في تكريم جورج طرابلسي

Views: 525

 الدكتور جورج شبلي

جورج طرابلسي مُحترِفُ الكلمة، هو تظهيرُ الوجدانِ بالقلم، ليصيرَ الإبداعُ غايةً في صِفتِهِ، وهكذا، تربحُ، معه، دعوى الحضارة. لم يكنْ إعلاميّاً بالمفهومِ الوظيفيِّ للكلمة، بقَدرِ ما كان فنّاناً مثقَّفاً ينتخبُ ما يعبِّرُ عنه، وللصياغةِ، عندَه، كفاءتُها.

لقد علَّمَته الحياةُ أن يكون صاحبَ دُربةٍ في مِهنيّتِهِ، ودائمَ الإتّقاد، على نحوِ ما تفعلُ تباشيرُ الصّباح. ولأنّه لم يَمِلْ عن أبجديّاتِ الإجادة، كان مُحَسِّناً طيّاباً، للفنِّ بهِ سَكرَة، وللأحاسيسِ مسرحُ تصاوير، وللكتابةِ قدرةٌ على تأديةِ كلِّ طُبوعِها. 

الرقّةُ شلّالُ مجالسِهِ، والأناقةُ تحليةُ كلامِهِ، ورُقيُّ الحضورِ إذا لَحَظَهُ تَهَلَّل، وإذا كالَمَهُ تَدَلَّل. نبراتُهُ ذاتُ الظّلالِ المُبتسمة، تمتلكُ مفتاحاً سحريّاً في اللياقةِ اقترنَ اسمُهُ به.

شخصُهُ، حيثُ مخابئُ الدرّ، يستقلُّ مَتنَ الفخامةِ، والتألّقِ الرّشيق، ليخلقَ مناخاً يروقُ للكلامِ أن يتجوّلَ في طقوسِ حِبرِهِ، ليعتليَ سُدّةَ البدرِ بين الكواكب.

 

عندما خطرَ له أن يجمعَ ” علَّمَتني الحياة ” من أقلامِ المُبدِعين، أرادَ أن يُقيمَ للفكرِ الخلّاقِ مُتحَفاً للجَمالِ الزُّلال، وكأنّه طرحَ السؤال : أَلا يجدرُ أن يتعرّضَ لِأَقسى العقوباتِ مُرتَكِبو الحَشو، وأن ينتقلوا الى مأوى النّسيان، بعدَ أن أعلَنَ في ” علَّمَتني الحياة “، أنّ سِعرَ المواهبِ لم ينفقْ بعد ؟ 

في الصفحةِ الثقافية، سلكَ طرابلسي سبيلَ الرقيِّ الفنّي، باندفاعٍ مُضطَرِم، وأتاحَ لأَدبٍ غنيٍّ متشعِّب، قَطَنَتهُ شعائرُ الإخصابِ والإبداع، ولمعرفةٍ هي المدماكُ الأساسُ في ترقّي الشّعوب، وتثبيتٌ لقِيَمِ العقلِ والنفس، ولمشروعِ إنسانيّةِ الناسِ سياجاً يصونُهم من الزَّلَل. وكانت صفحتُهُ الثقافيّةُ استنفاراً لقدراتِ الأقلام، وللرّاسخين في الموهبة، وكأنّ مجلسَ مَي زيادة بَدَّلَ محلَّ إقامتِه.

إيمانُهُ بالثقافةِ فريضةٌ وتَحَدٍّ، واقتناعٌ بأنّ الجهلَ بها قبيح، والأَقبحَ منه الإصرارُ عليه، لذا، شَحَذَ حرصَهُ بهمّةٍ لم تَعقلِ الحيرةُ يدَيها، تائقاً الى نقلةٍ ثقافيّةٍ لا يعرفُ قيمتَها إلّا مَنْ أَلِفَ زقزقاتِ الطَّيرِ تُبشِّرُ بضَحَواتِ الرّبيع.

جورج طرابلسي، بقَدرِ ما تَحظى الحِليةُ بالحلاوة، والهُيامُ بأسلاكِ القلب، بقَدرِ ما تكونُ رقعةُ الشّمسِ في عيونِنا أَسطَع، عندما تكون أنتَ بينَنا. لذلك، قليلاً ما أُلخِّصُ لكَ قلبي بكلمة ” أحبُّكَ “.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *