أنطون سعاده: الدولة العبريّة تتمة لوعد بلفور واتفاقية سايكس بيكو الجائرين
محمود شريح
ليس في المشرق العربي من هو أُكمل منه عدّة فكريّة نقديّة ولا أدقّ منه رؤية عميقة لواقع بلاده من غزة إلى البصرة، قرني الهلال الخصيب، ولا أجرأ منه في ثبات موقفه ان الحياة وقفة عزّ فقط، فكان مرحلة الحربين العالميتين نبراساً هادياً وزعيماً رائداً إذ الغى الميعان الفردي والفخفخة السياسية من صفوف حزبه السوري القومي الاجتماعي، فمضى وحيداً إلى تخوم قرنِه النظرية السياسية بالممارسة العملية فأحدثَ ثورة فكرية ثم انقلاباً عسكرياً على النظام الطائفي الرجعي السائد ما كلّفه حياته فأطلق صيحته تحيا سورية لحظة انهمرت عليه اثنتا عشرة رصاصة من ثلاث عشرة بندقية فجر الثامن من تموز 1949.
إنه أنطون سعاده الصاعد من الشوير مسقطه إلى برمّانا مدرسته النازل منها إلى فرير القاهرة فالمُبحر إلى أميركة فالبرازيل العائد إلى دمشق ليحرّر صحيفته الأيام فبيروت ليؤسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي فكان مشرّعَه وواضعَ دستوره رافعاً بيرق الزوبعة بأجنحتها الأربعة (الحريّة؛ النظام؛ الواجب؛ القوة) وداعياً إلى وحدة بلاد الشام تحت لواء العلمانية، المنفيّ قسراً إلى الأرجنتين لعقد مُرسلاً من بونس آيرس بيان الأوّل من آذار 1939 القائل بأن الأحزاب الدينية ستودي بالأُمّة السورية إلى التهلكة، وها نحن شارفنا عليها، العائد إلى بيروت عبر القاهرة يوم 2 آذار 1947 رأساً من مطار بير حسن إلى شرفة نعمة تابت في الغبيري ليعلن أمام آلاف مستقبليه بطلان النّظام الفاسد، الملتجىء إلى بشامون إثر صدور مذكرة باعتقاله إثر إلقاء خطابه، ومن الشوير أعاد رصّ صفوف حزبه وأحيا الندوة الثقافية في بيروت في محاضراته العشر، فما أن سقطت فلسطين حتى دعا إلى الكفاح المسلّح وأعلن أنّ قيام الدولة العبريّة تتمة لوعد بلفور واتفاقية سايكس بيكو الجائرين وكان رأى فيهما منذ 1925 الطامة الكبرى التي نزلت على الأُمّة السوريّة.
عاش سنواته الخمسة والأربعين القصيرة على ظهر هذه البسيطة التي لم تُسوَّ أصلاً له، فأورث أهل بلاد الشام ذخراً عقائدياً، هو القائل في خطاب له في أميون الكورة عام 1937 إثر خروجه من السجن،
إن العالم قد شهد في هذه البلاد
أدياناً تهبط إلى الأرض من السماء،
أما اليوم فيرى ديناً جديداً من الأرض
رافعاً النفوس بزوبعة حمراء إلى السماء.