نظرية الحِياد في لبنان والتطبيق المستحيل

Views: 529

العميد الركن المتقاعد صلاح جانبين

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الحِياد وضرورته في لبنان، وكلما لاح في الأفق بصيصُ ضوءٍ أو بريقُ أمل، أو على رأي المثل القائل:” كلما دقَّ الكوز بالجرة”. ولبنان هذا، بلد الطوائف والمذاهب التي تغنّى اللبنانيّون بنعمتها على مرّ التاريخ، وبلد الأحزاب والتيارات التي تميّزت بانقساماتها وتعدد ولاءاتها، بلد الثقافات والحضارات، بلد الارتباطات والتناقضات والصراعات والاختلافات فيما بين الأطراف، حتى قيل أيضاً في لبنان، تُحاك له المؤامرات وأرضه خصبة، كما وشعبه مِطواع يمكن قولبته بين أيدي الحائكين والمخطِّطين والمنفِّذين، لكثرة المطبّلين منهم والدائرين في حلقات كما تُدار لهم يدورون، وعلى أنغامها يرقصون.

والحِيادُ في اللغة العربية، هو عدَمُ الميْل أو الانحياز إِلى أي طرفٍ من أَطرافِ الخُصومة.

وفي السياسة يقوم على عدم الانحياز إلى أي محور من المحاور المتصارعة إقليميّاً أو دوليّاً. وفي جميع الأحوال يكون الحِياد في الامتناع عن اتخاذ موقف مع طرف ضد الآخر أثناء الحروب، كما الإحجام عن الدخول في المجادلات، بخاصة ذات الطابع السياسي أو الديني.

وفي القانون الدولي، يعتري الحِياد الكثير من الُّلبس والغموض لناحية مفهومه واستقلالية دوره تحت تأثير ورغبات الدول المسيطرة لاعتماده. كما يُعرَّف بأنه التزام تقطعه الدولة على نفسها بعدم التدخل في الشؤون الدولية، وبذلك تتمتّع تلك الدولة بمجموعة من الحقوق ويُلقى على عاتقها مجموعة من الواجبات، وينتهي هذا الالتزام بانتهاء حالة الحياد.

وحتى تُطبّق الحِيادية في بلد ما، يجب على المُحايد أو من يطلب الحِياد التقيّد بشروطها ومبادئها، التي تتمثّل بالعناصر التالية:

–           التمتّع بثقة الجميع في كافة المواقف المتَّخذة، أكانت سياسية أو اقتصادية أو عسكرية.

–           عدم التحيّز لأي طرف من الأطراف في كل النزاعات.

–           عدم الدخول في أي نزاع سياسي، أو ديني، أو …

كما يفرض الحِياد على المحايدين عدم التصرّف بأي طريقة يمكنها أن تُسهّل لأحد أطراف النزاع القيام باعتداءات وانتهاكات وارتكابات، على اختلافها كفرض العقوبات والحصار والتجويع، من خلال التصريحات اليومية كإظهار التعاطف تجاه أحد الشخصيات السياسية أو الاقتصادية أو المالية، أو التعاطف مع إحدى الدول لما يؤثّر سلباً على مبدأ الحِياد وشروطه.

أما موقع لبنان الجغرافي في محيطه العربي، وعلاقاته الطبيعية مع الدول كافة بخاصة العربية، وتشابك العلاقات الدولية، أدى إلى ارتياح وتسهيل كبير في كثير من الأمور، وإلى تعقيدات كثيرة من التعاون في ظلِّ الصراعات والحروب، والاصطفافات والانقسامات القائمة في المنطقة، تبعاً لتعدّد واختلاف المصالح الدولية وغياب العدالة وضعف المنظَّمات الراعية، وإزدواجية في الرُؤى، وعدم توحيد المعايير، ما أنتج ظلماً كبيراً لشعوبنا العربية الفقيرة، واحتلالاً وقضماً مستمراً لأراضيها، ولحقوقها المشروعة، وتدميراً لبناها التحتية، وتنكيلاً لأهلها في فلسطين والجولان ولبنان من قبل العدو الإسرائيلي على مرِّ السنين، بدءاً من حرب 1948على فلسطين، وحرب 1956 على مصر، وحرب 1967 على مصر وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين، اجتياح لبنان 1982، اعتداءاته على لبنان سنة 1992و 1996 وما بينها، وصولاً إلى حرب 2006 المدمِّرة للبنان من دون رادع دولي لأعماله العدوانية وعدم تطبيقه لقرارات الشرعية الدولية، كلّها أرغمت لبنان على وقوعه في قلب الصراعات القائمة وعدم تحييده عنها. لذلك فإنَّ موقع لبنان الحِيادي يُمكن تحديده بالإجابة على التساؤلات التالية: 

هل أحزاب لبنان وحركاته وتياراته موحّدة حول قضية الحِياد، أو أنَّ المنظِّرين له يتعرّضون للانتقاد الدائم؟  وهل هي موحّدة في الأصل حول قضايا الصراع في المنطقة؟

هل هناك فريق من اللبنانيين لم ينحاز لطرف خارجي؟ وهل أنَّ أحداً منهم لم يدخل في نزاع سياسي، أو عقائدي مع الآخر؟

وهل حُيِّد لبنان عن الصراعات المحيطة به حتى نطالب بتحييده عنها؟ وهل الحِياد ممكناً في ظل النزوح السوري إلى لبنان؟ وهل يمكن تحييد لبنان عن القضية الفلسطينية في ظلِّ عدم اعتراف العدو الإسرائيلي بحق عودة الفلسطينيين إلى أرضهم المحتلّة وتوطينهم في محل إقاماتهم؟ وهل طُبِّقت قرارات الشرعية الدولية وغيرها من القرارات المتعلّقة بالانسحاب من الأراضي التي احتلّها العدو الإسرائيلي في لبنان وفلسطين والجولان السوري (194،242،425)، حتى يُحيَّد لبنان؟ أليس لبنان في قلب الصراع، وغير بعيد عن الصفقات والمؤامرات التي تحاك له؟

أخيراً، هل الذين يُطالبون بلبنان الحِياد، يتمتّعون بثقة الجميع؟ وهل من جهة سياسية قادرة على اتخاذ قرارات يقف وراءها جميع اللبنانيين؟

من هنا يبقى واقع الحِيادية في لبنان أقرب إلى المستحيل.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *