سجلوا عندكم

تعديل الدستور اللبناني خدمة للعهد الجديد

Views: 132

بتاريخ 16 كانون الثاني 2025 تمت في مدينة مونتريال، كندا، ندوة للأب الدكتور ميشال روحانا الأنطوني حول كُتيب صغير عنوانه: “مراجعة في الدستور اللبناني تفعيلا واستكمالا” وهو ليس سوى مشروع متكامل لتعديل الدستور اللبناني انطلاقا من اتفاق الطائف.

افتتحت الندوة بالنشيد الوطني وبالوقوف دقيقة صمت عن أرواح ضحايا الحرب على لبنان، ثم قام الدكتور وليد حديد بتوضيح موضوع الندوة وبالتعريف بالمحاضرين، وأعطى الكلام لهم بالدور المتفق عليه. 

 شارك في الندوة الدكتور زياد الفخري والدكتور حسن الغيه وذلك في صالة نهاد حديد لصاحبها الدكتور وليد حديد وقد حضرتها، رغم قساوة الطقس، شلة من المغتربين، القدماء والجدد، الباحثين عن جدوى لأسباب غربتهم، قديما وحديثا، وعن معنًى لها، في غير ما ملكته أيديهم، إذ معظمهم قد وفقهم الله ماديا وما خضعوا لما خضع له أترابهم من ذل وهوان في لبنان. ويبقى تساؤلهم المحق: أي معنى لكينونتهم وكرامتهم متى ما بات وطن جذورهم دولة فاشلة، وأي دور يمكنهم القيام به ليعيدوا الكرامة لوطنهم ولأجيالهم؟

 

العماد جوزاف عون رئيسا

كانت فرحة الأمل بادية على وجوه المنظمين والحاضرين وقد سَرَت هذه الفرحة من لبنان إلى العالم بـأسره مع اختيار العماد جوزاف عون رئيسا للجمهورية وخطاب القسم الذي دوى عاليا في قلوب اللبنانيين في العالم مع  شخصية الرئيس الفذة، وصوته الثابت، والوعود التي باتت حلم كل لبناني، بدءا بالماء والكهرباء، إلى ترسيم ما غاب من الحدود وحمايته جنوبا وشرقا، سماء وبحرا، إلى فرض احترام الدستور وفصل السلطات واستقلالية القضاء وتعزيز المؤسسات ومجالس الرقابة واستعادة الأموال المنهوبة  .

وبعد أن قيّم المحاضران الضيفان محتوى الكتيب واثنيا على الجهد الجماعي الذي قامت به المجموعة المحترمة من الاختصاصيين للتوصل إلى هكذا إنجاز لمشروع متكامل لتعديل الدستور بما يؤول بلبنان لاسترداد سيادته، بعد أن كان قد خسرها كليا في ظل تطبيق النظام السوري بنود اتفاق الطائف انتقائيا بما يخدم حلم النظام البعثي السوري بضم لبنان كولاية من الأراضي السورية… 

وأثنيا على مقاربة المجموعة الدستورية لموضوع تخطي الطائفية وتأسيس مجلس الشيوخ لهذا الهدف، كما نص عليه أيضا الاتفاق، والذي أغفلَ تأسيسه عمدا لأن الطائفية هي الوسيلة الأنجع لكل محتل ومتسلط كي يقسّم بين الناس ويسود عليهم… 

أتحف الأب روحانا الحاضرين بمداخلة أسّسها على خطاب قَسَم الرئيس المنتخب، وهل ما هو، اليوم، أهم من هذا الخطاب التأسيسي الذي لا زالت كلماته تدوي في قلوب وأحلام اللبنانيين في العالم أجمع؟ 

 

تعديلٍ ملموس للدستور

باختصار نلقي الضوء على ما كتبه الأب روحانا معرّفا بنقاط التعديل الملزمة، متوجها مباشرة إلى فخامة الرئيس، واضعًا بتصرفه ما أنجزته لجنة التعديل المتخصّصة، المستقلة، المكوّنة من: البروفسور رزق زغيب، القاضية ميسم النويري، الدكتور هشام الأعوَر، الدكتور وسام اللحام، السيد حسن حُسين الحُسيني، الشيخ منصور الخوري، الدكتورة رنا الحُسيني، البروفسور فريد جبور، والأب روحانا الأنطوني، ومتمنيا عليه بالقول:

إن شئتم، فخامة الرئيس، أن يكون قسمكم منجزا ووعودكم محققة، وبخاصة عودة الابداع إلى أهله الذين لم يكفوا عنه لغاية سنة 1975 وما تبعها… لا بد أن تبدأوا عهدكم بتعديلٍ ملموس للدستور قائمٍ على الأصول العلمية والحكمة في وزن الأفعال وردودها بما تسمح به النفسية الاجتماعية لحالة الشعب الفاقد للرؤية والأمل والمتوقعهما منكم، وذلك:

أولا، ومن باب الابداع الذي طالبتم بعودته إلى أهله، على النقاط (ز) و(ح) و(ي) أن تعدّل كي تدخل ضمن منطق إمكان التطبيق. ونتوقف عند أهمها وهي النقطة (ي) التي تدك أسس الدستور والعمل السياسي، هي القائلة: ” لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”. فما العمل متى باتت رئاسة الجمهورية أو أي رئاسة أخرى، وبخاصة مجلس الوزراء، أي الحكومة بذاتها، مناقضة للعيش المشترك، كما شاهد الشعب اللبناني لعقود لغاية الآن. على هذه النقطة من مقدمة الدستور الفلسفية، والتي أدخلت عليه لأول مرة في “الطائف”، أن تصب أولا بأول بإعطاء الدستور الأحقية غير القابلة للجدل للحكم في ما يحترم العيش المشترك أو يناقضه. فأتت في التعديل المقترح على الشكل التالي: 

” يعتبر الدستور ومندرجاته الضمانة الوحيدة والحصرية للعيش المشترك بين اللبنانيين.”

نعم، الإبداع بنظرنا سيكون أهم مفتاح في نجاح عهدكم فخامة الرئيس بخاصة متى ما استند إلى شجاعتكم في القرار والتنفيذ اللذين تقوم عليهما روحية الجيش ونظامه.

ثانيا، “صفتنا الشجاعة، قوّتنا التأقلم، نصنع الأحلام ونعيشها” قلتم. 

وتحقيقا لرسالة الشعب اللبناني التي أثنيتم عليها وهي: “عند الشدّة نحضن بعضنا لأنه إذا انكسر أحدنا انكسرنا جميعًا”، فقد عبّر عنها التعديل بالشكل التالي: “ما ينفع الجزء من المجتمع ينفع الكل، وما يسيء إلى الجزء يسيء إلى الكل” (ص.4) رأى التعديل ان يسهر الدستور على أن يتعاضد اللبنانيون ويحضن بعضهم بعضا ليس فقط في الشدة، إنما  في السراء والضراء، أغنياء وفقراء متفقين على تأمين الصالح العام قبل الصالح الخاص، وحقوق الشعب العامة، أي مؤسسات الدولة التربوية والصحية والثقافية وأملاكها ومواردها الطبيعية قبل أي صالح خاص، المعروف بالمصالح الخاصة والاحتكار، اللذين سلك بحمايتهما وزراء كثر في العقود السابقة بسبب خلل في الدستور والقوانين الماضية التي جعلت من الوزير سلطانا غير قابل للمراجعة ولا للمحاسبة… كل هذا، مع احترام البنود المتعلقة بحقوق اللبنانيين واللبنانيات بالتساوي، كما حقوق الجماعات الدينية على أنواعها لجهة التعليم والتثقيف والشرع الخاص، فأتى التعديل ليصر على دور الدولة المدنية (وليس العلمانية) الذي يعلو كل حق آخر بخاصة من باب المساواة بين اللبنانيين جماعات وأفراد، كما ذكرتم فخامتكم. 

فإضافة إلى ما ورد في المادة (9) الشهيرة: “والدولة تضمن أيضا للمواطنين على اختلاف طوائفهم، احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية”، تم إضافة: “ولها أيضا في هذا الإطار، أن تنظم الأحوال الشخصية المدنية بقوانين لا تتعارض مع حريّة المعتقد،” إذ لا يجوز أن تكون حقوق الأجزاء أقوى من حقوق الكيان الكلي. 

 

الحفاظ على خصوصية تكوين لبنان

ولهذا، ولما شاكل من ضرورة العدالة بين ما يُمتِّع به الدستور المكوَنات المختلفة حفاظا على تمايزها الذي يكوِّن فسيفساء لبنان، كان لا بد من تكملة ما نوى عليه اتفاق الطائف للحفاظ على خصوصية تكوين لبنان وضرورة استمرار رسالته المميزة بين الدول ألا وهو تحقيق مجلس الشيوخ. تمسكت المجموعة الدستورية بما كتب في المادة (22) وأكملوا بنود تأسيس هذه الغرفة الثانية من السلطة التشريعية مستردينها من دستور 1926 ومكملين بنود تعاونه الوثيق والمتناسب مع مجلس النواب، محولين فعليا نظام لبنان، كما أراده آباء الطائف الصالحين، من برلمانية الغرفة الواحدة إلى برلمانية الغرفتين من حيث يكون اهتمام مجلس الشيوخ، كما أريد له في الأساس، صمام الأمان والعامل على فصل الطائفية السياسية عن إدارة الدولة وحوكمتها  من دون إلغاء مخافة الله، الأمر الذي كان قد بات منسيا من قبل الكثيرين من سياسيي الوطن، ولعقود طويلة، بتسخيرهم الدين والله، عز وجل، لخدمة سياسة الاستئثار والاحتكار والإثراء غير المشروع. وبجهالتهم هذه  أخضعوا الدولة ومستقبل الأجيال لدَين يفوق المئة مليار دولار، تعجز الدولة، بكل مداخيلها، عن تسديد فوائده. 

كما انه، لإنجاح عهدكم ودخول اسمكم السجل الذهبي لتاريخ لبنان، عليكم أن تدعموا التعديل الذي تمنّته الأجيال، وقد خلّف حروبا جسيمة جدا منذ 1968 أودت بلبنان للوقوع بين مخالب الغرباء ليسلبوه من أبنائه، نعني به: المشاركة العادلة في الحكم وتطوير الميثاق القديم والأعراف التي قامت على أساسه.

 فربط الكراسي الرئاسية الثلاث بطوائف ثلاث، لا غير، هو حدٌ، لا بل سدٌّ للديمقراطية وللمشاركة العادلة في الحكم. ليس فقط في حالة لبنان، بل في كل مرّة تدخل فيه الأعراف بالحوكمة تكون مقتلا بطيئا للديمقراطية سرعان ما تتململ منه المكونات الأخرى مهما صغر حجمها أو ضعف دخلها القومي الطائفي. فالدولة التي تحترم الحرية وكرامة شعبها تحترم شعور كل والدة تجاه مولودها الجديد، أكان ذكرا أم أنثى، متمنية له، أو لها، ما تتمناه كل أم لبنانية أخرى. إن التمييز على مستوى التمني للأمهات هو أساس كريه للتمييز العنصري بين المواطنين، القائم على المذهب أو المنطقة أو القيمة المالية التي ترتبط بالشخص البشري منذ ولادته. وكم من أولاد الفقراء كان أفضل منقذ لوطنه وأفضل حاكم لدولته؟ 

 

إعادة النظر بقانون الانتخاب

لذا يقترح من قاموا بالتعديلات، ومن شهور خلت، ودون أن يُعرف من سيكون رئيسا للبنان، ولا حتى إن كان سيكون هناك رئيس للبنان، بإعادة النظر بقانون الانتخاب، وبالتالي الأحزاب، فتكون الانتخابات النيابية خارج القيد الطائفي والانتخابات المشيَخية حسب القيد الطائفي وبالشكل الذي نص عليه التعديل حرفيا. وعليه يُترك للحزب، أو اتحاد الأحزاب، التي تشكل أكثرية المجلس النيابي المنتخب، أن ترشح هي من تراه مناسبا للرئاسات الأربعة الأساسية. لا بد أنها ستجد نفسها حكما ملتزمة بأعراف على مستوى أنظمتها الداخلية وليس على مستوى الدستور، بأن ترشح لكل رئاسة شخصا من مكون مختلف عن المكونات الثلاث الأخرى وبأن تعدُل مع باقي المكونات على مستوى الوزراء والوظائف الأولى في الدولة التي نص دستور الطائف على توزيعها مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، ولكن هذه المرة من خلال مجلس الخدمة المدنية وليس التنفيعات الإقطاعية والطائفية. 

نعم فخامة الرئيس، قلتم:” ايها الشعب الحبيب، لقد وصلنا الى ساعة الحقيقة. نحن في أزمة حكم يفترض فيها تغيير الأداء السياسي في رؤيتنا لحفظ أمننا وحدودنا”، ومجموعتنا المذكورة أعلاه هي بتصرفكم وهذا ما أكدناه في نص الأسباب الموجبة لهذا التعديل متطلعين إلى رئاسة الجمهورية بالمطلق وليس إلى الشخص الذي سيتبوَّؤها ولا إلى طائفته، لذلك عدّلنا تعديلا صارخا في صلاحيات الرؤساء والمجالس التي يتكوّن منها الحكم، إذ بأي منطق دستوري يصدر مرسومٌ عن مجموعة وليس عن رئيس الدولة؟ بأي منطق يجري “قانون” ويُفعل من دون موافقة رئيس الجمهورية عليه؟ بأي منطق تكون الديمقراطية التوافقية، التي ليست كريهة في الأساس، توافقية على حساب الشعب والدولة والأمة، وليس لصالح الثلاثة، إذ التوافق يعني تخطي الأنانية لصالح الخير العام (لخير الأولاد في العائلة الطبيعية)، لا أن يُضحى بالخير العام لصالح التوافق على تقاسم خيرات الوطن التي هي أساس مدخرات أجياله الصاعدة؟

وإن تمنيتم ما شئناه نحن أيضا لأي رئيس جمهورية كان، ألا وهو ” أن يمارس صلاحيات رئيس الجمهورية كاملة كحَكَم عادل بين المؤسسات هدفه حماية قدسيّة الحريّات الفردية والجماعية التي هي جوهر الكيان اللبناني” لا بد من القبول بتعديل صلاحيات الرئاسات الثلاث التي عملنا عليها وباتت منزّلة تنزيلا، لا يعيّرنا بها أكبر اختصاصيين في الدستور في العالم. أما السلطات وتعاونها فنكاد نقول فيها أنها بنيت على عبقرية قد تجعلها مرجعا تستفيد منها أنظمة أخرى.

 

تاج السلطات وملكتها

ومع هذا نصل إلى تاج السلطات وملكتها ألا وهي السلطة القضائية التي ما أصابها من عار في لبنان، سابقة في تاريخ الديمقراطيات، بخاصة أنها حصلت في بيروت بالذات، أم الشرائع. وعليه نؤكد، وما من جماعتنا أحد يرغب لا بمنفعة ولا بمنصب إلا إذا فرض عليه لخدمة الصالح العام، أننا وضعنا لها التعديلات التي، عندما ذكرتم انتم ما ذكرتموه عن القضاء والعدالة قائلين: ” هي أزمة حكم وحكّام وعدم تطبيق الأنظمة أو سوء تطبيقها وتفسيرها وصياغتها! 

وقلتم أيضا: عهدي أن أعمل مع الحكومة المقبلة على إقرار مشروع قانون جديد لاستقلالية القضاء بشقه العدلي والاداري والمالي وتطوير عمل النيابات العامة وإجراء التشكيلات القضائية على أساس معايير النزاهة والكفاءة وتفعيل هيئة التفتيش القضائي وتبسيط أصول المحاكمات وإصلاح السجون وتسريع البت بالأحكام بما يضمن الحريات والحقوق ويشجع الاستثمارات ويكافح الفساد”، استبقنا نحن وصولكم، فخامة الرئيس، وكأن العناية الإلهية أرادتنا أن نعد لكم الطريق ونناشد أهل القضاء والسلطة القضائية من خلال البنود الخاصة بالسلطة القضائية وسائر السلطات ذات الصلة، باعتماد التعديلات الدستورية اللازمة لتعزيز استقلالية السلطة القضائية لا سيما لجهة ضمانات التعيين في السلك وتلك الملتصقة بالتشكيلات والمناقلات القضائية الشاملة بحيث يجري تقييد صلاحية اصدارها من قبل السلطات الدستورية الأخرى المولجة بذلك إلى  ابعد حدود، هذا  مع الحرص على عدم بروز مراكز قوى داخل القضاء نتيجة الاستمرار اللامتناهي في شغل بعض المناصب القضائية الحساسة. 

ومن جهة أخرى، يقتضي تعزيز صلاحيات المجلس الدستوري لناحية الرقابة على دستورية القوانين، كما ومقتضيات استقلاله كسلطة دستورية عن باقي السلطات لا سيما لناحية آلية تعيين اعضائه. وهذا ما توفقنا إليه أفضل توفيق وفخامتكم تعرف جيدا ما كان عليه وضع المجلس الدستوري. 

وأضفنا وجوب تسهيل وتوضيح آلية الاتهام والإحالة امام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء بما يعزز المساءلة والحد من الإفلات من العقاب عبر حصر اختصاصه من جهة بشكل واضح وتخفيض الأكثرية المطلوبة للاتهام، ممّا يجعل اختصاصه بالتالي معقودًا. (ص. 14)

وأضفنا في ختام الأسباب الموجية للتعديل، لناحية علاقة السلطة القضائية مع بقية السلطات ما يلي:

إن التعديل المقترح للمادة ((20 من الدستور ينطلق من مسلمة أن استقلال القضاء يتحقق ويتعزّز من خلال تحصين قيام القضاة بوظيفتهم عن طريق إزالة أي حدّ أو عائق لسلطانهم القضائي عند فصلهم النزاعات المفروضة عليهم، بمعنى أن الاستقلالية تنحصر بالوظيفة القضائية، أي عند قيام السلطة القضائية بمهماتها، ولا تنسحب على إنشاء هذه السلطة وتدبير أمورها الذاتية أي الأمور التي تتصل بحياة القضاة المهنية كتعيينهم وتشكيلاتهم والتدابير المسلكية الخاصة بهم، إذ تبقى خاضعة لرقابة السلطة التنفيذية وفق ما حدّدته أحكام الدستور مع توفير الضمانات اللازمة لهم في هذا الشأن من خلال تعزيز الهيئات الإدارية التي تسهر على استقلالية القضاء وحسن سير العمل فيه فضلا عن جعل صلاحية السلطة التنفيذية مقيّدة تجاه قرارات هذه الهيئات من نواح عديدة. 

 

مرحلة جديدة من تاريخ لبنان

وننهي مع ما عاهدتم به اللبنانيين، ومنهم مجموعتنا الصغيرة قائلين: 

عهدي الى اللبنانيين أينما كانوا وليسمع العالم كلّه، اليوم تبدأ مرحلة جديدة من تاريخ لبنان، أقسمت فيها امام مجلسكم الكريم وامام الشعب اللبناني يمين الإخلاص للأمة اللبنانية وأن أكون الخادم الاول في الحفاظ على الميثاق، ووثيقة الوفاق الوطني، والتزامي بتطبيقها بما يخدم المصلحة الوطنية العليا. 

وعهدي أن أطعن بدستورية أي قانون يخالف أحكام الدستور وأن أحترم فصل السلطات فأمارس دوري الرقابي عليها بأمانة وموضوعية ومن خلال حقي في رد القوانين والمراسيم التي لا تخدم المصلحة العامة تاركاً لمجلس النواب أو لمجلس الوزراء أن يعيد النظر بها.

عهدي أن أمارس دوري كقائد أعلى للقوات المسلّحة وكرئيس للمجلس الأعلى للدفاع  بحيث اعمل من خلالهما على تأكيد حق الدولة في احتكار حمل السلاح… عهدي أن أدعو الى مناقشة سياسة دفاعية متكاملة كجزء من استراتيجية أمن وطني على المستويات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية بما يمكّن الدولة اللبنانية، أكرّر الدولة اللبنانية، من إزالة الاحتلال الإسرائيلي  ورد عدوانه عن كافة الأراضي اللبنانية. 

نؤكد لكم فخامة الرئيس بأنه حسب الدستور الحالي ستلاحظ الفرق بين قيادة القوات المسلحة كقائد للجيش، وبين المهمّة ذاتها كرئيس للجمهورية. إذ يقول النص الحالي في المادة 49: “رئيس الجمهورية… يرأس المجلس الأعلى للدفاع، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء.”

 وهنا لا بد أن يتم تعديل الدستور كما أعددنا له، بإلغاء جملة “التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء”. فقط عندها يصبح كلامكم ممكن التحقيق. فقد قال المثل: “إن أردت أن تعطّل مشروعا سلمه إلى لجنة، والوزارة لجنة…” وفهمكم كفاية. 

ولكي يثبت ما قلتموه بأن “وحدتنا هي ضمانة مناعتنا وبأن تنوّعنا هو غنى تجربتنا وبأنه آن الأوان لنراهن على لبنان في استثمارنا لعلاقاتنا الخارجية، لا ان نراهن على الخارج في الاستقواء على بعضنا البعض”، لا بد من تنمية روابط الانتماء، بهدف التكاؤن وليس بعد العيش المشترك، انتماء كل مواطن لوطنه لبنان أولا وأخيرا، حتى ولو حمل جنسية ثانية وثالثة، وهذا لشعوره وتثبّته من أنه مساو لأي مواطن آخر في الحقوق والواجبات، وبأن الدولة لا تهمل أولادها لا المقيمين ولا المنتشرين. وهنا يتحوَّل القول الذي تركه المغفور له الرئيس رفيق الحريري على عتبة مجلس الوزراء: ” لو دامت لغيرك، ما آلت إليك” وهذا لكل مواطن ومواطنة وعلى جميع الأصعدة.

 ومع تقديري لما تبقى من بنود خطاب القسم، بالأصالة عني وبالوكالة عن زملائي المذكورة أسماؤهم أعلاه، بخاصة العلاقة مع دول الجوار وبالأخص مع سوريا، أسمح لنفسي بالتوقّع، فخامة الرئيس، بأنه إن لم يتم تعديل الدستور في بداية عهدكم كي تتمكنوا من العمل الجاد دون إعاقات، سيبدو واضحا للعالم أجمع بأن سوريا الصاعدة على أساس عقائدي مذهبي ستسبق لبنان بكثير من الأمور لجهة استعادتها لعافيتها ودورها الإقليمي بينما نستمر في لبنان بالاختلاف على “جنس الملائكة”.  

فإما أن تتمتعوا بعهد صالح وبنّاء منذ بداية عهدكم، ويتمتع بالأمر نفسه كل من  سيأتي بعدكم، أو سيمضي عهدكم بالتحسّر كما حدث لمن سبقوكم ولن يأتي بعدكم من يحقق التعديل ويعيد للبنان سيادته وكرامته.

فقط بدستور المواطنة والعدالة والشفافية الاقتصادية والمالية والضرائبية، والمؤسسات الخدماتية القادرة عل جعل  كل مواطن كريما، وبوطن لا فضل فيه لطائفة على أخرى ولا ميزة لمواطن على آخر إلا بمقدار محبته وأمانته للبنان، يخلص لبنان وتشع رسالته الإنسانية في العالم، فيسرّ الانتشار ويفتخر بوطنه ويصبح مشروع الاغتراب “حاجة مؤقتة”. 

هذا عهد احترام الدستور وبناء الدولة، وتطبيق القوانين، والخدمات الصالحة للمواطنين، واستتباب أمنهم، ووضوح الرؤية لمستقبل أجيالهم… هذا عهد لبنان. هذا عهدكم، وهذا عهدنا لكم.

عشتم وعاش لبنان.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *