التوت البرّي
د. جان توما
منسيٌّ كقيلولةِ فلاحٍ تحت فيءِ شجرةٍ، وكجُرحِ ناي تتوهُ بَحّتُهُ مع خريرِ جدولٍ يرنّمُ سلامًا لمن تذكُرُ لفتةَ رأسِهِ مودِّعًا حين غاب خلف وجه القمر، مُودِعًا سطحَهُ بعضًا من تقاسيمِهِ، وعطرًا من ملامحِ وجهِهِ لئلا تُفتقدُ أُلفتُهُ في المساءاتِ الطويلةِ والليالي الموحشة.
واقفًا في محطةِ انتظارٍ كالحيّ القديم، كصفيرِ قطارٍ يسمعُهُ المنتظرونَ ولا يَصِلُ. هادئًا كشجرةٍ تمرُّ الفصولُ أمامَها حيرى ، وهي بانتظارِ الربيعِ ساكنةٌ، ووجهُهَا وضّاحٌ وثغرُهَا باسِمٌ. يصيرُ المدى فضاءاتٍ، ريحًا بلا هبوب ٍ، صدًى بلا صوتٍ، وغيمًا بلا مطر.
يا السورُ الخشبيُّ العتيقُ، في البالِ أغنيةٌ عن بلدي، نَمْ لأكتبَهَا قصيدةً في الخاطرِ، وكرجَ حَجَلٍ في روابي العمر. كم تهجأَ العاشقونَ معلّقاتِ عشقِهِمْ على أطرافِكَ، وحفروا أحرفَ أسمائِهم الأولى على أسوارِكَ الخشبيّةِ علّ حبّاتِ التوتِ البريِّ تستلذُّ حكاياتِ الفجرِ، فتتمايلُ الذكرياتُ كما العجينُ على معاصمِ الصبايا قبل أن يكتوي بنارِ الشّوقِ على صفيحٍ ساخنٍ ليغدوَ مشتهى العينِ والفمِ.