باريز

Views: 734

د. جان توما

هل خطر ببال غوستاف إيفل (١٨٣٢-١٩٢٣) أنّ الخردة الحديدية التي رفعها قرب نهر السين بارتفاع ٣٢٤ مترًا  ستصبح معجزة فنّية ونقطة استقطاب سياحيّة عالميّة؟

هل خطر ببال غوستاف أنّ هذا البرج الذي نصبه وفق مقاييس هندسيّة دقيقة لمناسبة المعرض الدولي لباريس، عام ١٨٨٧ ليكتمل في عام ١٨٨٩ سيزوره 7 ملايين زائر سنويًا؟

ماذا تقول هذه الملايين التي رفعت رؤوسها للقطة كاملة لعلوّ هذا البرج في هذا المرتفع الحديدي؟بل ماذا قالت الشعوب الأخرى حين وقفت هنا؟ ابتسم انت في “باريز” هنا كما أسماها الطلاب العرب دارسو العلوم التاريخيّة والجغرافيّة والسياسيّة والاجتماعيّة وكما أوضح رفاعة رافع الطهطاوي في كتابه:” تلخيص الإبريز في باريز” الصادر عام ١٨٣٤.

“باريز” هذه ببرجها وساحاتها وشعابها ما زالت “مربط خيلنا” وموئلا لطالبي العلم. هذه ” باريز” في القارة العجوز محافظة على جاذبيتها في شوق زيارتها واكتشاف معالمها الفنّية والسياحية، إضافة إلى انتشار المطاعم اللبنانية والحضور العربي. هي المدينة الساحرة التي تبدو كالمدينة التواصليّة تتنقل فيها سيرًا على الأقدام وسط مجموعة من الحدائق التي ترتاح فيها وسط وسائل راحة واستراحة لتغور في أحيائها القديمة متأملًا بنيانها العمراني وحضورها الإنساني.

ماذا لو عاد غوستاف إلى عمله الحديدي؟ هل كان ليوافق على ما تمّ زيادته لمراعاة متطلّبات السياحة من مصاعد ومطاعم وساحة تزلج؟ أم كان صمت كالحديد الدي رفعه وحمل اسمه ليطبق الآفاق؟لم يعد برج ايفل مصنوعًا من حديد، بل من وقفة عاشقين تحته، ومتزلجين على الثلج في طابقه الأول، وواقفين متأملين في باريس من على شرفة طابقه الأخير، ومتسكعين في ساحاته المحيطة. صار ” إيفل” رسالة بأنّ الفنّ البشع حديدًا قادر بالتقنيات الحديثة أن يصير مركز استقطاب وشهادة كما في إضاءته ليلًا لتوجيه رسالة تأييد أو موقف لكلّ الكون. غوستاف ايفل صنع ما كان محلّيا، لكنّ عمله، بالصيانة والاستثمار والعقل الإعلاني الإعلامي الخدماتي السياحي، صار عالميًّا.

وعنّا للمهتمين بمراكزنا السياحيّة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *