لا حقيبة ولا عبور

Views: 764

د. جان توما

 

بدأت دروب القرية تلملم حجارتها، تلفّ بساط رملها قبل عبور المطر. لبست النوافذ قمصانها، وتسربلت بالشالات، وقبعات الصوف، قبل اجتياح البرد لمفاصلها،

يتمايل تشرين على طرف الوادي يجمع أوراق الشجر ، قبل هبوب الريح والاشتياق للنسائم. تقف أشجار الشارع حزينة، وحيدة، ترقبُ من كان يطلب ظلّا في الصيف الذي مضى، وتشتاق إلى حديث العاشقَين اللذين حفرا أول حرفين من اسمهما على جذعها علّهما يجتمعان في الصيف الآتي.

يجمع صاحب المقهى كراسي الخيزران، ويسحب طاولات القشّ ليودعها المستودع، بعد أن غادر المصطافون ساحة القرية، والبيدر، والنبع، وما بقي من سواقي المشوار المسائي، كما لم يعد يلقي الراعي السلام، وقد أنزل القطيع السهل الدافىء قبل وصول البرد.

ساكنة؛ تبدو المفارق هنا. نوافذ البيوت المفتوحة على المدى أغلقت بإحكام. اختفت الأراجيح والنباتات عن الشرفات. خلت البيوت من أصحابها بعد أن أخلى الصيف المكان لتشرين. كلّ ما في المحيط شجرة تهزّها أناشيد الهواء، وساحات بيوت اشتاقت للعب الأطفال. شَدّوا الرحال جميعا إلى السهل والساحل. ىبقى الجبل بانتظار حكايات مطر المعمودية وثلج القداسة.

غدا ترسل لك حجارة سور بيتك القديم في الجبل المنسي سلامها ،مع الطيور العابرة. لم يبق أحد هنا إلّا من اتًخذ من ساحة الميدان والسوق القديم مسكنا في الصيف والشتاء. وحدها الحقائب جاهزة للرحيل. ابقّ وطني بلا حقيبة ولا عبور. ابقَ وطني درب كرم العلايلي، وقناديل السهر، ابقَ العمر الجايي بفرح.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *