يا “صورة” في خيالي
د. جان توما
غريبٌ أمر “الصّورة” في العقل الإنساني أو في حسّه الشّعوري، إذ كيف يستحضرُ المرءُ من عدستي عينيه صورًا مررتها له وسائل الإعلام المرئي، أو مؤثرات الفنّ السّابع السينمائي لترسخ في خزانة خلفيّة عنده في مطرح ما.
في الآونة الأخيرة ، وما زلت، أرسم في خيالي لوحات فنّية من وحي أغاني فيروز كما في غنائها مثلًا من كلمات الأخوين رحباني وألحانهما: “ما في حدا لا تندهي/ عتم وطريق وطير طاير ع الهدا/ بابُن مسكر والعشب غطّى الدراج/ شو قولكم صاروا صدى”.
فجأة ترسم لحالك لوحة لابسة ثوبًا طبيعيًّا باللون الأسود ودربًا متعرجًا يقود إلى درج بعباءة من عشب مهجور.
أمّا في زمن “الفيديو- كليب” المعلّب والمجهّز فترتبط في خزانة أخيلتك معاني الكلمات بالصورة التي تقدّمها لك رؤية المخرج أو جيب المنتج. فإذا استمعت إلى أغنية توليفية تستحضر فجأة المشهدية التي رأتها عيناك في تكرار للوحات مستهلكة تلفزيونيًّا. (https://progressivedentalmn.com/)
هذه الصّورة المعدّة المسبقة الّتي تصبح في خيالك شريطًا تستدعيه عند سماعك كلمات الأغنية فتتلوّى المطربة أمامك مع فتياتها وفتيانها المغناجين، تمامًا كما في الفيلم المصوّر ، “الفيديو كليب”، وتفقد الإحساس بالإبداع لمصلحة عدستي عينيك اللتين سجّلتا وحفظتا وأرشفتا واستحضرتا المعلّبات الفنّية والمؤثرات.
هذا ما أثارني حين دعانا قبطان الباخرة السياحيّة إلى السباحة قرب شلال في مدينة أنطاليا التركية يصبّ في البحر. تأخّرت في النزول وكان قد سبقني عشرات السيّاح الذين ما إن لمحتهم في البحر مرتدين سترات النجاة حتى انفتحت خزانة أرشيف خيالاتي فكأنّي في حادثة غرق سفينة” التيتانيك” كما في المؤثرات الفنّية للفيلم، هذا ينادي وذاك “يطبش” بالماء .
تكرّر المشهد السينمائي ولعلّه صار لصيق ذاكراتنا طالما تأثّرنا به وانفعلنا شعوريًّا ولا شعوريًّا بهذه الحادثة التي ما كانت لتدخل خزائن الذاكرة المسجّلة والمعلّبة والجاهزة لولا الفيلم الناجح عنها.
وحدهما غابا عن مشهدية سباحة السائحين أمام الشّلال على شاطىء البحر: “جاك” و”روز” بطلا الفيلم وهما الباقيان ، على كلّ حال في مشاعرنا من خيالات المخرج.