سجلوا عندكم

محاولة التدمير الممنهج للأسرة اللبنانية

Views: 320

د. مصطفى الحلوة

 

 مدخل / الأسرة اللبنانية في خضمّ بلدٍ يُكابدُ لعنة أزماتٍ مُتلاحقة!

في ألف باء علم الاجتماع، لا يمكن أن نُقارب أية ظاهرة اجتماعية ما لم نضعها في إطارها العام الواسع ، مُتوقّفين عند مختلف العوامل، من موضوعية وذاتية ، التي تفعل فعلَها فيها ، وما ينجمُ عن ذلك من تداعيات شتّى وتجلّيات ، على صُعُدٍ كثيرة .

وإلى ذلك ، من أبجديّات علم النفس ، فإِنّ المهتم بسلوك الفرد ، عليه أن يفهم أنماط الجماعات ، بالإضافة إلى معرفتِهِ بديناميات دوائر أخرى ، من مثل دوائر الجغرافيا والتاريخ والاقتصاد والصحة والبيئة، وسواها من دوائر .

تأسيسًا على ما سبق ، وإذْ يطرح علينا عبر هذا المؤتمر ، سؤالُ الأسرة اللبنانية ، لجهة ما تتعرّض له من تدمير ممنهج ، لا بُدّ من أن نُحيط بمختلف عناصر المسألة ، في بلدٍ أدمن مُعاقرة أزماتٍ مُتلاحقة ، تتناسل من بعضها بعضًا!

 

فهذا “اللبنان”، حَبَتهُ الطبيعة نعمة الجمال، وكرّسته الجغرافيا جسر تواصل حضاري بين الشرق والغرب ، وجعله تنوّع مكوِّناتِهِ الروحية بلدًا نموذجيًّا للعيش المشترك ، مُشكِّلاً النقيض من الكيان الصهيوني، الذي يسعى جاهدًا إلى إعلان يهوديّة إسرائيل .

هذا البلد / الرسالة ، الذي توفّرت لديه إمكانيات النجاح، كدولة حديثة ، والارتقاء إلى مصاف الدول المتقدّمة ، لم يُقدَّر له ، مُنذُ أن حاز استقلاله في العام 1943 ، أن يُفيدَ من هذه الميزات التفاضليّة ، إلاّ في فترات محدودة من سيرورته.

فعلى مدى ثمانين عامًا ، وهو يشهدُ الكثير من الأزمات الخطيرة والأحداث الدامية ، أسهمت في تسعيرها لعنةُ الجغرافيا!

 

فمن أحداث العام 1958 ، إلى الحرب الأهلية اللبنانية ، التي دُعيت بحرب السنتين ، واستمرت بين عامي 1975 و 1990 ، إلى عددٍ من الاجتياحات الإسرائيلية ، وأخطرها اجتياح العام 1982 ، إلى الهيمنة الفلسطينية ، إلى الهيمنة السورية ، التي استمرت من بدايةِ الثمانينيات حتى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في العام 2005 ، وصولاً إلى حرب إسرائيل على لبنان في العام 2006 . ناهيك عن أزمات شتّى ، من اقتصادية ومالية ومعيشية وتربوية وبيئية وسواها .

في ظل هذا الواقع شديد التردّي ، المشرّع أبدًا على أزماتٍ دونها أزمات، كيف للبنانيين أن يعيشوا حالةً من الاستقرار ، وكيف للأسرة اللبنانية استطرادًا أن تهنأ عيشًا ، وتتمتّع بكل مرتكزات الأسرة الطبيعية ؟ !

ومما فاقم من أوضاع هذه الأسرة وزاد الطين بلّةً ما واكب حركة 17 تشرين 2019، وما تلاها من تدهور اقتصادي ومالي ومعيشي ، تمثّل في أكبر منهبة عرفها تاريخ البشرية المعاصر ، على أيدي منظومة الفساد والإفساد ، حيث تمّ السطو على المال العام ، ونهب مدّخرات العائلة اللبنانية ، ودفع الشرائح الشبابية ، لاسيما المتعلّمة ، إلى ترك لبنان ، بحثًا عن عيش كريم ، في أرجاء المعمورة ، وصولاً إلى انهيار الدولة وشلل مؤسساتها والمرافق الخدميّة ، وسقوط الحماية الصحية لغالبية اللبنانيين ..

في ظل هذه الصورة الممعنة في سوداويتها ، كيف لنا أن نتكلّم على أسرة لبنانية سوِيَّة وسليمة وصحيّة ؟ وهل الأسرة اللبنانية هي خارج هذه العوامل الموضوعية ، وتعيش في جزيرة معزولة ؟ وكيف لها أن تقف على رجليها، وقد افتقرت إلى كل عناصر التوازن ؟

هنا ، أيّها الأحبّاء ، تكمنُ العلة، هنا موضوع الداء، ولا قيامَ ، بل لا قيامة لأسرة لبنانية ، في ظل هذه الأوضاع المتردّية ، ومن هنا تكون البداية !

من هذه المطالعة التأسيسية لأطروحتنا ، نخلُصُ إلى معادلةٍ ، لا تُخطئ الحساب : بلدٌ مُعافى يعني أسرةً مُعافاة ، وبالمقابل  بلدٌ يعيش حالة تدمير وانتحار ذاتي ، يعني أسرة تعيش حالة تدمير وانتحارٍ مُرغمةً عليها!

 

في الأسباب المُفضية إلى تدمير الأسرة اللبنانية

تنصبُّ مقاربتنا على الأسرة النواتية (Famille nucléaire) ، التي تضمُّ الزوجين / الأبوين والأبناء ، الذين يعيشون تحت سقف واحد . علمًا أنّ الأسرة النواتية ، هي “نتاجُ التحوّل من العائلة الممتدّة ، التي هي نتاج البيئة الزراعية الريفية، إلى الأسرة النواتية ، وهي من نتاج البيئة الصناعية المدينيّة ، تتمثَّّلُ المرجعيّة فيها عند الفرد مباشرة ، وبخاصة إذا بلغ سنّ الرشد ” (د. عباس محمود مكّي، دينامية الأسرة في عصر العولمة ، صادر عن المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت ، طبعة أولى 2007 ، ص 130 ) .

وبحسب الباحث في علم النفس د. عباس مكّي ، فإن “الأسرة العربية – في عدادها الأسرة اللبنانية – تعيش حالةً من التراخي ، الذي يميلُ نحو التفكُّك الذي لم يستقر بعد على قرار نهائي ، وذلك يعود إلى أن المجتمع العربي كلّه يعيش هزّة اجتماعية ، اقتصادية ثقافية عميقة ، وتتنازعُهُ الهبّات المتجاذبة للأصالة والتجديد ” (أنظُر ، مكّي ، مرجع سابق ).

 

وإذْ نستعرضُ أبرز الأسباب والعوامل التي تُسهم في تدمير منهجي للأسرة اللبنانية النواتية ، فإننا نُدرجها تحت الآتي :

  • قصورُ الأبوين ، لأسباب شتّى ، في القيام بمسؤوليتهما ، اللتين نُدبا لها، بحكم الزواج وتأسيس أسرة ، ووجوب تنشئة الأبناء تنشئة صالحة، تقوم على أسس تربوية سليمة ، وبما يُفضي إلى أسرة محصّنة .
  • عدم تمتُّع الأبوين ، أو أحدهما ، بالأهلية الزوجية ، واستطرادًا الأهلية الوالديّة . وغالبًا ما يُعبَّر عن ذلك بالتعبير الشعبي ” منو خرج زواج ” ، بالنسبة للرجل ، و “منّا خرج تكون زوجة “، بما يخصّ المرأة . وكانت المرحومة والدتي تتمثّل دائمًا بهذا القوال : الولاد بدُهم حيل، وبدهُمْ خير، وبدهم أمّ ما تنام طول الليل ! ” ، وهو يختزل ثلاث قدرات : قدرة الجسد والعزيمة ، والقدرة المالية ، وقدرة الصبر على تربية الأبناء !
  • عدم تفرّغ الأهل إلى أبنائهم ، وهم في سنّ المراهقة ، وهي من أخطر المراحل العمرية وأكثرها احتياجًا إلى تدخّل الأهل لمساعدة أبنائهم في ما يُصادفهم من مُشكلات ومن موجات قلق وجودية ، وهم على أهبة الدخول إلى ميدان الحياة الحقيقي .
  • توسُّع الفجوة باطراد بين جيل الآباء وجيل الأبناء (الأجيال الطالعة)، وهو ما يُعبَّر عنه بصراع الأجيال . هذا الصراع يسير على إيقاع العصر ، الذي يشهدُ تطورات هائلة في عالم تكنولوجيا الاتصالات والثورة الرقمية ، وفي مجال الذكاء الاصطناعي المستجدّ، حيث غدا عالم الأبناء غير عالم الآباء ، ودُنياهم غير دُنيانا ، بمختلف مفاهيمها وقيمها . وهذا ما يُفضي إلى شبه قطيعة بين هذين الجبلين ، وتتعطّل قنوات الاتصال بينهما !
  • إنهمام الأهل ، وتحديدًا الأبوين ، في ظل الأزمة العامة الطاحنة ، بالهموم اليومية المعيشية ، وتلبية احتياجات الأسرة ومتطلّباتها ، مما يشغلهما عن الاهتمام بالأبناء .
  • جرّاء الواقع الأُسري المتشظّي ، الناجم عن الأزمات التي يتخبط بها لبنان ، في مختلف المجالات ، فإن الأبوين ، وإن ضمهما سريرٌ واحد، فهما يعيشان ، إذا جاز التعبير ، ” حالة طلاق سريري”، هي أشبه بالموت السريري . واستتباعًا ، فإن الأبناء يعيشون في عزلة ، لكل واحدٍ زاويتُهُ الخاصة في المنزل العائلي ، له اهتماماتُهُ التي لا يتشاركها مع أشقائه ، ولا مع والديه !
  • إنحسار دور منظومات القيم ، التي تعيّش عليها جيل الآباء ، ولم تعُد موضع التزام من قِبل الأبناء . ناهيك عن ضعف الوازع الديني ، لجهة القيم ، التي تتقاطعُ مع القيم الوضعية .

عن هذا التقاطع ، يذهب د. عباس مكي إلى القول : “أكّدت القيم السماوية على أهمية الأسرة في تربية الأجيال الناشئة . وقد استفادت النظريات النفسية من النظريات الدينية ، ورأت في قيم الأسرة انعكاسًا لقيم المجتمع من ناحية ، وفي قيم الفرد مع ذاته وفي علاقاته مع الآخرين، انعكاسًا لقيم الأسرة ، من ناحية أخرى ” (مرجع سابق ، ص 131 ) .

  • الممارسة الاستبدادية التي يمارسها بعض الوالدين ، بزعم أن التربية “القاسية ” ، تسهم في بلورة شخصية الأبناء ونجاحهم في مسيرتهم المستقبلية ، وما يترتب على ذلك من “إنتاج” شخصية مقموعة ، مُثقلة بعُقد نفسية ، يحملها معه الإبن ، طيلة مسيرته الحياتية .
  • عدم قيام المؤسسة التعليمية (المدرسة والمعهد والجامعة) بدورها ، لجهة التنشئة السليمة ، إذْ تصرف جُلَّ اهتماماتها ووقتها في إطار العملية التعليمية الصِرفة . هكذا يُجوّف الشعار الذي تبنّتهُ وزارة التربية و”المركز التربوي” ، من مضمونه : “وبالتربية نبني معًا ! ” .
  • ارتفاع معدّلات الطلاق ، لدى مختلف الطوائف اللبنانية ، وهو أبغضُ الحلال كما يُقال ، وما يُخلِّفُهُ ذلك من تداعيات سلبية على المؤسسة الزوجية ، وأوضاع الأسرة ، والمتضرّر الأكبر هم الأبناء ، الذين يدفعون ضريبة الخلاف بين الزوجين ” الآباء يأكلون الحِصرم ، والأبناء يضرسون !”

 

وفي جملة التداعيات تشتّت الأبناء ، سكنيًا ونفسيًا ، وخروجهم عن رقابة الأهل .

  • استكمالاً ، ثمة عامل استجدَّ مع النزوح السوري إلى لبنان ، تمثّل في إقدام أعداد كبيرة من المتزوجين اللبنانيين على الزواج من نازحات سوريات، يرضيْن بالقليل وبأي شروط للتخلُّص من واقعهن المزري، فيكون جمعٌ بين زوجتين ، أو تطليقٌ للزوجة الأولى ، أم الأولاد، المطعونة في كرامتها . وكم يتركُ ذلك من منعكسات مُدمِّرة على أفراد الأسرة ، زوجةً وأبناء !
  • قيام زيجات “غير مدروسة ” ، بل غير مبنيّة على أسس سليمة ، حيث يكون تفاوتٌ في المستوى الاجتماعي بين الزوجين ، أو تفاوت في مستوى التحصيل العلمي ، أو تفاوت في الذهنية ، أو تفاوت كبير بين عمر الزوجين .. إلخ مما يُفضي ، نهاية المطاف ، إلى قطيعة بين الزوجين مع استمرار الزواج بشكل صُوري ، وإما إلى الطلاق أو للهجر ، وليدفع الأبناء ، في جميع هذه الأحوال ، ضريبة باهظة لعدم استقرارهم الحياتي والنفسي .
  • انجراف الأبناء ، في ظل غياب رقابة الأبوين ، إلى تعاطي المواد المخدِّرة ، التي تُنهك الجسد ، وتُعطِّل العضوية الأسرية والاجتماعية التبادلية . وهذا ما هو حاصلٌ اليوم ، في عصر العولمة المتوحشة ، بواسطة مافيا التدمير والتجارة الرمادية للربح السريع .
  • استكمالاً للنقطة السابقة ، نتوقف عند فضيحة “التيكتوكرز” التي يضجّ بها لبنان راهنًا ، حيث أسفرت تحقيقات “مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية الالكترونية ” ، في قوى الأمن الداخلي ، عن قيام عصابة من المنحرفين استغلوا شهرتهم على “التيك توك” لانتهاك حقوق الأطفال ، إذْ تعمل على استدراجهم (يُقدّر عدد الأطفال القُصّر بـ 300) وممارسة الاعتداء الجنسي عليهم ، مع ابتزازهم بالتهديد بنشر أشرطة مسجّلة عن ضحاياهم !

هذه الفضيحة ، وقد تكون واحدة ، من فضائح لم يُكشف عنها النقاب، هي أكبر عامل تدمير للأسرة اللبنانية .

  • انخراط أبناء بعض الأسر من المراهقين ، في ثقافات ذات أبعاد عنفيّة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ثقافة ال (RAP) . وهي عبارة عن موسيقى بوتيرة حادة وعنيفة ، تستند إلى كلمات مُقطعة ، يترافق معها ما يضرب الحسّ والأذن ، ويستثير الكيان .

وعن تداعيات هذه الموسيقى ، فهي تُجسّدها حالات الرفض والثورة الوجودية ، في العلاقة بين الأسرة وأبنائها ومراهقيها المأزومين . هي موسيقى احتجاجيّة ورافضة ، تحوّلت إلى نمطٍ لحياة متوترة ، يمكن أن تُشكِّل أحيانًا مُناخًا جنائيًّا حادًّا ! (راجع د. مكّي ، مرجع سابق) .

  • الدور السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي، بما تحمله من تيارات وافدة ، لا تلتزم الحدّ الأدنى من منظومات القيم . بل هي بمنزلة بؤرة فساد وإفساد ، “لا تُحلّل ولا تُحرِّم ” ، كما يُقال . بعض هذه التيارات يُروّج لقضايا ، يعيشها بعض المجتمع الغربي ، من التشجيع على الشذوذ ، بمختلف أشكاله وأعراضه ، إلى الترويج للمثلية الجنسية ، وللعلاقات غير الشرعية ، التي تتنافى مع القيم الدينية والقيم الوضعية السامية . وهي لا تمت إلى مجتمعاتنا بصلة ، فمجتمعاتنا ما زالت محافظة على العديد من القيم التي تنتصر للحلال على الحرام، وللخير على الشر ، كما تنتصر لقيم الحق والخير والجمال .

… في ختام استعراضنا للأسباب والعوامل التي تُفضي إلى التدمير الممنهج للأسرة اللبنانية ، يجب التنبُّه إلى أن المشهديات السّلبية والخطيرة الناجمة عن تلك الأسباب والعوامل ، لا تشمل الأُسَر اللبنانية جميعها ، وبذا لا يجوز التعميم ، إذْ ما زال جزء كبير من الأُسَر ممسكًا بالزمام ، مُعاندًا الزمن الرديء ، ويقوم بكل ما يستطيعه لتجاوز هذه المرحلة الصعبة . هكذا ، فإن بذور الخير ما فتئت فاعلةً ، في مساحة كبيرة من أسرنا اللبنانية.

 

 ما العمل ؟ … لكبح محاولة التدمير الممنهج للأسرة اللبنانية/

مقترحات وتوصيات

إنْ هي إلا بعضٌ من تصوّرات ومقترحات ، مطروحةٌ للنقاش ، أبرزها:

  • من منطلق دور الأبوين ومسؤوليتهما في بناء الأسرة ، فإن المطلوب : ليس الأب العصابي الذي يضع بين أيدي الأبناء نموذجًا سلوكيًّا مرضيًّا ، ويتماهون به ويقلّدونه / وليس الأب المتسلِّط الأناني/ وليس الأب المجرم / وليس الأب الغائب ، التارك مكانه فارغًا ، مما يُفقد الأبناء توازنهم .
  • ومن جهة الأم ، فإن المطلوب : ليست الأم العصبية التي لا همَّ لها إلاّ غرائزها / وليست الأم المهملة التي يعيش أبناؤها في الأسرة ، كأنهم يتامى ، معنويًّا وماديًّا / وليست الأم الغائبة التي ترتكز اهتماماتها خارج الأسرة ، بدل أن تكون في مكانها الطبيعي (راجع ، د. مكّي، مرجع سابق ، ص : 136 – 137 ) .
  • الصورة النموذجية المطلوبة للأبوين ، اللذين يمكنهما القيام بدور الوقاية من السلوك المنحرف ، هي صورة الأب صاحب السلطة الفاعلة الحانية (من الحنوّ) ، غير الزاجرة ، وصورة الأم صاحبة العاطفة المنعشة ، وغير المخدِّرة .
  • اتخاذ الوالدين من نفسيهما قدوة حسنة للأبناء ، فكرًا وسلوكًا ، فيترسَّمُ هؤلاء الأبناء خطاهما ونهجهما . وعلى أن يجهد الأبوان في إقناع الأبناء بصوابية هذه القيم ، عبر حوار تفاعلي ونقاش عقلاني بنّاء ، ذلك أن القيم لا تُفرضُ فرضًا ، بل يجب تقبُّلُها من منطلق عقلاني ، فتترسّخ في الأذهان ، وتغدو جزءًا من السلوك اليومي .
  • في غياب دور الدولة ، ينبغي التعويل على دور المجتمع الأهلي والمدني، لاسيما المؤسسات والجمعيات العاملة في قضايا المرأة والطفولة، إذ ينبغي أن ترفع من وتيرة حراكها ، عبر برامج توعية، وورش عمل- على غرار ورشة عملنا هذه – وندوات حول أهمية دور الأسرة في صمود البلد وفي نهضة المجتمع .
  • تعزيز دور الأمن السيبراني ، في الكشف عن الجرائم التي تُهدّد المجتمع ، لاسيما الأسرة . وقد دلَّت فضيحة “التيكتوكرز” على أن الأجهزة المولجة بالأمن قادرة على أن تؤدّي دورًا أسياسيًا في هذا المجال .
  • مُطالبة وزارة التربية و”المركز التربوي للبحوث والإنماء” بإفراد مُقرّر دراسي إلزامي ، في المرحلة المتوسّطة ، حول حماية الأسرة ، تلتزمه كل المؤسسات التعليمية ، من منطلق أن الأسرة هي الحصن الحصين ، بل الأول والأخير ، لمناعة الوطن .
  • دعوة “المجلس النسائي اللبناني”، وسائر الجمعيات والأُطُر العاملة في الميدان الاجتماعي، إلى وضع “شُرعة حماية الأسرة اللبنانية”، يُشارك في صياغتها باحثون متخصّصون في علم الاجتماع وعلم النفس والتربية وعلم السياسة والفلسفة، وعلى أن يكونوا من المنهمّين بقضايا الوطن. هذه “الشرعة” العتيدة ينبغي تعميمُها على الملأ والتبشير بها، من خلال فعاليات وأنشطة توعويّة مختلفة.
  • في عودٍ على بدء، وإذْ أعرنا العامل السياسي/الاقتصادي أهمية قُصوى، نرى أنّ المدخل الأساسي إلى تحصين الأسرة ومعافاتها، يتمثّل في نضال المجتمع المدني الحقّ، عبر أساليب سلميّة ديمقراطية، في مواجهة منظومة الفساد والإفساد، عبورًا إلى قيام دولة المواطن، دولة القانون والمؤسسات والعدالة الاجتماعية.

من هنا نبدأ ونمضي قُدُمًا، وإلّا  فنحن نحرثُ في بحر!.ونختمُ، مُردّدين: “مارتا..مارتا، إنّكِ تهتمّين بأمور كثيرة، إنّما المطلوب واحد!”.

***

*قُدِّمت هذه المداخلة في المؤتمر، الذي نُظِّم من قِبَل “المجلس النسائي اللبناني”و “مؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية”، بعنوان: “حماية الأسرة اللبنانية”، وذلك في “مركز الصفدي الثقافي”، طرابلس (السبت 11 أيار 2024).

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *