها وأسست الصُحف والصالونات الأدبيّة وأصدرت الكتب، نذكر على سبيل المثال مي زياده، جوليا طعمة دمشقية، روز أنطون، سلمى صائغ…

 لا شكّ في أن الأحداث التي شهدها لبنان في السنوات الأخيرة أهمها تفجير مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020، ألهمت الكُتّاب والأدباء وبات نتاجهم في معظمه يدور في فلك تصوير الواقع اللبناني والتداعيّات التي تخلّفها الأحداث نفسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا، لا سيما معاناة الشعب اللبناني اليوميّة في تأمين سُبل عيشه. كلّ ذلك لا بد من أن يُكتب بأخلاقيّات أدبية، لأنه أصبح جزءًا من التاريخ.

رغم الجراح والآلام التي تصيب اللبناني بالعمق، إلا أن العادات والتقاليد  والطبيعة والقرية وكلّ الجمال الذي خص به الخالق هذا الوطن الصغير… بقيت حاضرة في قصائد الشعراء وفي الروايات، في رسالة واضحة إلى أن الأديب يجب أن يتحدّى الظروف مهما قست  ويبقى نورًا يشع أملًا ودعوة إلى حب الحياة، من خلال رؤية إنسانية  ووطنية سليمة.

اليوم، مع انتشار وسائل التواصل والفوضى التي تحدثها أحيانًا، وفي ظل طغيان الذكاء الاصطناعي وحلول الآلة أو التكنولوجيا محلّ الإنسان في كثير من القطاعات، وتغيّر المفاهيم والقناعات، باتت الحاجةُ ملحّةً إلى الاهتمام بموضوع الأخلقيات الأدبية  على الصعيدين الأكاديمي والمهني، لتجنب اللغط المُنتشر عبر وسائل الإعلام بشكل خاص .

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *