سجلوا عندكم

عِشقُ دجاجةٍ من الرّيف      

Views: 50

جوزيف مهنا

جاء الحامِلُ السَّيْفَ، نقولُها تَحبُّبًا في أَوْبَةِ عَيّاضَ من المرعى مزدهيًا، مع قطيعِ ضَأْنِهِ، متنكِّبًا عصاهُ الّتي تَنَسَّبَ لها جِرابٌ دُسَّ فيه زادُ يومٍ طويلٍ، قلّما انقطعتْ وسائلُهُ عن مشارِبِه. 

إنّ الثوبَ مَخِيطٌ بيَدِ مُصمِّمٍ بَريع!

حتّى إذا أَغرَقْتَ وأَمعَنْتَ في البحثِ والتّنقيبِ والتّنقيرِ، بَلَوْتَ سِرَّ ما استُبهِمَتْ عليه الوَفْضَةُ(1) وعلَّلَتْكَ باللّذائِذِ من أطيابِ الرِّيفِ ولُزوميّاتِه:

  • رأسُ بندورةٍ تَشَقَّقَ عافيةً، ماسِكُ رَحِمٍ في الأَعمامِ والخُؤولةِ إلى أَشتالِ حديقةِ أَبي سامِر. 
  • بعضُ حُبّانِ الزيتونِ الخِلاسيّةِ اللَّونِ، الهجينةِ القشرةِ، تنِزُّ الزّيتَ من نَعْمائِها، فكأنّما قد فاضَ النُّورُ من أيقونَةِ قِدِّيسٍ مَدَّ للأريحيّةِ باعا.
  • بَصَلَةٌ بيضاءُ تعتزي في قِنَّارِها(2) إلى مَسْكَبَةِ(3) أُمِّ خليلٍ، لا تُخالِطُها شُبهةٌ، ولا تَعتَريها لُبسَةٌ في رَساخةٍ محتِدٍ، ومَكرُمَةِ أُحدوثَةٍ، ومأثورِ محامِد. تَزْعَمُ أمُّ خليلٍ تَعَزُّزًا وتَشَرُّفًا أَنّها تأثّلَتْ من أَكّارٍ مَغربيٍّ عَهْدَ الازدِراعاتِ الصُغرى في لأْلاءِ قُرانا، على سُنّةِ “البيْتِ الـمَكْفي سلطان مَخفي”. راياتٌ مُمَنَّعَةٌ، مَيِّهَةٌ تَتَهيّأُ من أَيادِيْهِنَّ المباركةِ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، مطالِعَ ضِياءِ وشالاتِ حَرير! (lakeforestgc.com)  
  • ثلاثُ بُيوضٍ مسلوقةٍ من دجاجتِهِ الرَصاصيّةِ، الّتي في قَدِّها مَشْقٌ تُكَوْكِبُهُ غريزةٌ حشيمةٌ، وخَفارةُ عُرْفٍ أَحْيا من كَعابٍ تَزْوَرُّ خَجَلاً كلّما داعبَ النَسيمُ أرياشَها السبيلةَ، وروعَةَ المحاسِر. وإنها لَتَعْثُرُ في نُقْلِها إذا خَفَقَتْ ببالِها رياحُ ذلك الديكِ الأحمرِ الماجِنِ بِعُفْرَتِهِ المغايِرَةِ، وقد تمسَّحَ بها مرّةً وأفْضى إليها بِعَظيْمَةٍ لا يَجوزُ أن تُحكى وتُعْلَنَ بالزِّمارةِ والدُّفُوف.

ومِن مَرْويّاتِ عَيَّاضَ عن دجاجتهِ أنّ ديكَ أُمِّ شاهينٍ، وهو  خِدْنُ هوًى، وطِلْبُ حِسانٍ اعتَلَقَها وصبا إليها، فتلبَّسَ حُبُّهُ بدمِها، وملأ عليها في سِفادِهِ السَّهلَ والجبلَ، ففرَّجَ مَضايِقَ قلبِها، ودَخَلتْ معه في الأمَنَةِ بأفسحِ ما فتحَ الوجدُ والحُرقَةُ في الوادي من مُدوَّناتِ النَواقيس. 

وما نَسِيَ قطعًا أنّها رجَعَتْ مرّةً من بعضِ المنازِهِ في الجوارِ هَلْكى  يترَقْرَقُ الطِّيبُ في ريشِها، مترنّحةً من فَتْقِ عِشْقٍ، وأَخلَدَتْ إلى خُمِّها سَكْرى تَغِطُّ في سُباتٍ عميق. 

منذئذٍ كَلِفَ عَيّاضُ بالبَيْضِ، واستَوْجَفَ فؤادَهُ الوَلَهُ بالرّاعيةِ البدويّةِ “خضراءَ” ذاتِ الطَفالةِ والبَضاضَةِ، والمجَسِّ اللَّدْنِ الرّطيب!

 

***

ويَزْلُقُ القمرُ على روائِحِ السَوْسَنِ والصّعْتَرِ والـمَرْدقوشِ تتطايرُ من عُبِّ خضراءَ، مُتَطاوِلاً نحْوَكَ بجُمّاعِهِ بِعينَيْنِ ثَنْتَيْنِ زهرةَ بزَهرةٍ، وتَهضِبُ حولك الشَّمسُ كأنّها الشُّعلَةُ في ضجَّةِ الأفراحِ والتِعاجِ الخواطِرِ، وثِوارِ البراكين. 

فما ظنُّكَ يا صاحِ أين يَطْلُعُ الصُّبحُ على الأُقحُوانِ المفلَّجِ، وكيف يكونُ الضّريمُ إذا وافى المستهامَ بساطُ الرّيح؟!

 

***

وتبقِيْنَ “يا (خضرائي) أبدًا رنّةَ أقلامي، وكيمياءَ أحرُفي وجَوايَ في هذا الكونِ العَصيب! 

أَنْ تحمِليني على جادَّتِكِ،

وأتَسوَّمَ بِسيْماكِ، 

فقد وسعَني منكِ في هواجسي 

الزّهرُ ثمرُهُ، والبلبلُ غَرادَتُهُ! 

وهاتِ يا ليالي قَمْراءَ ضَوْعَ الياسمين!

ــــــــــــــ

  1. الجراب المزادة
  2. أصلها
  3. مشتل صغير
Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *