طلال شتوي كما عرفته

Views: 168

 زياد كاج

   منذ أشهر وأنا أتابع حلقات “شي ما بينتسى” على تطبيق “اليوتيوب” للصحافي والإعلامي والكاتب طلال شتوي. أعجبتني الحلقات وتنوع موضوعاتها وعفوية طلال. يحكي ويسرد ويتنهد ويسترسل وأحيانا يستطرد مستعيداً لحظة لامعة من سلسلة حياته المهنية الطويلة من  دون تزلف أو إدعاء. نظراته حادة، وكلامه قاطع بلطف وكياسة. يقول رأيه ولا يبالي، وسواء اتفقت معه أم لم تتفق، لا بد أن تحترم الكثير من مزايا شخصية هذا الرجل الطرابلسي الهوا والمؤيد سياسياً و”ع راس السطح”  بيت آل كرامي العريق.

 جذبتني بقوة علاقاته الفنية مع النجوم، خاصة مع سلطان الطرب جورج وسوف (أطال الله بعمره)، وراغب علامة، وزياد الرحباني وكثر غيرهم. لم يترك طلال مجالاً في الصحافة إلا واشتغل فيه: الصحافة المكتوبة (مجلة الأفكار) مع الأستاذ وليد عوض، وفي مجلة “الحسناء” كأصغر رئيس تحرير في لبنان، وفي العمل الإذاعي معداً وكاتباً…وصولاً الى إنجازه الكبير “الليل المفتوح” في تلفزيون المستقبل. عانى طلال الكثير  وأبدع وتحمل..الى أن قرر بعد سنوات طويلة ترك المحطة من دون زعل. النجاح في هذا البلد يجلب الحسد ووجع الرأس. يصف نفسه في إحدى المقابلات “بالصحافي الخشبي”.

 

   لا تقرأ على وجه طلال سوى مرآة الصدق والصفاء والشفافية والمصالحة مع الحياة بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان. يؤمن بالمعجزات، ويجترح الأمل من شروده في البحر القريب من بيته. البحر الذي لم يكن يعني له شيئاً قبل مرحلة المرض والذي عاد وتصالح معه ليكتشف أنه من الحقائق الثابتة والبشر وحدهم العابرون. لن أحكي عن كتابه “زمن زياد” و”بعدك على بالي” وغيرها  من الكتب التي تحتوي على الكثير من الإضاءات على شخصيات وتجارب وأحداث خلال مشواره الطويل في الصحافة. 

   من ميزات “السوشيال ميديا” أنها تعيد لم الشمل ووصل ما انقطع. قد يسأل القارئ: لماذا طلال شتوى الآن، وما علاقتي به؟

   الجميل في الأمر أننا عدنا وتواصلنا على الـ “واتس آب” ودردشنا وفق وقت طلال وظروفه.

قلت له مرة: “الفرق بيني وبينك، أنك كنت تعرف تحديداً ماذا تريد، في حين كنت أنا ببساطة لا أعرف”.

   طلال شتوي وحش صحافي وإعلامي منذ التقيته لأول مرة في حديقة كلية الإعلام والتوثيق في منطقة الكولا. كان “غاطساً” في عالم الصحافة والتحرير. لم أكن على علم بذلك. أنا كنت غارقاً في عالم اليسار وتشي غيفارا. كان اللقاء دردشة ع السريع بحضور الزميلة الآعلامية وداد حجاج. لفتني استعجال طلال وكثرة مشاريعه. كانت وداد منسجمة معه في الحديث عن عالم الفن. لكن علقت في رأسي الضخم جملة تلفظ بها: “طلبت أيد صباح للزواج”.

 راحت الأيام وأجت الأيام، وصار طلال في عالم الأضواء والنجوم وأنا بقيت في عالم الوظيفة والروتين والغربة. غريب أمر الناس!! بعضهم يجد نفسه منذ البداية، والبعض الآخر لا يعثر عليها الا في بداية النهاية.  لذلك أسميت شهادتي الجامعية في الإعلام “بالكرتونة.” فشلت في الصحافة فشلاً ذريعاَ لأنني كنت تعيس علاقات عامة. رأس بيروتي عنيد.، كانت محطاتي  في “صوت لبنان العربي”، وفي “صوت الشعب” وأخيرا في مجلة “مونداي مورنينغ” لصاحبها نقيب المحررين ملحم كرم.

   منذ سنوات نشرت روايتي عن تجربتي مع كرم بعنوان “مونداي مورننيغ” وتذكرت خلال السياق السردي قصة طلال وصباح. “الله يعينك يا طلال”. هو أكيد نسي الخبرية وكذلك فعلت وداد. أما “التيوس صاحبكم” فلم أفعل. 

   إنما الإنسان ما نوى.

 لم يكن في الأمر نية سيئة. خاصة أنني لم أكن أعرف المكانة والمرتبة التي وصل اليها هذا الزميل “الصاروخي” الذي احتل المركز الأول في إمتحانات كلية الإعلام في السنة الأولى بفرعيها الأول والثاني.  واقتحم عالم “استديو الفن” من دون أن يخبر أهله. كان شاباً في غاية الطموح ورغم تفوقه في العلوم قرر خوض  عالم الصحافة. سر نجاح طلال هو إصراره وعناده وممارسته للمهنة قبل الحصول على الشهادة-الكرتونة. وهنا بيت القصيد. كثر مثلي نالوا الشهادة وفشلوا في المهنة، وكثر حولوا المهنة الى مصلحة تمسيح جوخ ووصلوا الى مراتب عالية.

 

عذراً صديقي وأخي  طلال.  

 ذاكرتي لعينة. إسمح لي أن   أستحضر هنا شخصية الإستاذ علي جابر، الذي عرفته منذ كان صحافيا مبتدئاً في مبنى جريدة “النهار” في الحمرا، وأن أستحضر كل ما سمعته عن عوالم وأسرار تلفزيون “المستقبل” في تلك الفترة الذهبية من أحد الأصدقاء الذين طفشوا مثلك. وأنا بانتظار سماع المزيد في حلقات “شي ما بينتسى”.

تابعوا هذا البرنامج واستمتعوا بموسيقاه الرائعة لأغنية “أهو دا اللي كان ” لسيّد درويش وأعاد توزيع لحنها العبقري زياد الرحباني.

 حلقات “شي ما بينتسى”…”ما بتنتسى”.  

تمنياتي للعزيز طلال شتوي بالمزيد من العطاء والصحة والعافية.. ومبروك المصالحة مع البحر—صديقنا المشترك. 

معلومتي عن الشحرورة ليست إشاعة. رواية “مونداي مورننينغ” عن العالم الخفي لمهنة الصحافة وأسباب إنهيارها تستحق منك القراءة.

محبتي وتقديري.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *