شاعر الكورة الخضراء
أرفقت ميراي المجموعة بـ”مفكّرة” العام 1942 وهي أيضاً على أناقة ومنهجية، وخصّت كلّ يوم فيها بقول مأثور للوالد الراحل الذي كان أليفَ الحكمة وربيبَ الفكر ما يُلامسُ الفلسفة الصافية.
ولعلّ ميراي كريمة الشاعر نسَلَت شُعاعاً من شمسِ والدها بإضافة ديوانها الجميل “يومَ قرّرتُ أن أطير”. وقد توفّرتُ على الديوان فإذا بي في حضرة الكلمة الراقية، الهادِفة، في إطارٍ من الشفافية والصدق مع الذات، والصور الجميلة … إلى صراعٍ بين الشكّ واليقين، لينتصرَ الإيمانُ والإنسانية والحبّ والوفاء.
فيومَ “قرّرَت” ميراي أن تطير هينمَ نسيمٌ عليلٌ لم يكتفِ بأن أنعشَ الأجواء بل دخلَ القلوب وفيها استوطن، وأيقظ العقل على جماليّة إفتقدناها في زمن الثرثرة والرداءة.
قاربَت ميراي بِرّ الوالدين، والحبّ، والعشق، والشوق، والأرض، والحلم، والوحدة، والوجود، والصلاة، والقدر … بالهمسِ حيناً وبالصراخ حيناً آخر، حتى لتراكَ مُحلّقاً معها، “يوم قرّرت أن تطير”، ولكن ليس إلى لا زمان ولا مكان، إنما إلى معبد ذاتها النقية التي تفوحُ طيباً وعبيراً وبخوراً، أياً كان الموضوع الذي تتناوله، لكأنّ كلماتها ترانيم صلاة.
ميراي عبدالله شحاده، أحيّكِ، وأكبِرُ فيكِ هذا الإصرار على إحياء ذكرى والدٍ عبقري كان أحد أبرز نجوم تلك الكوكبة (العزيزة على قلبي) من أديبات وأدباء “الرابطة الأدبية” الذين قلتُ، وأكرّر، إنهم دفعوا غالياً جداً ضريبة الجغرافيا، لبعدهم عن أضواء العاصمة، إلا أنهم أناروا عاصمة الشمال، ومن ثَمّ لبنان كلّه بما قدّموه من روائع يجب أن تحظى بمن يوقظ وهجها وحضارتها كما فعلت السيدة ميراي.