رداءُ الصّوفِ

Views: 165

د. جان توما

تربّعَ فصلُ الشتاءِ أمامَ كانون النار، مدَّ ذراعيه، حَمَّلَهُ فصلُ الربيعِ كبكوبَ صوفٍ، وبدأَ يحرّر ُالخيوطَ من مختلفِ الألوانِ، يصيِّرهُا طائرةً من ورقٍ، وأراجيحَ خيالٍ. يرسمُ ظلالًا من حلوى، يشتهيها أطفالُ العيدِ ويطلبُها كبارٌ،كم شحتَروا على الحيطانِ أسماءَ من أحبّوا ومَحَوا.

يلبّسُ الربيعُ شجرَ الدّارِ أثوابَها، حاكتها يداهُ، يتخايلُ بأثوابِهِ المزدانِةِ بألفِ لونٍ ولون. يوزّ عُ الربيعُ فَرِحًا حبّاتِ زهرِ على أسوارِ البيوتِ، تتدلّى مغناجةً في أعينِ المارّةِ، فيما أهلُ البيتِ يتأملونَ حبّاتِ العنبِ والتينِ، ويتلهّى بعضُهم بقطافِ مفرداتِ الزعرورِ وأطايبِ العنّاب.

كيف تمرُّ الفصولُ عَجْلى؟ ومن يدعوها إلى التمهّلِ؟ كان ورقُ الروزنامةِ على الحائطِ سابقًا يشيرُ إلى تاريخِ اليومِ، وينتظرُ يدًا تنزعُهَا مساءً أو صباحًا ليبدأَ يومُ جديد. كان المرءُ يشاركُ في حركةِ عدّادِ تجديدِ اليوم، فأقالته الشاشاتُ الباردةُ من عملِ المشاركة، وأحالته إلى عالمِ الاستسلامِ ، وقبولِ مرور ِيومِهِ من دونِ علمِهِ.

يأتي الخريفُ ليعيدَ أزياءَ الفصولِ إلى أغاني الريحِ. يبدّدُ سفرَ المسافاتِ، يلاعبُ شالاتِ الشجرِ ما بينَ الأرضِ والسماء، يوضِّبُ أحلامَ أيلول قبل َعودةِ الماء، يرفعُ  نظرَهُ إلى السحابِ، يملأُ جرارَهُ وخوابيه، بانتظارُ شهرزاد الفصولِ لتسردَ حكايةً جديدةً عن رداءِ الصوفُ بين أناملِ أمسيّاتِ العمرِ .

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *