“القوميّة الاجتماعية والتّحديات: قراءة في فكر ومواقف أنطون سعاده: فلسطين والعروبة وبناء الدولة” جديد توفيق مهنا عن دار نلسن
محمود شريح
الأُستاذ توفيق مهنّا، الأمين في الحزب السوري القومي الاجتماعي، في جديده القوميّة الاجتماعية والتّحديات: قراءة في فكر ومواقف أنطون سعاده: فلسطين والعروبة وبناء الدولة (دار نلسن، 2025، في 222 صفحة من القطع الوسط) يضع أنطون سعاده، مؤسّس الحزب القومي ومشرّعه وواضع دستوره، في إطاره الصحيح في مسار التاريخ الحديث لبلاد الشام، فيرى أن سعاده وعى بداية خطر مؤامرة معاهدة سايكس – بيكو على أمّته عام 1916 التي جزّأت بلاده لتبْقى أداة طيّعة في خدمة الاستعمار، وأدرك خطر وعد بلفور عام 1917 وتلازم مخطط التهويد لفلسطين مع التجزئة القوميّة الاستعمارية لبلاده. وكشف عن ترابط المصالح الاستعمارية، تجزئة وتهويداً، مع مخطط الحركة الصهيونيّة منذ مؤتمر بال 1897 بهدف إقامة الدولة اليهودية في فلسطين، وتنبّه لخطر الهجرة اليهودية المتدفّقة في كنف الاستعمار البريطاني وإلى أن هذا الخطر لا يقتصر على فلسطين فحسب، بل يشمل كل كيانات سورية الطبيعية احتلالاً وسيطرة على العالم العربي بأسره. ووعى، ومنذ عشرينات القرن الماضي، هذه التحدّيات والأخطار، وفي الوقت نفسه، أدرك عدم وجود جهة قوميّة، أنظمة أو حركات، تأخذ على مسؤوليّتها العمل لإزالتها، وتفاقمها ونفاذها. وفي كلّ هذا يرى الأمين مهنّا فرادة إبداع سعاده واستشرافه.
ويلحُّ الأمين مهنّا على أن أنطون سعاده يتبوّأ موقع الصدارة، دون منازع، في انشغاله الكامل في بعث نهضة سورية قوميّة اجتماعيّة، محورها العمل لتحقيق السيادة القوميّة، لأمّته السورية على كامل أرضها وثرواتها ومواردها، واستقلالها عن أيّة قضيّة أخرى، إذ أوضح، بشكل لا لبسَ، في رسالته من سجن الرمل المركزي إلى حميد فرنجية عام 1936 وفي مبادىء الحزب، الذي أسّسه عام 1932، أنّ فقدان الوعي القومي، وضياع هويّة الأُمّة، هما السّبب الرئيس لضياع وخسارة الوحدة، والهويّة، والثروات، وإنّ هذا المنظور القومي ميّز سعاده عن كلّ القادة والمفكّرين والعاملين في الشأن العام، وفي عمق هذا الإدراك المبكر والاستشرافي تفرّد في معالجة كافّة جوانب القضيّة القوميّة، وفي طليعتها مسألة فلسطين. وأنّ ما أهّل أنطون سعاده، ليتبوّأ موقع الصدارة، دون منازع في هذا المجال، إدراكه تلازم التجزئة الاستعماريّة في مؤامرة سايكس – بيكو، مع وعد بلفور – تهويد فلسطين وإدراكه أن فلسطين، وهي جزء من أمّته السوريّة، لا يقتصر الخطر اليهودي عليها، بل على كيانات الأمّة السورية، مؤسساً بذلك لـ : “قوميّة المعركة“، مُكبّراً مقاومة الفلسطينيين في فلسطين عام 1922، وما عُرف بحوادث عكّا، وتصدّيهم للهجرة – اليهودية. إلا أنّه اعتبر “أن جهاد الشعب الفلسطيني منفرداً”، لا يكفي لصدّ هذه الهجرة التي تقف وراءها دول عُظمى وأساطيل.
يردّنا الأستاذ مهنّا إلى مقالة سعاده الشهيرة: “القضية القومية الصهيونية” عام 1925، فيجد أنها، دون مبالغة، أوّل مطالعة فكريّة وسياسيّة وتنظيميّة، تناولت مشروع الحركة الصهيونيّة وأهدافها، ووسائلها، وتنظيمها، ومنطلقاتها، ومن يقف وراءها، وانّها بحقّ، تدلّ على رؤية ثاقبة إذ لم يسبقه أو يجاريه أحد في رصد هذه الحركة وما ترمي إليه، فهذه المقالة التحليليّة، دحضت كلّ مزاعم الحركة الصهيونيّة. وألحّت على أنّ وراء الحركة الصهيونيّة بريطانية، تعضدها، في وعد بلفور، والهجرة المنظّمة، وعلى المسلك ذاته سارت الولايات المتحدة الأميركية. مما دفع سعاده أن يكتب مقالته الشهيرة: “سقوط الولايات المتحدة من عالم الإنساني الأدبي” عندما وافق الكونغرس الأميركي عام 1924 على معاهدة سايكس – بيكو ووعد بلفور.
واعتبر أن الحركة الصهيونية قوّة منظّمة، لا يضع حدّاً لمشروعها الخطب، بل القوّة التي هي القوّة الفصل في إثبات الحق القومي أو إنكاره، لذا، أشار إلى أنّه كان يجب أن يوجد فدائي واحد يغتال بلفور أثناء زيارته إلى سوريا عام 1925، لتدخل مسألة فلسطين في طور جديد، أي بالكفاح المسلّح وحده تنتصر، وهو بجدارة رائد الدعوة إلى الكفاح المسلّح.
وفي رسالته إلى لويد جورج عام 1931، يواجهه سعاده قائلاً: “إنّ أموراً عظيمة – أمور عظيمة جداً – ستترتّب على هذه المحاولة الآثمة التي لم يعرف التاريخ محاولة أخرى تضاهيها في الإثم، إني أطمئنكم أن نتائجها لن تقتصر على فلسطين بل ستتناول العالم أجمع، إن عظتها البالغة لن تكون لبني إسرائيل بل لجميع بني الإنسان”.
في تقديمه إلى مبحث الأمين مهنّا يرى د. عصام نعمان أن الأستاذ مهنّا في سرديّته المسهبة، توخّى أن يكون هادئاً ومنطقيّاً، وحريصاً أيضاً على أن يكون موضوعيّاً في شرح أطروحات العقيدة القوميّة والمناهج التي اقترحها أنطون سعاده لتحقيق الأهداف القوميّة والإصلاحيّة المرتجاة.
وفي مقدّمته إلى مبحث الأمين مهنّا يشير الأستاذ ميلاد السبعلي، رئيس مؤسّسة سعاده للثقافة، إلى أساس المبحث: المسألة الفلسطينية، فيرى أن فلسطين تمثّل المحور الأساسي لقضيّة الأمّة السورية، بالنسبة للأمين مهنّا، كما كان الحال بالنسبة لسعاده، فإنّ فلسطين ليست فقط مسألة أرض وشعب، بل هي رمز للكرامة القوميّة ونقطة ارتكاز للوعي والنضال.
مبحث الأمين مهنّا دراسة مرجعيّة في فكر سعاده القومي وركيزته فلسطين.