قُلْ لا…لا أُرِيدُ
ديانا جورج حنّون
لَمْ يَتَمَكَّنْ “وَلِيدٌ” مِنْ حَلِّ مَسْأَلَةٍ حِسَابِيَّةٍ، فَأَخَذَ كِتَابَهُ، وَجَاءَ إِلى وَالِدِهِ فِي غُرْفَةِ الْمَعِيشَةِ، فَوَجَدَهُ يُتابِعُ بِاهْتِمَامٍ كَامِلٍ خَبَراً فِي نَشْرَةِ الْأَخْبَارِ التِّلفِزْيُونِيَّةِ…
– أَبِي، أُرِيدُكَ أَنْ تُسَاعِدَنِي فِي حَلِّ مَسْأَلَةٍ حِسَابِيَّةٍ…
– إِنْتَظِرْ لَحْظَةً يَا ابْنِي، رَدَّ عَليهِ، وَعَيْنَاهُ شَاخِصَتانِ على التِّلْفَازِ، وَدَعَاهُ بِحَرَكَةٍ مِنْ يَدِهِ إلى الْجُلُوسِ بِالْقُرْبِ مِنْهُ.
قَعَدَ “وَلِيدٌ” صَامِتاً، كِتَابُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، يَنْظُرُ إِلى التِّلْفَازِ، على أَمَلِ أَنْ يَفْهَمَ شَيْئاً ما. وَأَخيراً انْتَهَى الْخَبَرُ .
– لَمْ أَفْهَمْ… مَاذا حَدَثَ لِهَؤلاءِ الْقَاصِرِينَ، يَا أَبي؟
– مؤْسِفٌ ما حَدَثَ لَهُمْ. لَقَدِ ارْتُكِبَتْ في حَقِّهِمْ جَرِيمَةٌ شَنيعَةٌ يُعَاقبُ عَليْها الْقَانُونُ.
عَبْرَ مَوَاقِعَ إِلِكْترونِيَّةٍ، قَامَ أَشْخَاصٌ مُنْحَرِفونَ بِاسْتِدْرَاجِهِمْ إِلى أَماكِنَ مُعَيَّنَةٍ، وَاغْتِصَابٍهمْ بِوَحْشيَّةٍ، وَتَصْويرِهِمْ بِالْفيدِيو وَتَهْدِيدِهِمْ.
– أَلَمْ يَكُنْ هَؤُلاءِ الْقَاصِرونَ قَادِرِينَ على الْهُرُوبِ مِنْهُمْ؟
– لا لِلْأَسَفِ، تَمَّ إِعْطَاؤهُمْ مُخَدِّراتٍ في قِطَعِ الشّوكُولا، ما أدّى إلى شَلِّ حَرَكَتِهِمْ، وَالاعْتِداءِ عَليهِمْ.
– أَبِي، هَلِ “الإِنترْنتْ” بِهَذا السّوءِ؟
– “الإِنترْنتْ” لَيْسَ سَيِّئاً، إِنَّما الْمَوجودونَ في بَعْضِ الْمَوَاقِعِ الْإِبَاحِيّةِ، وَالْأَلْعَابِ الِالْكَتْرُونِيّةِRollboxes هُمُ السّيِّئُونَ وَالشّاذُّونَ، وَيَسْعَوْنَ إِلى تَدْميرِ الْإِنْسَانِ مَعْنَوِيّاً وَإِفْسادِهِ. نَحْنُ في عَصْرٍ لا يُسْتَغْنَى فِيهِ عَنِ “الْإِنْترْنتْ”، وَهيَ مَرْجعُكَ كَطالِبٍ في أَبْحَاثِكَ الْمَدْرَسِيّةِ، وَلا أُمَانِعُ مِنْ تَصَفّحِهِ وَالْحُصُولِ على الْمَعْلُومَاتِ مِنْهُ، بِاسْتِخْدامِ الْخَلَوِيِّ أَو الْآيْبَادِ، لَكِنْ لا تَدْخُلْ إِلى مَوَاقِعَ تُشَوِّشُ تَفْكيرَكَ وتُبْعِدُكَ عنْ دِراسَتِكَ.
– لَنْ أَفْعَلَ، ثِقْ بي.
– أُصَدّقُكَ. هُنَاكَ أَمْرٌ في غايَةِ الْأَهَمِّيَّةِ، لا تَتَحَدّثْ مَعِ الْغُرَباءِ على “النِّتّ”، وَتُرْسِلْ إِليهمْ صُوَراً لَكَ.
– هَلْ عَليّ أَنْ أَخَافَ، يا أُبي؟
– يَجِبُ أَنْ تَأْخُذَ حَذرَكَ مِنْ أَشْخَاصٍ قَدْ يَسْعَوْنَ إِلى أَذِيَّتِكَ، عَنْ سَابِقِ تَصَوّرٍ وَتَصْمِيمٍ، مِنْ أَجْلِ مَصْلَحَتِهِمْ وَنَزَوَاتِهِمْ الشّخْصِيّةِ. ما جَرَى مَع هَؤُلاءِ الْقَاصِرِينَ، عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ دَرْساً لِكُلِّ صَبيٍّ وَبِنْتٍ، وَلِكُلِّ أُمٍّ وَأَبٍ مَهْما انْشَغَلا بِالمَشَاكِلِ الْحَيَاتيّةِ، أَنْ لا يَسْتَقيلا مِنْ دَوْرِهِما الْفَعّالِ في حَيَاةِ أَبْنَائهِم وَتَوْجِيهِهِم دَائماً.
إخْتَرْ أَصْدِقَاءَكَ بِعِنَايَةٍ، وَتَعَامَلْ مَعَهُمْ بِاحْتِرامٍ، وَافْرِضْ عَليْهِمْ احْتِرَامَكَ. لا تُرَافِقْهُمْ إِلى أَمَاكِنَ مَشْبُوهةِ السّمْعَةِ، لا تُشَارِكْهمْ في شُرْبِ الْمَشْرُوباتِ الْكُحُولِيّةِ، لا تَأْخُذْ حَلْوَى أَو سَكَاكِرَ مِنْ أَحَدٍ. قُلْ لا…لا أُرِيدُ، لأَيّ شَيْءٍ قَدْ يُعْطَى لَكَ، مِنْ أَحدٍ قَرِيبٍ أَوْ غَرِيبٍ، وَما قَدْ يُطْلَبُ مِنْكَ فِعْلُهُ وَهُوَ مُنَافٍ لِلْآدَابِ…لا تَسْمَحْ لِأَحَدٍ، وَهُوَ يُحَدّثُكَ، بِأَنْ يَلْتَصِقَ بِكَ وَيُلاطِفَكَ…
– هَلْ عَليَّ أَنْ أَكُونَ فَظّاً مع شَخْصٍ يُعَامِلُنِي بِلُطْفٍ؟ سَأَلَ بِعَفْوِيَّةٍ.
– يَجِبُ أَنْ تُمَيّزَ بَيْنَ الْإِنْسَانِ الّلطِيفِ وَالْمُهَذّبِ، وَبَيْنَ الْمُتَحَرّشِ الْقَذرِ. يُحَافِظُ الّلطيفُ، وَهُوَ يُحادِثُكَ وقوفاً أَوْ جلوساً، على مَسَافَةِ مِتْرٍ بَيْنَكُما، على عَكْسِ الْمُتَحَرّشِ الَّذي يَدْنُو مِنْكَ كَثيراً، وَيَلْمِسُ شَعْرَكَ وَوَجْهَكَ وَجَسَدَكَ، وَيَطْلُبُ مِنْكَ أَنْ تَفْعَلَ أَشْيَاءَ غَيْرَ أَخْلاقيّةٍ… هَذا الْمُتَحَرّشُ الْقَذِرُ أَبْعِدْهُ عَنْكَ بِقُوّةٍ وَاهربْ مِنْهُ.
– لَنْ أَسْمَحَ لِأَحَدٍ بِأَنْ يَتَجَاوَزَ حُدُودَهُ مَعي…
– عافاكَ.. إنْ دعاكَ رَفيقٌ كيْ تُشَاهِدَ مَعَهُ أَفْلَاماً إِبَاحِيّةً، كُنْ قَوِيَّ الْإِرَادَةِ وَقُلْ لا…لا أُرِيدُ…وابقَ مُصَمّماً على رَأيِكَ. أَخْبِرْني بِما يَحْصُلُ معكَ في الْمَدْرَسَةِ مَع أَسَاتِذَتِكَ وَرفَاقِكَ، وَشارِكْني هُمومَكَ وَمَشاكِلَكَ.
– سَأَفْعَلُ، يا أَبَي…
– لِلاطْمِئْنانِ أَكْثَرَ، سَأُسَجّلُكَ في مَعْهَدٍ تَأْخُذُ فيهِ دُرُوساً في “التَّايْكونْدُو” (فُنُونٌ قِتَالِيَّةٌ) لِتَتَعَلّمَ الدّفَاعَ عَنْ نَفسِكَ إِنْ وُجِدْتَ في مَوْقِفٍ كَهَذا، لا سَمحَ اللهُ.
– مُمْتَازٌ…
– “التَّايْكونْدُو” وَسِيلَةٌ لِلدّفَاعِ عَنِ النّفْسِ وَلَيْسَ لِلِاعْتِداءِ على أَحَدٍ وَضَرْبِهِ…
– فَهِمْتُ.
– أَثْقَلْتُ بِتَحْذِيرَاتِي الْكَثِيرَةِ عَلَيْكَ، وَقُلْتُ الْأَشْيَاءَ بِمُسَمَّيَاتِهَا مِنْ أَجلِكَ. أَنْتَ الْآنَ في الثّانِيَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمرِكَ، وَعَليْكَ مَعْرِفَةُ بَعْضِ الْأُمُورِ وَالْحَقَائِقِ، وَلا يُمْكِنُ التّغَاضِي أَو السّكُوتُ عَنْهَا. أَنْتَ هَدِيّةٌ مِنَ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنْ وَاجِبي أَنْ أُحْمِيَكَ، وَأُحَافِظَ عَليْكَ حَتَّى تُصْبِحَ في سِنِّ النُّضْجِ الّذي تَسْتَطِيعُ فِيهِ الدّفَاعَ عَنْ نَفْسِكَ، لِأَنَّ الشّرَّ كَبِيرٌ في الْعَالَمِ. قَالَ، وأخذَ الْكِتَابَ منْ ابنِهِ. قَرَأَ الْمَسْأَلَةَ الْحِسابيَّةَ، وَعَلّمَهُ الْحَلَّ.
شَكَرَهُ “وليدٌ”، وَقَالَ:
– أُرِيدُ أَنْ أُخْبِرَكَ بِسِرٍّ.
– ما هُوَ؟
– أَحِبّكَ حُبّاً بِحَجْمِ الْكَوْنِ، وَأَشْكُرُ رَبّي لأَنَّكَ أَبي…
إِحْتَضَنَهُ، وَقَالَ:
– أحْمُدُ رَبِّي على الابْنِ الْمُحِبِّ وَالْمُطِيعِ لِوالِدَيْهِ، وَالذَّكِيِّ وَالْمُجْتَهِدِ فِي دِرَاسَتِهِ.
أَنَا فَخُورٌ بِكَ، يَا بُنَيّ.
– أَبي، ما عَلّمْتَني إِيّاهُ سَيَبْقى مَحْفوراً في نَسيجِ الذّاكرةِ، وَسَأُعَلّمُهُ بِدَوْري إلى أَبْنائي. سَأَقُولُ لا…لا أُريدُ، لِكُلِّ ما يُخَالِفُ الْأَخْلَاقَ وَالْقَانونَ، ولا يَقْبَلُهُ الْعَقْلُ، أوِ الْقَلْبُ، أَوِ الْمُجْتَمَعُ، وَسَأَجْعَلُكَ دائماً فَخُوراً بِي.