قزمٌ في بلادِ العمالقة

Views: 1320

د. كارولينا الخوري عبود البعيني

نروي أن قزمًا استفاقَ في ليلٍ، فوجدَ نفسَه في بلادٍ غريبة. ترقّبَ الصُّبحَ استطلاعًا عن ماهيةِ تلكَ البلاد. وما إن تَجَمْهَرَ الضوءُ واكتنزَتِ الرؤيةُ حتى تخفّى القزمُ وبادرَ يستكشف…

أوّلُ ما علقَ في نظرِه كان رسمُ أقدامٍ تفوقُ حجمَه بأضعاف. ولِحِدّةِ ذكائِه عَلِمَ أنَّ حلمًا من أحلامِه أوجدَه في بلادِ العمالقة…

فجأةً شعرَ بانحجابِ النّورِ فاستدرَك أنّهُ يمرُّ في ظلّ عملاق… وبكلّ خِفّةٍ تسلّقَ شجرةً شامخةً  من شجراتٍ،  يُقالُ أنّها شجرةُ الأرزِ التي كانَتْ تزيدُ البلادَ المضيفةَ للقزمِ مجدًا وتميّزًا. بلغَ مسافةً قريبةً من أذنِ العملاقِ وقال:

يا لعظمةِ حالِك أيّها العملاقُ! أتوسلُك السماحَ لي بعيشٍ سالمٍ ومسالمٍ في أرضِ العمالقة… هي جنّةٌ يحلُم الحيُّ رؤيتَها ولَو مرّة في الأحلامِ…

أجابَ العملاقُ: وكيفَ تبادلُني السماحَ ببقائك، فأعرفُ أنّ جميلي معك قد أثمرَ عليَّ، فلتساعدني بلوغَ حكمِ أرضِ العمالقة؟

د. كارولينا الخوري عبود البعيني

 

علمَ القزمُ من جوابِ العملاقِ أنَّ السلطةَ في هذه البلادِ قد أغوَتْ أهلَها وأنسَتهم  حلوَّ العيشِ في جنّةِ الأديار….

عندها، وبسرعةِ بداهتِه، ردَّ القزمُ قائلًا: أكونُ خادمَك الذي يدخلُ جوفَ الأرضِ والكهوفِ حيث لا تطأُ قدمُكَ لضخامتِها، فأستخرجُ كلَّ كنوزِها وأجوّفُ سماكَتَها وأسلّمُك مالَها وثرواتِها، فتحكمُ مطمئنَّ البالِ، لا يعلمُ منابعَ أرضِك ومكنوناتِها إلّا قزمٌ صغيرٌ خادمُك، يخطّطُ عنكَ، فلا تتعبُ ولا تستنفدُ أفكارَكَ… واهنَأْ أنّكَ الحاكمُ وأني، أنا، لستُ إلّا القزمَ خادمَ الحاكم…

طابَ الحديثُ للعملاقِ واستهوَتْهُ مخازنُ الأرضِ يبلُغُها من خلالِ قزمٍ يجوّفُها بحكمةٍ، مقابلَ البقاءِ في الحكمِ للعملاقِ، وفي أرضِ الأرزِ للقزم…

ومرَّتْ الأعوامُ، وبكلّ حنكةٍ، يستعطفُ فيها القزمُ العملاقَ من خيراتِ أرضِه، إلى أنْ شاخَ فكرُ العملاقِ بعدَ أنْ سلّمَ التفكيرَ للقزمِ، وانْهَمَّ مطمئِنًا في ابتلاعِ الخيرات….

لقدْ علمَ القزمُ صِغْرَ حجمِ العملاقِ الذي سَلَّمَ أرضَهُ لقزمٍ، منذُ اللحظةِ التي سمحَ بها أن يصلَ قزمٌ إلى أعلى شجرةٍ من شجراتِ الأرزِ ميزةِ أرضِ العمالقة، وعلمَ أيضًا أنَّ فكرَ الأقزامِ يفوقُ حجمَ العمالقةِ….

وفي عزّ النعيمِ الحالكِ، أصبحَ العملاقُ هالكًا إذْ حرَّمَ التفكيرَ في أرضِ العمالقة، وعَقَدَ صفقةَ العمرِ معَ القزمِ مقابلَ التمتّع بجاهِ أرضِ الأرز….

وفي غفلةٍ صارَ القزمُ يستقطبُ الأقزامَ، وَمعًا يخطّطون لاستلامِ الأرضِ وتغييرِ العناوين. وَمكثَتْ شجراتُ الأرزِ محطةً، كُلَّما نظرَ الأقزامُ إليها، لَمَعَتْ شراراتُ أفكارِهم وتجدَّدَتْ، في حينِ أنَّ العمالقةَ قد مرَّ عليهم الدّهرُ بعدَ أنْ أغواهُم الحكمُ وهجروا الفكرَ… 

تعملقَ الأقزامُ، وتقزّمَ العمالقةُ، وبقيَتْ شجرةُ الأرزِ شاهدةً على التَّسلُّمِ والتّسليم…

أما بعد، فَمِنْ بذورِ الأرزِ نبتَتْ أفواجٌ تحملُ دماءَ العمالقةِ وفكرَ الأقزامِ، وعليها تَبْني شجرةُ الأرزِ الأملَ بأنْ يُصبحَ الفكرُ عملاقًا وتعودَ شهوةُ الحكمِ قزمًا…… فَيَنْبُتَ لبنان… 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *