المفكر العربي علي الشرفاء الحمادي: تبادل التهاني بالأعياد بين أبناء الديانات ليس حرامًا!
د. جورج طراد
انتهت مرحلة الأعياد الدينية عند المسيحيين والمسلمين، وقد تزامن الصومان هذه السنة في لقاء لا يحدث إلا قليلا. كذلك تقارب عيد الفطر السعيد وعيد الفصح المبارك فعاش العالم العربي روحانية سامية كم نحن بحاجة إلى دفئها في هذه الأزمنة الصعبة!
لكن، وهذه السنة ايضا، ارتفعت أصوات غير بريئة تحرّم ان يقوم أبناء هذه الديانة بتهنئة مواطنيهم من أبناء الديانة الأخرى بالأعياد. لا بل وصل الأمر ببعض هذه الأصوات إلى حدّ تكفير “من يرتكب مثل هذه المعصية” مؤكدين ان مصيره هو النار!
غير أن ثمة أصواتا أخرى، عقلانيّة وناضجة وعميقة، تنبري لحسن الحظ من أجل تصويب الأمور وتنقيتها من التفسيرات المغلوطة التي تحرّم تبادل التهاني وتكفّر من يقوم به.
من هذه الأصوات المطمْئِنة صوت المفكر العربي علي الشرفاء الحمادي الذي لا يفرّق بين الأديان طالما أنها جميعا تتطلّع إلى إله واحد وتسعى إلى ان تقوم بكل ما يرضيه، وتنفّذ تعاليمه، وليس تعاليم المفسّرين الذين يستغلون الدين لأغراض خاصة ولمصالح ذاتيّة. وهذا من شأنه أن يقرّب الناس من بعضهم ويمتّن الوحدة والتقارب بينهم.
إن أصواتا مثل صوت علي الشرفا تبشّر بأن الأمّة لا تزال بخير طالما هي تُعْمِل الحكمة من دون المساس بأسس الشريعة. وهذا يعني ان المستقبل سيكون مشرقًا حتى ولو بدا الآن وكأنه غارق في عتمة دامسة!
هذه الأفكار البنّاءة والجامعة كان المفكر علي الشرفاء الحمادي قد وضعها في دراسة بالغة الأهمية نعيد، هنا، نشر أبرز ما جاء فيها:
أمن وسلام ومحبة وتعاون
أولًا لم يمنح الله أي إنسان حق التشريع في جميع الأديان، بل دعوة الله للناس جميعاً أن يعيشوا في الحياة الدنيا في أمن وسلام ومحبة وتعاون على البر والتقوى، ونهى الله سبحانه عن التعاون على الإثم والعدوان.
“وكل الموروث والتقاليد البالية لدى المسلمين لا تمت بصلة لرسالة رب العالمين، رسالة الرحمة والتسامح والمحبة والتسابق في الخيرات ومحاربة الكراهية والأحقاد والكبرياء والتعالي على الناس، فكل الناس سواسية أمام الله وأمام القانون، فلا ميزة لقوم على غيرهم، والله بواسطة رسوله عليه السلام بين لهم أنهم جميعاً إخوة في الخلق، كما وضحه في الكتاب المبين قول الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ) النساء (١).
فنحن أشقاء في الخلق، أمرنا الله سبحانه بنشر السلام والتعاون في ما بين الناس جميعاً في أمره سبحانه للناس جميعاً بقوله: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ) المائدة (٢).
ودعا الله كل الناس للدخول في السلم كافة في تشريعاته بقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) البقرة (٢٠٨).
وهذا التشريع والأمر الإلهي للناس جميعاً يحذر الناس أن كل من يدعو للكراهية من الناس جميعاً لقد اتبع خطوات الشيطان، وقد كلف الله رسوله عليه السلام بإبلاغ الناس بأمره سبحانه: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا) الإسراء (٥٣).
كما أمر الله سبحانه الناس جميعاً بإفشاء السلام في قوله بما نطق عنه رسول الله: (وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا) النساء (٨٦).
قواعد سلوك المسلم
لقد وضع الله في كتابه الكريم قواعد لسلوك المسلم، ومن يخالف تلك القواعد الأساسية في معاملة المسلم من الناس فقد نقض عهده مع الله ولم تعد له صلة بالإسلام، فالإسلام نظام اجتماعي وقواعد للسلوك والمعاملات يستهدف أن يعيش الناس جميعاً في مجتمعاتهم إخوة متحابين ومتعاونين يحترم بعضهم بعضاً ويدافع كل منهم عن حق الإنسان في اختيار دينه ومذهبه ونمط حياته، فالله خلق الناس أحرارًا، فلم يعين وصيًّا ليراقب الناس في أديانهم ويفتش عليهم في أداء شعائرهم.
ألم يحترموا التشريع الإلهي الذي وضعه الله للناس في آيات القرآن الكريم ومنح كل الناس الحرية المطلقة في اختيار الدين الذي يرتضونه، حيث تظل تلك العلاقة علاقة فردية بين الله وبين الإنسان، ونهى الله سبحانه أن يتدخل أيّ كان في عبادة الآخرين، فكل إنسان مسؤول عن نفسه أمام الله!
وقد وضع الله تشريعاً لحرية الاختيار للناس في أديانهم ومذاهبهم في قوله سبحانه الذي بلغه الرسول للناس أمر ربهم: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) الكهف (٢٩).
صلاحية التشريع في التحليل والتحريم
حتى الرسول عليه السلام عرَّفه الله بمهمته في حمل الرسالة، فخاطبه ربه بقوله سبحانه: (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ ۖ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ۚ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا) الإسراء (٥٤).
فإذا كان الله لم يعطِ رسوله حق الوكالة على الناس في اختيار دينهم، لتظل العلاقة بينهم وبين الله مباشرة دون وسيط من الأحبار أو القساوسة أو شيوخ الدين، فالله أقرب للناس من حبل الوريد، ويعلم ما في السماوات والأرض، ولا يحتاج لوكلاء ينوبون عنه على الناس في الأرض، أو وكلاء مُكلَّفون بمراقبة عبادتهم، وأوصياء من الله على عباده، فليتوقف كل الذين نصَّبوا أنفسهم حماةً للأديان ووسطاء عند الله كلما احتاج الناس للتواصل مع ربهم، في الوقت الذي يدعو الله سبحانه كل الناس مخاطباً رسوله ليبلغهم بقول الله: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقره ( ١٨٦).
كما أن الله سبحانه لم يمنح الرسل والأنبياء صلاحية التشريع في التحليل والتحريم في كل ما يتعلق بالرسالات التي أرسلها الله سبحانه للناس من نوح إلى محمد خاتم الانبياء والمرسلين، وقد حذَّر الله سبحانه كل الناس بعدم التدخُّل في تشريعاته بقوله: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) النحل (١١٦).
فالذين يحرمون التهنئة للإخوة المسيحيين في أعيادهم المختلفة إنهم يخالفون التشريع الإلهي الذي يدعو الناس جميعاً لنشر السلام والتسامح والتراحم فيما بينهم، والتعاون لما يحقق مصلحة الناس في مجتمعاتهم، ليحقق لهم الأمن والسلام والحياة الطيبة… .لقد وصف الله سبحانه أولئك الذين تجرأوا على أن يشرعوا كذباً ويفتروا على الله؛ حين يفتون فتاوى شيطانية بالتحريم تسبب الفتن والقلاقل والصدام في المجتمعات الإنسانية ولا بد من فهم رسالة الإسلام أنها رسالة سلام لكل الناس، يعلوها أحد أسماء الله الحسنى (السلام)، ولذلك فإن كنا مسلمين حقاً علينا التمسك بكتاب الله وآياته التي تدعو الناس جميعاً لكي يعيشوا حياتهم في أمن وسلام.