مُنِيفُ… سَبَقتَنا!
مُورِيس وَدِيع النَجَّار
(في رَحِيلِ صَدِيقِ العُمرِ المُهَندِس مُنِيف قَيصَر النَجَّار 4/ 10/ 2024)
هَوَى الإِلفُ الوَفِيُّ، هَوَى المُنِيفُ، فَصَوَّحَ نَوْرُنا، وذَوَى الرَّفِيفُ
فَحِينَ أَتَى النَّعِيُّ هَمَت دُمُوعٌ، فَقَد رَحَلَ المُبادِرُ والأَنُوفُ
فَتَبًّا لِلزَّمانِ يَجُورُ طَعنًا، فَلَا يَأْسَى، ولا تَنبُو السُّيُوفُ
يَجُزُّ مِنَ الرَّبابَةِ كُلَّ سِلْكٍ، ويَبْقَى، ساحِرَ الوَقْعِ، الحَفِيفُ
زَمانٌ لَيسَ يَرعَى دِفْءَ عُمْرٍ، زَمانٌ قاصِمٌ، مُرٌّ، مُخِيفُ!
***
هُنا، في القَريَةِ الثَّكْلَى، رِفاقٌ، يُثِيرُ حَنِينَهُم عَهْدٌ شَفِيفُ
لِأَيَّامٍ تَناءَت، ثُمَّ غابَت، وغابَ بِإِثْرِها الزَّمَنُ الطَّرِيفُ
مَضَت، ومَضَى الكَثِيرُ مِنَ الغَوالِي، وعاثَت، في مَناعِمِنا، الصُّرُوفُ
أَتَذكُرُ يَومَ كُنَّا في صِبانا، مُرُوجَ وِهادِنا الخَضْرا نَطُوفُ
فَيَسحَرُنا الثَّرَى المَوْشِيُّ زَهْرًا، وتَدعُونا، إِلَى الثَّمَرِ، القُطُوفُ
أَلَا سَقْيًا لِأَيَّامٍ تَوَلَّت، وهَبَّ يَرُودُنا الخاوِي الخَرِيفُ
وأَجفَلَتِ المَباهِجُ مِن ضَنانا، وجافَتنا المَزاهِرُ والدُّفُوفُ!
***
مُنِيفُ، أَخِي، تَمَنَّينا لِقاءً، فَحالَت دُونَ مَلقانا الظُّرُوفُ
وجَلَّلَكَ الغِيابُ فَبِتَّ عَنَّا بَعِيدًا، والأَسَى الضَّافِي سُجُوفُ
رِفاقٌ مِن صِبانا قد تَنادَوْا ــــــــــ هُناكَ، وغادَرُوا، وسَرَى النَّزِيفُ
كَرِيمٌ بَعدَ أَنطُونٍ، أَدِيبٌ، نَدِيمٌ، ثُمَّ تَمتَدُّ الصُّفُوفُ
مُنِيفُ… لَحِقتَهُم، فَتَرَكتَ فِينا جِمارًا ما لَها عَنَّا عُزُوفُ
أَلَا زُرْنا، ولَو طَيْفًا حَبِيبًا، فَيَملَأَ جِنْحَنا الذِّكْرُ العَطُوفُ
أَلَا… يا لَيتَ، لكِنْ هل تُفِيدُ ــــــــــ الأَمانِي، والرَّدَى قاسٍ عَنِيفُ؟!
سَأَلتُ يَراعَتِي، فَجَرَى مِدادِي، ــــــــــ دُمُوعًا، وانزَوَت تَبكِي الحُرُوفُ
وبِتُّ، مع الشَّجا، عَيًّا كَأَنِّي، أَمامَ طِلاوَةِ الدُّنيا، كَفِيفُ!
***
مُنِيفُ… تَظَلُّ في الأَجفانِ ذِكرَى، وما طالَ النَّوَى حُلْمًا يَطِيفُ
تَظَلُّ مع الصِّحابِ بَهاءَ لُقْيا، وشَوقًا، كُلَّما التَأَمَ اللَّفِيفُ
سَتَبقَى، في الخَيالِ، لَنا أَنِيسًا، فَأَنتَ الصَّادِقُ، الخُلُّ، الأَلُوفُ
تُرانا، في غِيابِكَ، عَنكَ نَسلُو، وأَنتَ الصَّاحِبُ الحانِي، الظَّرِيفُ؟!
لَقَد نَسلُو لِحِينٍ، ثُمَّ تَأتِي، كَأَنَّكَ، في الخَيالِ، هَوًى لَطِيفُ
لَأَنتَ نُسَيمَةُ الصُّبْحِ المُنَدَّى، وظِلٌّ في هَجِيرَتِنا هَفِيفُ
قَسَوتَ قَسَوتَ يا صاحٍ عَلَينا، رَحِيلُكَ رِيْحُ أَحزانٍ عَصُوفُ
تَرَكتَ رُبُوعَنا، وهَجَعتَ فَردًا، ــــــــــ هُناكَ… حَنانَ قَلبِكَ يا مُنِيفُ!