روما من فوق
د. جان توما
روما من فوق غير روما من تحت. هذه العظمة العمرانيّة التاريخيّة من أزقّة في روما وحاراتها الفنّية الساحرة وصولا إلى ساحة الفاتيكان لن تدركها إلّا إن صعدت إلى قبة كنيسة القديس بطرس، لتطلّ على العالم من فوق، عابرًا ممرات ضيّقة تكيّف جسدك مع انحناءات الجدران المصنوعة بأيد حرفيّة ماهرة ومؤمنة.
أنت في حضرة التاريخ، عمرانا وتقاليد. هنا تشعر بدفء الإيمان، فيما الأعمدة تئن لأحداث جرت هنا قد لا تتسع الكتب لسردها، وتختصرها بالتأكيد على أن لا يمكنك زيارة روما دون أن تزور الفاتيكان.
كلّ ما في هذه الساحة يقودك للصلاة أو للهتاف أو لتتذكر كيف أنّ هذه الحاضرة، كما سائر الحواضر، ساهمت في صناعة التاريخ وكتابة مفاصله. إذ كانت كلّ الطرق تؤدي إلى روما، ومدن التاريخ، لتمكين العاصمة المركزية وتمتين انتماء الجوار إلى هذه المدينة التي لا تكتشف جمالها إلّا إذا سرت في ساحاتها، وتأملت مبانيها وآثارها وأرصفتها، لتفهم كيف استطاع المتحاربون تحييدها كمدينة مفتوحة في الحروب المتعاقبة كي لا تخسر الإنسانيّة مدينة فنّية، ففي كلّ منعطف إطلالة على مرابع الجمال.
من هنا يكتمل المشهد الجمالي بين الحارات الفنّية ومساحات الاستقبال الواسعة في الفاتيكان.كيف استطاع الإيطالي الذي تراه مساء في هذه الساحات، بعد انتهاء دوام عمله، رسّامًا أو نحاتّا أو موسيقيّا أو صاحب موهبة إبداعيّة، أن يستكمل بحضوره الإبداعي لوحة الآثار الفنّية المنتشرة في كلّ مكان، التي تحكي عن الماضي وعن الإضافات الجديدة لكلّ جيل يترك بصماته في العمران الفنّي الإيطالي.
إنّ الوقوف هنا في إعلى نقطة في الفاتيكان يوضح لك هذا الإصرار على صيانة آثار روما العمرانيّة كثروة سياحيّة دينية تؤمّن فرص عمل، وتزيد الدخل اليومي للعاملين . ويدفعك إلى التأكيد على أهمية الثروة السياحيّة الدينية في طرابلس، وهو مشروع قديم يجب إعادة تفعيله وإحيائه لتظهير دور المدينة التاريخية، وإطلاق حركة سياحيّة للمشاة وفق خريطة سياحية دينية روحيّة تقود إلى عشرات المساجد والكنائس والتكايا ما يجذب الاستثمارات لخدمة السياح وزوّار المدينة . فهل تصبح طرابلس من فوق غير طرابلس من تحت؟!