رح حلفك بالغصن يا عصفور
د. جان توما
يذهب الشاعر ميشال طراد (١٩١٢-١٩٩٨) إلى العصفور ليحمّله الشوق إلى تلك: “حلوة بإيدا كتاب .. سلّم على الحلوة”. (zonaroofingaz.com)
ما هذا الغصن اليابس أو المورّق الذي باسمه يحلف الشاعر للعصفور؟ تصوّر العالم بلا أغصان. أين يحطّ عصفور الوجع بعد طيران مضنٍ؟ صحيح أنّ العصفور له الفضاء الرّحب والمسافات المفتوحة على الأمداء، لكنّ الأجنحة من وجع الحنين تصبح متكسّرة، وعليها أن ترتاح، فأين تجد الغصن الحامل ألمها وتعبها لتحتفي “بالورق، بالفي، بالنبعات”؟.
من هنا تأتي صورة حمامة السّلام التي أطلقها مرارًا رجل الله نوح بعد الطوفان، فكانت تعود إلى السفينة لأنّها لم تجد لها غصنًا تتكىء عليه إلى أن وقعت في الرحلة الأخيرة على غصن زيتون، فأتت به إليه وراحت، دلالة على أنّ ماء الطوفان انحسر، وأنّ أغصان الشجر بانت فوق وجه المياه، وأنّ غصن الزيتون الذي أتت به هو علامة الرّجاء والسّلام والاستقرار.
حين غنّى وديع الصافي (١٩٢١-٢٠١٣) هذه الأغنية المجروحة عتبًا، أشعل النيران في أغصان الشّجر وألهب أفئدة العاشقين. لعلّ الأخوين رحباني حين لحّنا هذه الأغنية نقلا إليها تراثهما المهني من عملهما كشرطيين بلديين في انطلياس حيث كانت أغصان الأشجار متكأ لهما كما العصفور، يقولان له بلسان الشاعر:” وإن هديت رياحك، بتمرمغ جناحك، عالسطح عالحيطان، عتياب مدرية،
عالبسط عالقمصان ،ع كلشي تخزق، عالمقعد الأزرق ، عالقمر السكران”.
ما هذه العلاقة بين العصفور المُتْعَبْ والغصن؟ كيف يشعر العصفور بنبض الحياة يسري في نسغ الغصن؟ هل تشبه علاقة الاثنين بعلاقة الشبه بين الغصن والحضن؟ هل يصير حرف النون جرن معمودية لتكامل طبيعي بين ليونة غصن وزقزقة عصفور؟ بين صمت الخشب المورّق وتغريدة طير؟ هل يهمس الغصن في أذن العصفور حكيَ العمرِ ونجوى القمر؟ أم يبوح له بأسماء العاشقين الذين حفروا أسماءهم على الغصن ورحلوا وبقيت الأسماء بلا وجوه، لعلّ الريح إذا هبّت تعيد ملامح من كان هنا ومضى.
ويبقى ” البذكرا فيي ..وإن كان ما في شي من حبنا باقي، بتسكت الساقي يا طير، وبتمشي
وبتغط تحملني “..
راح ميشال طراد ووديع الصافي وعاصي الرحباني (١٩٢٣- ١٩٨٦)، ومنصور (١٩٢٥- ٢٠٠٩) وراح العصفور وبقي الغصن وحيدًا كقارورة طيب كسرها عاشق من ولهه فغاب هو ، وبقي أريج الحكاية.