سجلوا عندكم

القمقم المرصود

Views: 433

سلمان زين الدين

 

 

   حاملًا صخرتَهُ الكبرى

على ظهرِ لَواهُ العمرُ،

وَاسْتَلْقى على عاتقِهِ فيلُ الزَّمانْ،

خرجَ الصيّادُ من منزلِهِ

يَطلُبُ رزقًا كلّما طاردَهُ

أرخى لِساقيْهِ العِنانْ،

ورمى في غمرةِ البحرِ شباكًا

طالما أمعنَ في تقريضِها

فأرُ المكانْ

   ***

   علّقَ الصَّيّادُ عينيْهِ

بأخياطِ الشِّباكْ

آملًا أن يُنعمَ البحرُ عليْهِ

بالغفيرِ الجمِّ من صيدٍ

ومن رزقٍ حلالْ،

ومضى يَضربُ أخماسًا

بأسداسٍ،

يُمنّي النفسَ بالمنِّ،

وَبِالسَّلوى،

 وَتَمْكينِ المُحالْ

   ***

   مُبْحِرًا في حُلْمِهِ الورديِّ

أغرَتْهُ الشِّباكُ البيضُ

بالتَّفكيرِ في صيدٍ ثمينٍ

عَلَّهُ يَنْسى بهْ الفقرَ الَّذي

أدجَتْ لياليهِ، وطالَتْ

وَيُلبّي رغبةً مزمنةً

في الضَّوءِ والإثراءِ والعيشِ الكريمْ

فجأةً تَهْتَزُّ أخياطُ

الشِّباكِ البيضُ

يَستيقِظُ من إبْحارِهِ الصَّيّادُ

يُلقي نفسَهُ في الماءِ

يَحْدوهُ اشتعالُ النّارِ

في جمرٍ قديمْ

   ***

   خارجًا من لُجّةِ الماءِ

يُغنّي فَرِحًا

بينَ يديْهِ قمقمٌ

في صوتِهِ رَجْعُ القرونْ

وَعليْهِ خاتَمٌ

باسمِ سليمانَ الحكيمْ

فكّرَ الصَّيّادُ بالكنزِ

الَّذي بينَ يديْهِ

أومضَتْ في بالِهِ

نارُ الغنى

واستيقظَتْ من كهفِها

سودُ السِّنينْ

   ***

   حدَّثَتْهُ نفسُهُ

أن يَدفِنَ الفقرَ نهائيًّا

وأن يُوقِظ َأحلامًا لَهُ بِكْرًا

وَقدْ نامَتْ طويلًا:

سَيَبيعُ القمقمَ المرصودَ

في السُّوقِ القديمْ،

وَسَيَبني قصرَهُ العالي

الذي تأوي الى أكنافِهِ

زُهرُ النُّجومْ،

ويُوافيهِ القمرْ

وَسَيَبتاعُ الدَّراري

واللّآلي والصُّوَرْ

***

غيرَ أنّ القمقمَ الشَّيطانَ يُغْوي

يُوقِظُ الصَّيّادَ من أحلامِهِ البكرِ،

ويُغريهِ بوهمِ الجوهرِ المكنونِ فيهِ.

يَسقُطُ الصَّيّادُ في الإغواءِ فورًا،

يَنزِعُ الخاتَمَ عن قمقمِهِ

بحثًا عن الكنزِ الدفينْ

   ***

   فجأةً يَصْحو دخانٌ

من سُباتِ القمقمِ الكهفِ

الَّذي امتدَّ قرونًا

في حساباتِ الزمانْ،

 وَيَرى النورَ عمودًا

ماردًا ملءَ المكانْ

ـ لَسْتُ أَعْصى لكَ

بعدَ اليومِ، أمرًا،

يا نبيَّ اللهِ،

فَلْتُطلقْ سراحي.

قالَها الماردُ من لحظتِهِ

حتّى إذا ما أبصرَ الصَّيّادُ

في صدمتِهِ،

قالَ لَهُ:

ـ أبشرْ.

ـ بماذا؟

سألَ الصَّيّادُ.

ـ بالقتلِ.

أجابَ الماردُ الفظُّ اللعينْ

ـ وَلِماذا؟

ألأنّي كنْتُ سبّاقًا

إلى إخراجِكَ من ليلِ المجاهيلِ 

إلى نورِ النَّهارْ؟

أيُّ ذنبٍ هوَ ذنبي

كي أُجازى بالعُقوقْ؟

وَهَلِ القتلُ جَزاءٌ، يا أخا الجنِّ،

لِمَنْ يُنجيكَ من قعرِ البحارْ؟

أردفَ الصَّيّادُ في حزنٍ عميقْ

   ***

   أطرقَ الماردُ رأسًا،

واستعادَ الميِّتَ المدفونَ

في قبرِ القرونْ:

كانَ ما كانَ قديمًا

أنْ عَصَيْتُ الملكَ الأعلى

سليمانَ الحكيمْ

فَرماني قمقمًا

في غيهبِ البحرِ وحيدًا،

قلْتُ: مَنْ أنقذَني أغنيْتُهُ

حتّى يَموتَ الدَّهرُ والدُّنيا

فلمْ يَفعَلْ أحدْ

ثمَّ مَرَّتْ مِئَةٌ أُخْرى

على حَبْسي،

وَلَمْ يَفعَلْ أحدْ

بَعْدَها مَرَّتْ مئاتٌ أربعٌ

قُلْتُ إذا ما أَحَدٌ

أنقذَني من قمقمي

بَشَّرْتُهُ بالقتلِ حالًا،

وَلَهُ حقُّ اختيارِ

المِيتةِ الـْ يَخْتارُها

كي أُنجِزَ الحُكْمَ الَّذي

لا حُكْمَ قدْ يُشبِهُهُ

منْ أزَلِ الدَّهرِ

إلى دهرِ الأبَدْ

ـ لكنّني حرَّرْتُك، اليومَ، منَ السِّجنِ

وأطلقْتُ جناحَيْكَ من القيدِ

فهلْ أُجْزى بِنُكرانِ الجميلْ؟

ـ لا تُقلِّلْ، أيُّها الصَّيّادُ، من قَدْري

ولا تُفسِدْ قراري،

فأنا أصدرْتُ حُكْمي مُبرَمًا

والحُكْمُ، عندي، قَدَرٌ

فَاخْتَرْ سَريعًا موتَكَ الحتميَّ

كي تَنفُذَ أحْكامُ القدرْ

ـ حَسَنًا، يا أيُّها الجنّيُّ، لا تغضبْ

ولكنْ لي سؤالٌ واحدٌ يَشغَلُني

هلاّ تفضَّلْتَ بتبديدِ انْشِغالي

قبلَ أنْ ألْقى مَصيري

ويُوافيني الأجَلْ؟

ـ سَلْ وَأوْجِزْ.

ـ أنتَ عملاقٌ

وهذا القُمْقُمُ المرصودُ

لا يُمكِنُهُ أنْ يَحْتَوي

منْكَ يدًا

قلْ لي، بِرَبِّ العَرْشِ،

كيفَ القُمْقُمُ الطِّفلُ احْتَواكْ؟

مثلُ هذا الأمرِ إعْجازٌ

ولا يَفعَلُهُ

الاّ نبيٌّ أوْ رسولٌ أوْ ملاكْ؟

   سَقَطَ الماردُ في أُحبولةِ الصَّيّادِ

منْ ساعتِهِ،

أمْسى دُخانًا منْ جَديدٍ،

دَخَلَ القُمْقُمَ منْ فُوْهَتِهِ

حتّى إذا ما باتَ في داخلِهِ،

وَاسْتَيْقنَ الصَّيّادُ من فِعْلَتِهِ

هَبَّ إلى القُمْقُمِ منْ لَحْظَتِهِ

ألقى بِهِ فورًا إلى البحرِ العميقْ

   وَحْدَهُ العقلُ يَلي الأحكامَ،

مُنْذُ البَدءِ،

يُوليها نِهاياتِ الطَّريقْ

 الثلاثاء، في 13/ 1/ 2017

***

(*) من مجموعة “أحوال الماء”

  

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *