سجلوا عندكم

من الأزقة إلى العالم

Views: 1219

د.  جان توما

كنت أتساءل دائما كيف يخرج كبار من هذه الأزقة القديمة الضيّقة إلى ساحات العالم الواسعة الرحبة؟ أيمكن القول إنّ الساكن في هذه المتعرجّات يحمل أحلامه في عينيه كما حمل المهاجر “الكشّة” على ظهره متنقّلًا بين البلدات والدساكر ليحقّق حلمه بالثروة.

في شقوق حجارة البيوت، هذه المشغولة باليدين الطافرة فيهما شرايين العمر، كم من عاشق وضع فيها شيئا من حبّه لتلك القابعة عند الشرفة ترمقه بعينين من الشوق اليتيم؟ وأعرف يقينا أن بعض رفاقي درسوا على ضوء “البلدية” ليلًا إذ لم تكن الكهرباء قد تر بّعت سعيدة يومها في كلّ بيوت مدينتي البحريّة، والمحظوظ من كان يمتّع عينيه برقص ” الفتيل” في قناديل الكاز أو الاسبيرتو.

حين مدّ خطّ القطار بين طرابلس وبيروت وزحلة، كان طلاب القرى الساحلية يدرسون وهم يسيرون على الخط، روحة ومجيئا، فوصلوا إلى المحطات التي يرجونها، فيما ضاعت عربات القطار وراحت أحلامها مع سرقة الخطوط، وقيام الأبنية، وضاع الحلم بمواصلات سكك حديدية.

من هنا، من  هذه الأزقة البحرية في المدن الساحليّة التي ما سمع أهلها  إلّا تلاطم الموج على الشاطىء، وصفير بواخر الشحن، أو ضربات مجاذيف المراكب الصغيرة على سطح المياه، من هنا خرج كثيرون ضاعوا في القارات الخمس، وانقطعت أخبارهم، ولم يبق إلّا ما كتبوه على هذه الجدران قبل أن ترمّم وتمضي الأشياء إلى عالم النسيان.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *