سجلوا عندكم

البطريرك الدويهي… خلَّد تاريخ أمّة لا تمحوه الأزمنة

Views: 315

المحامي شارل الخوري أبي صعب

تزامنا مع التحضيرات للأنشطة المواكبة لتطويب البطريرك اسطفان الدويهي، نذكر أن مكتبة المؤرّخ الخوري يوسف ابي صعب تحتفظ بالنسخ الأصلية القديمة المطبوعة لمؤلّفات البطريرك الدويهي، من بينها كتاب “ترجمة ابينا المغبوط اسطفانس بطرس الدويهي للسعيد الذكر المطران بطرس شبلي والمطبوع في مطبعة النهضة – بيروت سنة 1903”.وقد كتب المؤرّخ ابي صعب بخط يده على الجلد الخارجي لهذا الكتاب مع حرفيّته:

” تبرع بصنع تمثال للبطريرك الدويهي في المكسيك المهاجر المحسن الجوّاد بطرس الشيخا الاهدني، أحد كبار التجار اللبنانيين في المكسيك، وشُحن، فوصل مرفأ بيروت في 2 كانون الثاني سنة 1937 – وبيت الشيخا فرع من اسرة الدويهي”.

ثم يضيف في مكان آخر على الجلد ذاته: “طالع تقريظ هذا الكتاب مجلة المشرق 17: 235 سنة 1914 للأب  شيخواليسوعي”.

وقد اقتنى المؤرخ ابي صعب هذا الكتاب بعمر العشرين عاماً اي في العام 1935. إضافة الى كتاب “سلسلة الطائفة المارونية”عُنيَ بنشرها وتعليق حواشيها المعلم رشيد الخوري الشرتوني وطبعت في المطبعة الكاثوليكية بيروت 1901. وكتاب “شرح رتبة الشرطونية السريانية” وقد كتب المؤرخ ابي صعب بأنه نشر مقالة مطولة عن هذه الرتبة الخوري بطرس شبلي في مجلة المشرق 64: 1899

 

اما كتاب تاريخ الطائفة المارونية والذي عُني بنشره وعلّق حواشيه ايضاً رشيد الخوري الشرتوني والمطبوع في المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين سنة 1890 فقد خطّ المؤرّخ ابي صعب بخطّ يده على الجلد الخارجي لهذا الكتاب عدّة فوائد ومعلومات تاريخية نوردها حرفياً كما وردت:

حياة “مارمارون” لفؤاد افرام البستاني سنة 1965 ص. 12 نقد طبعة الشرتوني

طالع عن طبعة الشرتوني للدويهي هذه وشططه وأنه اثبت وزاد من عنده ما استحسن زيادته

مجلة (المنارة ۳۸:۱۹۳۱)

ونقد الشيخ سليم الدحداح لهذا التاريخ ... – المشرق 1933: 192، 471، 870

ان الاب توتل اليسوعي طبع 1951 تاريخ الازمنة الدويهي مع تعاليق وحواشٍ، في كتاب على حدة…

وکان کتب درساً ونقل بعض صفحات على الزنكوغراف في الكرشوني نقلاً عن نسخ عديدة شرح عن مصدرها الاب توتل المذكور في مجلة المشرق (1947: 14 – 26)

انظر انتقاد هذا التاريخ في كتاب “جامع الحجج الراهنة في ابطال دعاوى الموارنة ص. 41 و49 للمطران يوسف داود – طبع في مصر سنة 1908 بـ455 صفحة – هذا الكتاب فيه ملخّص تاريخ الموارنة ونشأة الطائفة المارونية… وهو كتاب رد على كتاب روح الردود للمطران الدبس

  • في اوله لوحة مطبوعة بالفوتوغراف من كتاب سرياني قديم نسب الى الموارنة وفي آخره ذيل وملحق ليوسف بن اليان سركيس الدمشقي جامع معجم المطبوعات العربية والمعربة وهو الذي طبع كتاب “جامع الحجج”.

 وقد رد على كتاب “جامع الحجج” الراهنة المذكور المطران يوسف دريان في كتاب “لباب البراهين الحلية عن حقيقة امر الطائفة المارونية” – راجع معجم المطبوعات العربية والمعربة الجزء الخامس ليوسف اليان سركيس المطبوع في مصر سنة 1928 ص. 862، 874، 896، 897، 1023

  • ان المطران الدبس في تاريخ سوريا مجامع المفصل ندد بطبعة الدويهي هذه وزيّف الكثير من مضامينها – تاريخ بشرى للخوري فرنسيس رحمة المجلد الدول ص.270 ومجامع المفصل صفحات 47، 50، 57، 64

 

أما عن المشيئة الواحدة فيقول عنها المؤرّخ ابي صعب:

 

المشيئة الواحدة

تفسير علماء الموارنة معناها.

رداً على من يتهمونهم بها لاحظ العلامة مرهج بن نمرون الباني في مقالته عن الموارنة التي طبعها في اللاتينية برومية سنة 1676 صفحة 90 ما مؤداه:

“انه إذا قال الموارنة احياناً بمشيئة واحدة على ما روى المطران داود صاحب ترجمة كتاب (الهدى) فانهم إذ ذاك انما يعتبرون اسم ((مشيئة)) اتفاق المشيئتين على موضوع واحد بالتساوي والتراضي وليس بالنظر الى القوة التي يعتقدونها اثنتين وهي الالهية والإنسانية”

ثم في صفحة ٩٥ قال:(ان الذين يقولون بالمشيئة الواحدة لا يريدون ان في المسيح مشيئة مفردة تماماً ولكن أن ليس فيه ارادتان متضادتان على ان الارادة البشرية تخضع للإلهية وتتم اوامرها. وهذا معنى كاثوليكي محض بشهادة المجمع السادس العام…)

 

 

“تاريخ الأزمنة”

اما كتاب “تاريخ الأزمنة”الذي نشره للمرة الاولى وعلّق عليه الحواشي والفهارس الاب فردينانتوتل اليسوعي وقد ضم المؤرخ ابي صعب في آخر هذا الكتاب كراسا للمونسنيور مخايل البرجي ينتقد ويقرّظ فيه تاريخ الازمنة المذكور فقد كتب المؤرخ ابي صعب على الجلد الخارجي لهذا الكتاب ايضاً ما حرفيته تحت عنوان: “نقد وتقريظ طبعة الدويهي للاب توتل”:

  • ان الاب توتل اليسوعي قبل ان طبع تاريخ الدويهي هذا مع تعاليق وحواشي كتب درساً وقسماً من المقدمة ونقل بعد صفحات على الزنكوغراف في الكرشوني نقلا عن نسخ عديدة شرح عن مصدرها في مجلة المشرق 1949: 14-26)
  • مجلة الابحاث السنة الرابعة الجزء 2 حزيران 1950: 238 كتبت تقريظاً لطبعة الدويهي هذه. وهذه المجلة تصدرها الجامعة الامريكية في بيروت.
  • ان المنسنيور مخايل البرجي نشر في المشرق 1954: 77-81 مقرظاً ومنتقداً الاب توتل ولا سيما ما جاء في صفحة 292 من هذا التاريخ.

وقد كتب المؤرخ ابي صعب بخط يده على الصفحة 292 المذكورة ما حرفيته:

“كتب المنسنيور مخايل البرجي في المشرق 1954: 77-82 مقالة انتقد فيها طبعة الاب توتل هذه لا سيما ما ورد في هذا الموضوع اي عن النساك بدلا من النساخ لان للحرفيين العربيين”ك” و “خ”مقابلاً واحداً في الكرشونية وقد جلدنا مقالة البرجي في اخر هذا التاريخ.

 

 

كتاب ترجمة ابينا المغبوط اسطفانس بطرس الدويهي للسعيد الذكر المطران بطرس شبلي “اسطفانس الدويهي: ذهابه الى مدرسة رومة الى حين عودته منها ١٦٣٠ – ١٦٥5”

 

ان العائلة الدويهية من اقدم عيال اهدن ولها بقية الى يومنا هذا في هذه القصبة ونزح افراد منها الى مجدل معوش والى بيروت والى الذريب في عكار. قيل انها قدمت الى اهدن في اوائل القرن الخامس عشر وربما قبل ذلك واستوطنت من قرى لبنان اشهرها موقعاً واحسنها منظراً واطيبها هواءً واشدها شعباً قرية منَّ عليها الباري بنعم الأرض والسماء واجرى فيها المياه الغزيرة حتى انه خُيّل لكثيرين انها عدن او الفردوس الارضي وفيها قوم بواسل يهابهم القريب والغريب فطروا على التقى ونبغوا بالذكاء والعلم وخرج منهم بطاركة ورؤساء ورجال سياسة وقادة وابطال وحسبهم شرفاً ان لا يذكر احد قريتهم الا وبادر الى ذهنه اسم البطريرك اسطفان ويوسف كرم كلاهما فخر لبنان والطائفة المارونية.

حاشية بخط يد المؤرخ ابي صعب:

“عائلة المونسنيور يوسف العمشيتي فرع من الاسرة الدويهية المشرق ك2 سنة 1928: 39 وبيت عبيد فرع من آل الدويهي المشرق: 1931: 365 والمنارة 1932: 502 و582 و588 والعائلة الدويهية ولد منها أساقفة وبطاركة نذكر منهم: المطران جرجس عميرا الذي صار بطريركاً سنة ١٦٣٣ والمطران بولس مطران اهدن الذي يدعوه البطريرك اسطفان ابن عمه (١٦٥٩) والمطران جبرائيل مطران صفد (١٦٩٣) والبطريرك اسطفان والمطران اسطفان الثاني (۱۷۲۸) والثالث (۱۸۱۰). وقد حفظ لنا البطريرك اسطفان سلسلة هذه العائلة المباركة فثبتها هنا لئلا تتلاعب بها ايدي الضياع.

(هذا ما ورد حرفياً في كتاب ابينا المغبوط اسطفانس بطرس الدويهي)

سنة ١٧٠٥ توفي والدي الخوري يوسف “اظنه ابن اخ البطرك» اول كانون الأول في عندقت في بلاد عكار – الخوري يوسف هذا ابن شقيق البطرك وكان له أخ يدعى الخوري مخايل – سنة ١٧٠٦ في ۲۱ نشرين الثاني ارتسم كاهن من يد المطران جرجس الكاروز(وتسمى يوسف باسم ابيه واصل اسمه صالح).

وقد خطّ المؤرخ ابي صعب عدة فوائد ومعلومات تاريخية عن الموضوع الآنف الذكر مفادها:

“الخوري يوسف هذا هو ابن شقيق البطريرك الدويهي وكان له اخ يدعى الخوري مخايل راجع مخطوطات دير الشرفة للاب ارملة صفحة 32، وراجع المنارة تموز سنة 1932: 500 و503 و582 و583 و588 عن الدويهيين”

اما اسطفانس الدويهي فهو ابن الشدياق مخائيل ابن القس موسى بن يوسف الدقيق ابن القس موسى ابن الخوري يعقوب ابن الحاج ابرهيم الدويهي. ولد في قرية اهدن في اليوم الثاني من شهر اب سنة ١٦٣٠ يوم تذكار اسطفانس رئيس الشمامسة واول الشهداء. فدعاه والداه باسم هذا القديس كعادة كثيرين من المسيحيين الذين يختارون شفيعاً لأولادهم أحد القديسين الذين تكرمهم الكنيسة يوم ولادتهم. واسم امه الحاجة مريم وكانت من العائلة الدويهية ايضاً.

كانت ولادة اسطفان الدويهي في ايام الامير فخر الدين المعني الذي نشر على الجبل اعلام الأمن والراحة وسهل للموارنة الاقامة في كسروان والمقاطعات الجنوبية وبناء الاديار فيها. وكان اسطفان ابن ثلاث سنوات لما توفي ابوه مخائيل الدويهي سنة ١٦٣٣ وتركه يتيماً. لكن الرب ظلله بجناحيه واعتنى به كالام الحنون لانهاعده ليكون اناءً مختاراً ويحمل اسمهبين الشعوب.

اما اسطفانس فلم يترك مؤلفا الا وطالعه ولا مصحفاً الا وتصفحه ليجد فيه ذكراً للموارنة وكان ينسخ كلما عثر عليه من الفوائد. وعلى هذه المخطوطات المتنوعة وغيرها كان اعتماد البطريرك اسطفان في كتابة تواريخ الطائفة ودفاعه عنها وفي رد تهم الاخصام بغيرة كغيرة ايليا وتدقيق لم يفقه به احد.

 

 

في رجوع اسطفان من رومة وتعليمه الأولاد في اهدن ورسالته الى حلب وتسقيفه على رعية قبرس١٦٥٥ – ١٦٧٠

 

كان سفر اسطفان الدويهي من رومة العظمى في ربيع سنة ١٦٥٥ في اليوم الثالث من شهر نيسان. وفي السنة الثانية بعد قدومه إلى لبنان اي سنة ١٦٥٦ في الخامس والعشرين من اذار يوم عيد البشارة رقاه البطريرك يوحنا الصفراوي الى درجة القسوسية على مذبح دير مار سركيس راس النهر في اهدن.

اما اسطفانس فانه اتبع هذا المنهاج منذ البدء واخذ يعلم الاولاد في اهدن ويدرجهم في مبادي القراءة. وقد تصورته جالسا على الحجارة امام احدى كنائس القرية يحيط به جمهور الاطفال على شبه ذلك الذي كان يدعو الصغار اليه. وهو يسقي ابكار عقولهم بغيث معارفه ويفسر لهم الاشياء البسيطة بالوداعة واناة الروح كأنه جهل ذاته او نسي مقامه في اعين الناس وتمسك بقول الاقتداء: احبب ان تُجهل واتبع اتضاع الفادي هاتفاً معه دعوا الاطفال يأتوا الي.

رغماً عن احتمال المشقات الجسيمة والاخطار. وفي غضون جولانه في لبنان وحلب وقبرس ما كان يغفل دقيقة عن البحث في تواريخ البلاد وخصوصاً تواريخ الطائفة وعن فحص الكتب الكنائسية وغيرها طمعاً بما تخبيءِ بطون الاوراق وزوايا المصاحف القديمة. وقد عثرنا في قبرس على مخطوطات تاريخية قديمة أثبتها في كتبه بحروفها حباً بالتدقيق. لأنه شرع من ذلك الوقت بجمع التواريخ المشهورة عند كل من يهمه معرفة أحوال هذه البلاد في الايام الغابرة.

ومن حين ارتقائه الى الدرجة الاسقفية اخذ يكتب بيده الطاهرة رتب الشرطونية معتمداً على النسخ القديمة الصحيحة اقتداء بالأحبار القديسين والاباء الابرار خوفاً من ان يلمّ من استعماله كتباً غير منقحة او غير مضبوطة الاستخفاف بالدرجات المقدسة. واراد ايضاً ان يملأ قلبه من معاني الرتب النفيسة ليفيضها في قلوب الذين ينتدبهم الله على يده الى الدرجات المقدسة وان يعرف قدر السلطان الرهيب الذي صار به خليفة الرسل وقهرمان المسيح وخادم الروح القدس وراعي رعاة شعب الله المختار. وهذا الكتاب محفوظ الى اليوم في الخزانة البطريركية. وهو بقطع الثمن وفي صدره الاسطر الاتية: «هذهشرطونية المعلم الفريد والراعي السعيد المشهور بالعلم والعمل الصالح ذكره البطريرك اسطفانس بطرس الانطاكي

بركة صلواته تحفظنا»

 

في انتخابه بطريركا وجلوسه على كرسي انطاكية وفي ماتعرض له من الصعوبات والمقاومات ١٦٧٠ – ١٦٧٤

 

كان انتقال البطريرك جرجس ابن الحاج رزق الله البسبعلي من حياة الرجا الى عالم الحق في غيبة المطران اسطفان ولم يكن هناك من دليل على انه بلغه خبر وفاته في قبرس. واتفق ان شدة وطأة الطاعون منعت مطارين الطائفة واساقفتها واعيانها عن الاجتماع لانتخاب خلف له في البطريركية وكان في غضون ذلك ان المطران اسطفان اتم رسالته في قبرس وزيارة الرعية وبرح الجزيرة عائداً لبنان فنزل في قوف اي مركب وقدم الى طرابلس.

“طرابلس من اقدم المدن السورية … واسمها (المدن الثلاث) مشتق من المدن التي كانت مركبة منها في القديم. موقعها على مسافة ميل واحد من البحر فوق اكمتين بعضها يرتفع متدرجاً على تلال رائقة المنظر والقسم الآخر في السهل الذي يمتد امامها. ومن جهة البحر ارض فسيحة تزين المدينة وتفيض عليها الخيرات وفي هذه البقعة عدد وفير من اشجار التوت وجنائن الاترنج والرمان وقصب السكر. ومن الناحية الأخرى المطلة على لبنان بساتين الزيتون الكثيفة وفيها الاثمار اللذيذة وهذه البساتين على مسافة خمسة عشر ميلاً في الطول وثمانية اميال في العرض واشجار الزيتون المذكورة سبب ثروة اهل المدينة.

 ويعبر في المدينة أيضاً ماء ينبوع آخر وهذا الينبوع في سفح جبل لبنان وتسير مياؤُه في قناة الى المينا على مسافة ميل واحد وتحيي سكان المينا. وطرابلس مشهورة بطيب فاكهتها على اختلاف انواعها وبكثرة الخمر والزيت والحنطة وسائر الحبوب. ومن أخص الاثمار التي تنبت في حدائقها الموز. وليس للمدينة اسوار بل لها على شاطئ البحر ابراج مربعة الشكل منيعة وعلى احدى الاكام قلعة حصينة ويخبر اهل المدينة ان الافرنج شيدوها. اما ما يجعل مدينة طرابلس في مكان من العز والاهمية فهو كونها مجتمع التجار واليها تفد البضائع الثمينة من جميعانحاء البر والبحر ومنها تصدر الى الاقطار الشاسعة.

(هذا ما ورد حرفياً في كتاب ترجمة ابينا المغبوط اسطفانس الدويهي في حاشية عن طرابلس صفحة 49 و50).

 

 

في اهم ما جرى في اوائل بطريركية البطريرك اسطفان(١٦٧٠ – ١٦٧٥)

 

ان البطريرك اسطفان بعد ارتقائه السدة البطريركية غادر حالاً قنوبين وقدم الى كسروان وسكن في دير مار شليطا مقبس. وهذا الدير من اقدم اديار المقاطعات التي الى جنوبي نهر ابرهيم. وفي التقليد ان احد الافرنج بناه في عهد الصليبيين ثم انه لما خرج الافرنج من هذه الديار وزحفت عساكر المسلمين من الشام وطرابلس على بلاد كسروان واحرقتها وهدمت ابراجها واديارها وكنائسها لم ينج من ايديهم سوى الدير المذكور. روى البعض ان ذلك صار بأعجوبة منعت العساكر عن تدميره. ومن المحتمل ان موقع هذا المعبد في وسط الاحراج حجبه عن اعين الناس. ومما يثبت قدمه ما وجد الى شرقي الدير الحالي في عهد قريب من اثار بنايات شتى من ايام ملوك الروم. وكان خراب كسروان المنوه به في اوائل القرن الرابع عشر وقد ذكر ذلك عدد من المؤرخين.

ومنذ تلك الآونة صار هذا الدير ملجأ بطاركة الطائفة كلما وقع عليهم الاضطهاد من حكام الجبة. فالبطريرك يوسف حليب قضى فيه مدة وفيه توفي ودُفن البطريرك جرجس البسبعلي كما قلنا. وكان مما يحبب اليهم هذا الدير ويرغبهم في الاقامة فيه جوار المشايخ آل خازن الذين استوطنوا في البدءعجلتون وصاروا في عهد الامير فخر الدين وخلفائه سوراً للدين ولرؤسائه في تلك  الجهات.

فاولاً انه من حين ارتقائه الى الاسقفية اخذ ينسخ بيده الطاهرة كتاب السياميد وهي الشرطونية وهو الكتاب المحفوظ في الخزانة البطريركية ولم يكتف بذلك بل انه حين رفع الى البطريركية جمع ما امكنه من النسخ القديمة للشرطونية كما يذكر في مقدمة الشرح الذي وضعه للرسامات المقدسة وهذه المقدمة وجدت بخط يده في نسخة محفوظة في كرسي مطرانية قبرس في قرنة شهوان والنسخ المذكورة التي اعتمد عليها اولها واقدمها بخط يد السعيد الذكر البطريرك ارميا العمشيتي (۱۲۰۹ – ۱۲۳۹) ويليها نسخة كتبها الخوري مرقس لمتاوس اسقف عرقا وعكار سنة ١٣٢١ م. ثم نسخة دير مار اليشاع التي كتبت في اواخر القرن الثالث عشرونسخة الخوري ابراهيم الباني وتاريخها ١٤٩٥ ونسخة حبقوقالادنيتي وتاريخها ١٥٨١ وهي محفوظة الى الان في الكرسي البطريركي. الى غير ذلك فقابلها واعاد ما اسقطه النساخ حباً بالاختصار وأصلح ما حرّفه الجهلة وحذف ما زاده غيرهم.

الخاتمة

البطريرك الدويهي، فخر البطاركة وفخر لبنان، صان الموارنة في حقبة كبيرة من الزمن، ناضل في سبيل بقائهم موحدين فلجأ الى المغاور والكهوف للاختباء من الاضطهاد كما فعل اسلافه البطاركة. الّا انّ عزيمته وتعلقه بأرض القديسين جذرت المارونية التي عملت في تطور لبنان حتى عُرف بها وعُرفت به فلا وطن لها سواه ولا كيان له بدونها ونردد ما قاله الاب بسّون اليسوعي في كتابه “سوريا المقدسة”: “ان تجّار الفرنجة في سوريا على عهد الجيل السابع عشر، كانوا يدعون بيروت “باريس الموارنة الصغرى”

ولنسترجع في هذه المناسبة الروحية والتاريخية العظيمة تطويب البطريرك الدويهي ما أورده المؤرخ ابي صعب في مؤلفه تاريخ الكفور- كسروان اثناء تأريخه الموارنة وبكركيوالبطريركيةالمارونية والبطاركةالموارنة الذين هم عماد الوطن (صفحة 223 ولغاية صفحة 239):

“ان البطريركيةالمارونية ظلت طوال القرون مستودع الوطنية والروح في لبنان.البطريركيةالمارونية ينبوع للفكر الوطني لم ينبض له معين على ممر العصور، والبطاركة الموارنة لم يكونوا رؤساء دين وحسب بل كانوا دائماً الى جنب رئاستهم الدينية المؤتمنين على العقائد القومية وقادة الحركة الوطنية، كان بطاركة الموارنة لا يشغلهم شاغل عن امور الدنيا من متابعة عملهم الموروث عن ابيهم مار مارون، وظلّوا رسل المعرفةوالحرية والمحبة والاخاء والحوار البنّاءالى يومنا هذا”.

                                        

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *